مقدمة لابد منها :
يقول الرفيق الشهيد يوسف سلمان يوسف ـ فهد ـ : (هناك مئات والوف من المواطنين الواعين الغيارى من كافة طبقات الشعب مستعدون للسير في الحركة والتضحية في سبيلها ان وجد ما يجمعهم وينظمهم ويرشدهم إلى طريق العمل الصحيح , ومن وراء هؤلاء اقسام كبيرة من الجماهير الشعبية التي قال عنها ماركس بان ليس لها ما تخسره في نضالها سوى قيودها ) .
وهنا اسأل : أين نحن اليوم من نهج وتراث وتعاليم الرفيق الخالد فهد ؟
أين نحن من الجماهير التي تخرج أسبوعيًا إلى الساحات العمومية وتطالب بحقوقها المغتصبة ؟ لماذا فشلنا في تقوية تنظيم الحزب في جميع مواقع النضال ومن هو السبب ؟
قيادة الشيوعي الكوردستاني في وادٍ والشعب في وادٍ آخر :
أصدرت قيادة الشيوعي الكوردستاني، يوم الاربعاء المصادف 26 اب 2020 بلاغَاَ اعلامياَ حول أحداث الأشهر الستة الماضية على صعيد العالم والمنطقة والعراق وكوردستان إلتي تعاني من أزمة سياسية و بنيويّة شاملة ،الا ان القيادة كما يقول المثل الشعبي تخوط بصفّ الإستِكان في موضوع معالجتها لازمة إقليم كوردستان .
للاسف يتبين من بلاغ اجتماع اللجنة المركزية بان القيادة في وادٍ والشعب في وادٍ آخر, فالقيادة تضع أسباب تفاقم الازمات على جائحة كورونا والراسمالية العالمية وحكومة بغداد ، وتغض الطرف عن دورالحزبين المتنفذين الفاسدين ( الاتحاد والديمقراطي ) في ايصال الإقليم وشعبه إلى ما هو عليه .
وكان من الممكن أن يمر البلاغ مرور الكرام لولا صدوره من حزب يصف نفسه باليساري ومعارض , ولهذا انتشر البلاغ خلال الأيام الماضية داخل الإقليم وخارجه مثيراً خلافاً واسعاً بين اعضاء وكوادر ورفاق واصدقاء الحزب حول عدم واقعية القيادة في تشخيص اسباب المشاكل والازمات الحقيقية التي تطحن الشعب طحن الرحى وانحيازها بحجج واهية للطغمة الحاكمة المتسمكة بالسلطة بهدف الحفاظ على مصالحها وإمتيازاتها , إضافة الى ان البلاغ المذكور لا يرقى إلى تضحيات الحزب الشيوعي الممهورة بالدماء والذي دفع خلال مسيرته النضالية ضريبة نضاله مئات من الشهداء والمعذبين والسجناء في النضال الطبقي والوطني والاجتماعي وفي مقدمتهم قادة الشيوعي العراقي الاماجد ( فهد وصارم وحازم ) .
ليست الحرية مائدة تهبط من السماء على طالبيها :
كتب الرفيق الخالد فهد مقالة نُشرت في العدد السادس من جريدة القاعدة في تموز 1943 تحت عنوان : (ليست الحرية مائدة تهبط من السماء على طالبيها) , اقتبس منها الفقرة التالية لأهميتها وعلاقتها بالموضوع الذي أنا بصدده , يقول الرفيق فهد : ( أن كلا من إسم شيوعي، تقدمي، ديموقراطي، وطني، ليس لقبا يمنحه الشخص لنفسه، أو تطلقه جماعة من الناس على نفسها، بل أن هذه الأسماء صفات لأشخاص ذوي جرأة وتفكير سليم، يناضلون ويضحون في سبيل ما يؤمنون به واذا جردت هذه الاسماء من صفاتها فانها تترك مدعيها طبولا جوفاء ) .
لم يكتب الرفيق الخالد فهد هذه المقالة اعتباطاً أو لمجرد نزوة الكتابة،وا نما كتب بدافع تشخيص المنافقين والمتلونين الذين يقولون شيئا ويفعلون خلافه من اشباه الشيوعيين والتقدميين والديمقراطيين الذين يتَّسِمُون بقصر النظر والانتهازية والديماغوجية .
وحتى لا أطيل عليكم أود هنا أن ألخّص ملاحظاتي بالنقاط الست التالية :
1 ـ اثبت الواقع أن قيادة الشيوعي الكوردستاني ( لا تريد ) مواجهة الاستبداد السياسي والاقتصادي في الإقليم ولاتريد قراءة الواقع الكوردستاني وملامستة وتحليل معطياته في ظل فشل السلطة القائمة على الازمات في إدارة الإقليم الذي يسير نحو الهاوية , ولاتريد ان تخوض المعارك السياسية لتغيير الواقع . والاكثر من هذا تنحاز للاحزاب الاوليغارشية الحاكمة بعد ان استطاعت ونجحت في استقطاب قسم من الكوادر القيادية عبر دغدغة مشاعرهم ولا سيما القومية للاصطفاف ورائهم وتجنيدهم لخدمة مصالحهم والترويج لأجنداتهم ,طبعا بحجة ان جميع الصراعات في الوقت الراهن تأخذ طابع المحلية وهي من اجل الدفاع عن الوجود والهوية القومية وان قضية الصراع الطبقي لم يعد لها وجود, في وقت الذي فشلت وأخفقت القيادة الكوردية وبأمتياز في توحيد الصفوف وتوحيد أنفسهم وقواتهم وجماهيرهم حول هدف محدد وما حدث سابقا ومايحدث اليوم في الإقليم من التراجع والفشل والصّراع على النّفوذ والسلطة والزعامة بين الاحزاب الكوردية مثال على ذالك .
من السذاجة ان نعتقد ان الفرق كبير بين سياسة الحكومة الحالية وسياسة الحكومات السابقة في الإقليم , فكلها تعمل على نمط واحد , الواحدة تكمل فساد الاخرى, لا عدالة والقضاء أداة طيعة بيد السلطة , اما البرلمان فهو يمثل مصالح الاحزاب وليس الشعب .
وعليه لم يكن غريبا أن يتراكم الغضب والاستياء الجماهيريان على هذا الواقع المأساوي، لينفجرا في تظاهرات احتجاجية بدأت مؤخرا في اغلب مدن الإقليم بأستثناء اربيل ولاسباب معروفة لاداعي لتكرارها , تظاهرات طالبت بالتغيير وإزاحة منظومة المحاصصة الحزبية والفساد برمتها.
وقد اتسمت هذه الاحتجاجات الفريدة بعفويتها وسلميتها، وبالدور المحوري والمتميز للشباب والنساء فيها , إضافة إلى مشاركة (بعض كوادر حشك القيادية في كَرميان والسليمانية ) .
2 ـ قيادة الشيوعي الكوردستاني منقسمة على صنفين رئيسيين , الصنف الاول يتألف من الكوادرالقيادية في اربيل والاغلبية منهم يشجبون السلطة الفاسدة ونظامها المبني على نهج المحاصصة الحزبية في مجال القول ويعيشون معها بتفاهم تام في مجال العمل المشترك بحجج واهية , اما الصنف الاخر يتالف من الكوادر المقيمين خارج اربيل , مقتنعين بضرورة التغيير والاصلاح الحقيقي ويشاركون بشكل ميداني في الاحتجاجات الجماهيرية جنباً الى جنب المسحوقين الكادحين حد العظم من ابناء شعبنا الذين يقفون اليوم بوجه اعداء التغيير من الفاسدين المتنفذين القابضين على عصب الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والصحية , لإيمانهم بان الحزب يجب ان يكون حيث الجماهير ومطاليبها المشروعة إِنطلاقاً من مسؤولية الحزب الطبقية والوطنية تجاة الجماهير بشكل عام والطبقات المسحوقة بشكل خاص .
3 ـ المشكلة الرئيسية في الإقليم تكمن في بنية منضومة الحكم التي تنتج الأزمة بالاستمرار والتي اوصلت الإقليم إلى هذا الوضع من الإنهيار. وعليه لا حلّ إلّا في التغيير الشامل، وليس في إصلاحات الترقيع وحلول قيادة الشيوعي الكوردستاني المشار إليها في البلاغ المذكور , لان الحلّ بالترقيع لم يعد ممكناً ولا بدّ من حلّ جذريّ وتغيير حقيقي في المنظومة السياسية الحالية .
ولست مجافيا للحقيقة اذا قلت وهو ما اكد عليه الكثيرون بان بعض الكوادرالقيادية الشيوعية اهملوا تنظيم حزبهم وقاموا بتقوية نفوذ الحزبين بين الجماهير وفِعْلاً نجحوا في ذالك بحجة ( تطبيق تعاليم الرفيق فهد في تقوية تنظيم الحركة الوطنية ) !! وتناسوا بان الرفيق الخالد فهد قال : ( قووا تنظيم حزبكم الشيوعي , قووا تنظيم الحركة الوطنية ) ولم يقل : قووا السلطة الاوليغارشية القائمة على الفوضى والسرقات وخنق الحريات!!
4 ـأثبتت تجارب السنين الماضية بان الطريق الصحيح للاصلاح الحقيقي يكمن في تغيير الطبقة السياسية الفاسدة من ( المحتكرين , والمضاربين , والمهربين ومن يسندهم ويشاركهم من كبار الشخصيات الحزبية والحكومية ) , تلك الطبقة التي التي كرّست الهيمنة الحزبية على كل مفاصل الإقليم منذ عام 1992 حتى الآن . و فشلت في بناء الحكم الرَّشيد وبناء الدّولة وسيادة القانون وإرساء قواعد الدولة المدنية الديمقراطية التي تسع الجميع ومحاسبة الرموز الفاسدة، واستعادة أموال وممتلكات الشعب المنهوبة، وإلغاء كل القوانين المقيدة للحريات .
5 ـ كان على قيادة الشيوعي الكوردستاني ان لاتكتفي فقط بادانة الحملة العسكرية التركية والقصف الايراني وكافة التدخلات في شؤون إقليم كوردستان والعراق , بل كان عليها ان تطالب بوضوح رفض وإلغاء الاتفاقية التي أُبرمها السلطة الكوردية مع تركيا عام 1997 للسماح للقوات التركية بالتواجد في قواعد استخباراتية ومقرات عسكرية موزعة على محافظتي أربيل ودهوك .
6 ـ كان على الشيوعي الكوردستاني ان يخوض اليوم نضالاً عنيداً من أجل حقوق الشعب عن طريق قيادة الإضرابات والاعتصامات والتظاهرات الشعبية السلمية وان يلعب دورا رئيسيا في تنظيم الطبقات المسحوقة وقيادة نضالاتها السياسية والاقتصادية من اجل العدالة الاجتماعية و توفير الحياة الكريمة لكافة المواطنين, وليس كما نراه اليوم منغلق على نفسه , محدود الصلات , نتيجة خضوعه لسياسة السلطة الحاكمة وتخلّيه عن دوره النضالي الطبقي في الحياة السياسية والتصاقه بالسلطة الفاشلة التي ترى أن كل معارض ومتظاهر هو مخرب ومشاغب .
أما شعار الحزب الشيوعي العراقي الذي طرحه مؤسس الشيوعي العراقي الرفيق الشهيد فهد واصبح لاحقا شعار المؤتمر الحزب الاول في عام 1945 (قووا تنظيم حزبكم، قووا تنظيم الحركة الوطنية) والذي اختتم به البلاغ المذكور , يحتاج وحده إلى حديث ونقاش وتحليل اوسع و مستقل .
اختتم مقالتي بمقولة مقتبسة من رواية ـ الواح ودسرـ للمفكر العراقي احمد خيري العمري في هذا الجانب قد تختصر كل المعاني وهي: إذا ركبنا سفينة الغير، فعلينا ألّا نتوقع أبداً أن نصل إلى مكان آخر غيرالذي يقصدونه.
ويبقى السؤال الأهم : ما الجديد الذي اضافه بلاغ اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الكوردستاني الصادر بتاريخ 26آب 2020 إلى عمل الحزب في هذا الظروف العصيب الذي يمر به شعب الإقليم ؟