بدءا علينا ان نقول باننا لسنا ضدّ أن يستخدم الإنسان الأجهزة الالكترونية والهاتف الذكي والآي باد وبقية الألواح الخاصة بتقنية السوشيال ميديا ، وهل يستطيع احد ان يُوقف هذا السيل العارم الذي طغى على عقولنا أو أن يُسكت هذا الهوس الضاجّ في رؤوس مستخدميه ويحدّ من فيض تسونامي العلوم الرقمية والتقنية الالكترونية التي بدأت تنافس الكتاب والصحيفة الورقية وقد تنتصر عليه قريبا لتكون الشاشة السحرية هذه طاردةً للورق مثل روزنامة انتهت فعاليتها وامّحى توقيتها وتطايرت مع الريح بلا هدى ؟؟ !!
التكنولوجيا الرقمية التي طغت العالم كلَّه ليس من الممكن أن نعدّها نعمةً أم نقمةً ؛ إنما الأمر يتعلق بأسلوب استخدامها وفرط التعلّق بها مما يؤدي التوغل في الإدمان وما يرافقه من أمراض نفسية وجسدية معا ؛ ولنتذكر تقرير منظمة الصحة العالمية الصادر مؤخرا حينما اعتبرت الإيغال في الألعاب الالكترونية ضمن الأمراض النفسية التي يتوجب معالجتها ؛ ولا نخفي بان هناك من الألعاب قد صُممتْ قصدا لتتحول تدريجيا الى إدمان يصعب جدا الانفلات منه .
ولكن ماذا عن الأذى الجسدي الظاهر في بنية الإنسان المكبّ ليلا ونهارا وهو يحني رقبته وظَهرَه مما تسبب آلاما في العمود الفقري والحبل الشوكي فيفقد الإنسان الاستقامة في الوقوف ويعتاد على الانحناء بينما الانتصاب هو سمة الإنسان ليكون واقفا مستقيما في جسده وروحهِ ؟؟.
اما النوم فيزداد اضطرابه مع تفاقم استخدام اللوح الالكتروني ، فالمهووس بهذه الأجهزة يعاند نعاسَه ويطيل من السهر ويهمل الاسترخاء ، وكثيرا ما يجابه سلطانَ النوم ويقنع نفسه على تأجيل غفوته ، وحتى لو نام منهكا فالجهاز يجاوره ويترقّب إشاراته وتنبيهاته مما يزيد ساعات اليقظة بين حين وآخر ويتعب الأعصاب وينهك العيون الضعيفة أصلا بسبب التحديق المتواصل على الشاشات غير الصحية إضافة الى ما تسببه حالة اليقظة المتكررة أثناء الغفوة من تراخي القدرات في دماغ الإنسان وضعف الإدراك .
وكم من الأشخاص أصيبوا بالتهابات أوتار اليد ممن يستعملون الرسائل النصيّة المتواصلة والتي قد تستمر لساعات طويلة والإجهاد المتكرر في النقر بواسطة الأصابع على الحروف والأرقام .
وهناك من الفتيان ممن يزيدون الترددات الصوتية عند سماع الموسيقى بشكل صوت عالٍ على أنغام الداب ستيب والراب والبوب الصاخبة لمدة تزيد على أربع ساعات يوميا وما ترافقها من ضوضاء وكثيرا ما تؤدي إلى حدوث طنين في الأذنين ، وقد يؤدي هذا التكرار الى فقدان حاسة السمع تدريجيا .
ناهيك عمّا يصيب الإنسان من تراكم الكسل والخمول نتيجة فقدان الحركة وعدم ممارسة الترويض وفقدان الأنشطة الجسدية والانزواء مع الأجهزة الحاسوبية مما يؤدي إلى البدانة والترهّل الجسدي المنهك ويقرّب المسافة بين المدمن والأمراض وقد تؤدي هذه الحال إلى أن يكون الإنسان مُقعَدا ساكنا فاقدا للحركة وربما الى الموت المفاجئ .
يقول مثلنا العربي الشائع : إنّ لِبدَنِك عليك حقٌ وان لنفسك عليك رفقٌ ، فلماذا نضعف مرآنا ونقصر بصرَنا على الشاشة وننسى التأمل في إبداعات الطبيعة ومروجها الخضر ونجول لنرى ما صنعه الإنسان من عمارة الأرض ومشاركة الناس في المعشر وتوثيق العلاقات الاجتماعية ؟؟ ، وهل علينا نحن أسرى التقنية الالكترونية ان يستعبدنا الحاسوب ويوقعنا في مهاوي الإنهاك ونُصاب في أعضل مرض معاصر مزمن يؤدي الى التوحّد والاكتئاب والانطواء سمّتهُ منظمة الصحة العالمية ” متلازمة رؤية الحاسوب ” ؟؟
أعلم ان ما أكتبه سيُقرأ قراءة عابرة ؛ لكن يقيني انه لا يؤخذ به إلاّ من قبل القلة القليلة جدا ممن يراعون أوضاعهم الصحية مراعاة دقيقة ، ومن منّا يقف امام هذا التسونامي الالكتروني الرهيب ممن يمسكون الهواتف والألواح الإلكترونية التي من الصعب بل ومن المحال نزعها من أيديهم إدمانا وتعلّقا قد يفوق التعلّق بحبيبة سلبت عقولهم ولعبت في نفوسهم واحتوتهم أسرى دائمين لا فكاك من هذا القيد اللعين الذي حزّ العقول والنفوس والأيدي معاً .
جواد غلوم