إن محاولة البعض القول؛ بأن (قادة “قنديل” يقصون مظلوم عبدي.. بمساعدة دمشق وإهمال واشنطن)، بقناعتي فيها الكثير من الاستخفاف بعقول الآخرين وذلك لأسباب عدة أهمها نلخصها بالنقاط التالية: أولاً؛ يعتبر مظلوم عبدي جزء من منظومة سياسية عسكرية تعمل على إدارة المناطق الخاضعة لقوات سوريا الديمقراطية تحت مظلة سياسية تسمى بالإدارة الذاتية وهذه المنظومة تعمل كفريق كامل -مستقل أو خاضع لقنديل، بحسب قراءة كل فريق- وبالتالي لا استفراد بالقرار وإن كان لكل قيادي دور في مؤسسة من مؤسسات الإدارة الذاتية، ثانياً؛ لو أرادت قنديل إقصاء عبدي وإفشاله -رغم أن ذلك ليس من مصلحة قنديل نفسها- لكانت فعلت ذلك، بل لها من الآليات لجعل عبدي يتنحى ويأتي من يتولى المسؤولية العسكرية حيث نعلم مدى التنظيم والخضوع في منظومة العمال الكردستاني ومن تأدلج داخل منظومتها فكرياً حيث الولاء العقائدي الكامل لقرارات القيادة العليا وأي مسؤولية هو تكليف وليس تشريف وبالتالي يمكن استبدال أي قيادي بآخر وبكل سهولة وأريحية وعبدي لن يكون الاستثناء حيث لا قيادي دائم في المنظومة العمالية إلا أوجلان وقيادات قنديل التاريخية، ثالثاً؛ يعتبر العمال الكردستاني ورغم كل راديكاليته الأيديولوجية في مرحلتي التأسيس والثورية الإشتراكية، إلا إنه استطاع أن يعمل نوع من الانقلاب السياسي بحيث يصبح أحد أكثر المنظومات السياسية الكردستانية براغماتيةً بحيث يستفيد من الظروف والتغيرات الحاصلة بالمنطقة وللتوضيح أكثر؛ نعم هو نسق خلال فترة طويلة مع النظام السوري، كما الآخرين من الأحزاب الكردستانية الرئيسية، لكن هو مستعد للتعاون مع أطراف إقليمية ودولية، بل يعمل على ذلك فعلياً وذلك للحفاظ على مكتسباته في مناطق الإدارة الذاتية، كون تلك المكاسب هي أحد أهم إنجازات المنظومة العمالية، إن لم نقل أهمها وبالتالي الحفاظ عليه يعتبر أهم شرط في دعم مسيرته السياسية النضالية.
وأخيراً وليس آخراً؛ ليس من مصلحة أمريكية بإبعاد العمال الكردستاني أساساً لتعمل هذه الأخيرة على إفشال عبدي وذاك ما نلاحظه حيث هناك نوع من التعاون والتنسيق غير المعلن بين الطرفين؛ أي أمريكا والعمال الكردستاني يعملان على إنجاح التجربة وذاك كان أحد أهم الأسباب في نشوء خلاف حاد بين سياسات تركيا وأمريكا بالمنطقة حيث الأخيرة تريد المحافظة على الحليفين، بينما لا تريد تركيا -وباقي دول الاحتلال لكردستان- أي دور كردي في سياسات الشرق الأوسط الجديد وخاصةً عندما يكون العمال الكردستاني يقوده، كما هو في واقع الحال مع الإدارة الذاتية ولو فكرياً أيديولجياً فقط، كما صرح عبدي نفسه وغيره من قيادات الإدارة الذاتية بخصوص العلاقة مع العمال الكردستاني.. ما نود قوله وبإيجاز شديد؛ بأن السيد مظلوم عبدي ليس في صراع مع قنديل وأن الأخيرة أفشلته كما توهم البعض، بل هو جزء من منظومة سياسية عسكرية أيديولوجية متحدة ومتفقة على رؤية ومشروع سياسي ينسجم مع الرؤية والحل الأوجلاني في “أخوة الشعوب والأمم الديمقراطية” وهذه طبعاً لا تغيب عن قراءة أمريكا للمشهد السياسي، بل هي تعمل مع تلك المنظومة عبر هؤلاء القادة الذين تمترسوا أساساً في خلايا وأفرع المنظومة العمالية ويحملون إرثها الفكري الفلسفي، أي أمريكا نفسها ليست في حالة صراع من قادة قنديل وهذه أحد أسوأ كوابيس تركيا حيث تدرك جيداً بأن الموقف الأمريكي منها ومن قنديل قد تغير تماماً حيث ورغم إبقاء واشنطن حزب العمال الكردستاني على لائحة الإرهاب، بل وضعت قادتها على لائحة المطلوبين لديها، لكن في حقيقة الأمر هي تتعاون معهم لجعلهم يصبحون جزء من الحل لا المشكلة وذلك ما يقلق تركيا حيث سيكون القادم هو انتقال التجربة لداخلها نفسها وهي التي تحتل أكبر جزء من كردستان، طبعاً الأمريكان، كما العمال الكردستاني، مجبران على التعاون في روجآفا، كون كل منهما يدرك بأن لا نجاح له دون مساعدة الآخر.
لذلك -ولما أوردناه سابقاً- يمكن القول؛ بأن لا حلول لدى الجميع إلا العمل معاً وعلى تركيا أن تعي ذلك جيداً حيث من مصلحة الأمريكان الحفاظ على الحليفين؛ القديم تركيا كعضو في حلف الناتو والجديد؛ الدور الكردي الذي يتبلور كأحد أهم حلفاء الغرب والأمريكان في المنطقة للحفاظ على مصالحهم بأقل كلفةً مادياً وبشرياً وبالتالي عليهم حمايتهم وإدخالهم في لعبة المعادلات السياسية وأخيراً ليس للكرد إلا القبول بهذه الحماية، كون دون ذلك يعني المزيد من الجيوسايدات والمآسي والاحتلالات وأعتقد بات الجميع مدركاً لهذه الحقائق ولذلك فلن يكون هناك إلا مخرجاً واحداً وهو الجلوس حول طاولة المفاوضات لتقاسم الكعكة أو الشراكة داخل هذه الجغرافيات حيث الحروب لن تقدم حلولاً سلمية، بل الاتفاق والشراكة السياسية هي التي ستقدم لكل أطراف النزاع حلولاً غير عسكرية ولا يهم في هذه الحالة الأشخاص ومن يقودها حيث لكل مرحلة قادتها ورجالها وإن كانت رجالات قنديل باقون دائماً!