قل الكرد ، لا الأكراد
عماد عبود عباس
تناولت كتب التراث شخصية الأعرابي و قدمته النصوص الأدبية بأنماط مختلفة و متناقضة أيضا فبدا لنا تارة حكيما وتارة ساذجا و وجدناه في نصوص أخرى ظريفا لكن صورة نمطية طغت على الشكل النهائي تفرق بينه و بين العربي إذ أصبحت كلمة (أعرابي ) تعني الذم و القدح بعكس كلمة عربي حتى إذا قيل للأعرابي : يا عربي فرح و هش و إذا قيل للعربي يا أعرابي غضب ( لسان العرب و تاج العروس – مادة عرب) و وفق هذا الفهم الخاطئ دأب الكثير من ناقلي النوادر و مؤلفيها على استخدام عبارة ( قيل لأعرابي) أو (جاء أعرابي) عندما يريدون سرد طرفة أو نادرة كتلك التي تروى عن جحا و غيره متجاهلين الصفات الحقيقية التي يتميز بها الأعرابي فهو حكيم وطريف ، حاضر البديهة وذو أجوبة سريعة تحمل بين حروفها عناصر البلاغة المتناهية بما يتناسب عادة مع صفات أهل البادية و من المعروف أن العرب كانت ترسل صبيانها الى البادية ليتعلموا فصاحة اللسان و الصيد و الفروسية و المهارات الحياتية الأخرى و يزعم كثير من أولئك المؤلفين أنهم استقوا أوصاف الاعرابي تبعا لما جاء ذكره عنهم في القرآن الكريم و الحقيقة أن هذا الزعم فيه كثير من التجني إذ أن ذكر الأعراب ورد في القرآن الكريم عشر مرات اقتطعوا منها فقط ما يخدم أغراضهم في رسم صورة للشخصية التي تحتمل التأويل و التأليف و هكذا روجوا لنموذج مشوه للأعرابي على انه يمثل شخصية الجاحد و الكافر و المجنون الخ في اللغة الأعرابي : البدوي وهم الأعراب ، والأعاريب: جمع الأعراب، وليس الأعراب جمعاً لعرب ، والنسب إلى الأعراب أعرابيٌ ،لأنهُ لا واحد له على هذا المعنى كونه اسم جنسٍ، قالَ الأزهري : ورجلٌ أعرابيٌ إذا كان بدوياً صاحب نِجعةٍ وانتواءٍ وارتيادٍ للكلأ وتتبع لمساقطِ الغيثِ وسواء كانَ من العربِ أو من مواليهم ويجمعُ الأعرابيُ على الأعرابِ والأعاريبِ و يبدو أن كثيرا من أخوتنا الكرد خاصة من احتك منهم بأبناء القومية العربية و تعلم لغتهم تأثروا بهذا الفهم و بهذا التوصيف للأعرابي ، على أنه وصف ذم و قدح على عكس صفة العربي صاحب الحكمة و البلاغة و استنتجوا أن وصف الأكراد يعني الذم و القدح لأن فيه محاكاة لتوصيف الأعراب و عليه فإن توصيف الكُرد يكون (مكافئا) لتوصيف العُرب ، وليس استخدام (أكاريد) و (أتاريك) شائعا في الغة العربية مثلما أن استخدام أعاريب لجمع الأعراب ليس شائعا ايضا و يضيف الكرد حرف الواو لهذه الكلمة لتصبح ( الكورد) للتعويض عن الضمة التي تفتقر اليها اللغة الكردية و ذهب البعض الى أن هذا الحرف وضع لكي لا تكسر الكاف أو تفتح . و الحقيقة ان كثيرين مثلي لم ينتبهوا لتحسس أخوتنا الكرد من مسألة جمع الكردي أكراد رغم ان لنا صداقات تمتد لعقود خلت مع الأخوة الكرد و ما زال كثير منا يستخدم هذه الصيغة للجمع دون قصد الإساءة بدليل أننا نجمع التركي أيضا بنفس الصيغة ( أتراك) و لم نجد تحسسا من الترك لذلك للأسف الشديد لم يعد العلامة الراحل مصطفى جواد بيننا ليفتينا بهذا الموضوع وليقوم ألسنتنا بما هو صحيح ولا أدري حقا ان كان قد تطرق لهذا الموضوع في موسوعته الاذاعية المعروفة ( قل و لا تقل) و لكن ما المانع من استخدام صيغة الكرد بدل الأكراد في صحفنا و في بياناتنا و مقالاتنا و بالواو أيضا (كورد) كما جاءت باللغة الكردية إذا كانوا هم يستخدمونها على هذا النحو ، على الأقل لإثبات حسن النية في وقت نحتاج فيه جميعا عربا و كردا و تركا أيضا لهذا الاثبات ؟
عماد عبود عباس