التظاهرات المطلبية المشروعة والانفعالات المطلبية المحظورة !!!
د. عامر صالح
من منا لا يريد تغير وجهة النظام القائم في العراق صوب تعزيز الممارسات الديمقراطية الحقة وعزل الاسلام السياسي المعرقل لكل عوامل الاستقرار في بلادنا, لأنه سبب في المحنة العراقية وفي الفساد الاداري والمالي والاخلاقي وسبب في حضور داعش المرضي في الاراضي العراقية المستباحة. أنها محنة النظام المحاصاصتي الطائفي والعرقي المكروه, والبريء كل البرائة من مفاهيم النظام الديمقراطي المعاصر مهما بلغت ادعاءات صلاحياته على لسان المستفيدين منه. انه نظام سيئ بكل المقاييس ومعرقل لأي جهد نهضوي وتنموي. ان تجربة العراق خلال 12 عاما لا تدع مجالا للشك حول فساد هذا النظام وعدم أهليته للبقاء, والبقاء للأصلح !!!.
الاسلام السياسي لا يبني مستقبلا آمنا للاجيال القادمة, انطلاقا من طبيعته العنفية والعدوانية الكارهة لكل عوامل الاستقرار والمصالحة مع الذات ومع الاخر وكراهيته للدنيا, فهو يختزل خطاب الدنيا بوعود في الاخرة, وبالتالي فأن الدنيا بالنسبة له رحلة قصيرة وسريعة ولا قيمة لها في التنمية والازدهار, والاخرة اطيب وأجمل لما فيها من منافع مفتعلة, من طعام وشراب وأكل وجنس يضاهي الدنيا كلها, والرجل فيها سيد الموقف حيث يمتلك من طاقة جنسية تعادل مئة رجل في الدنيا, وبالتالي فأن المشاريع الانتحارية والقتل الفردي والجماعي تصب في خدمة حلم الجنة !!!.
اليوم نحن في العراق أمام واقع استطاع فيه الاسلام السياسي ان ينخر العملية السياسية ويشيع الفساد الاداري والمالي في كل مستوياته ويسعى جاهدا لتعزيز الخراب في ما تم تخريبه ويتشبذ في البقاء, وقد استفاد من لحظات انفعالات شعببنا بعد سقوط الدكتاتورية لكي يستثمر انفعالات شعبنا في وجهة اضطرابية مرضية صوب التعبئة الانفعالية الحشدية من خلال تحويلها الى قطعان في كل المناسبات الانتخابية منها وغير الانتخابية !!!.
اليوم يخوض شعبنا مخاض في ترتيب أولويات مطاليبه من ماء وكهرباء وخدمات وايجاد فرص عمل واعادة بناء البنية التحتية الاقتصادية المدمرة وايجاد فرص للعيش الكريم, الى جانب مطالب ذات بعد استراتيجي كما يراها شعبنا المتظاهر هي في الخلاص من نظام المحاصصة الطائفية والاثنية, وهذا يعني اجراء تعديلات جوهرية على الدستور, واعادة النظر بقانون الانتخابات, واصدار قانون الاحزاب, الى جانب تشريع قانون النقابات والاتحادات, وقانون النفط والغاز, وقانون حرية التعبير, وقانون المحكمة الدستورية, وقانون مجلس الاتحاد, واعادة تشكيل مفوضية الانتخابات وهيئة النزاهه, واعادة تشكيل مجلس القضاء الاعلى بما يضمن من نزاهته حقا.
وفي تلك الظروف المعقدة حقا والمتشابكة بما فيه الكفاية فأننا نتوحه لمنتفضي شعبنا في عقلنة شعارات الانتفاضة وأضفاء عليها بعدا تكتيكيا ومناورا ذكيا صوب الوصول الى استراتيجية شاملة لتغير أسس النظام بما يضمن اعادة بنائه ديمقراطيا وسلميا على أسس من العصرنة والحداثة والديمقراطية. وهذا يعني الابتعاد عن رفع شعارات اسقاط كل شيء مقابل لا شيء, حيث بدائلنا لا تزال ضعيفة وأمكانياتنا قاصرة, ولكي لا نعيد تجربتنا مع اسقاط النظام السابق بأي ثمن, وكان بديله الاسلامويين. فلنكن مقننين وبمهارة رفيعة المستوى كي لا يكون البديل هو دولة الخلافة الاسلامية ” داعش “. والى المزيد من التظاهرات والانتفاضات المطلبية بعيدا عن انفعالات اللحظة الضارة والعدائية لكل شيء, فالمخاطر تحدق بالعراق وسيادته, حيث انعدام الامن والامان وضعف الاجهزة الامنية المحايدة وضعف كفاءة الجيش العراقي ومهنيته, كما لا نمتلك اي اجهزة محايدة لحماية الديمقراطية الوليدة حال تعرض العملية الديمقراطية لحالة من الطوارئ, وعلينا أن نشم الخطر قبل وقوعه بعيدا عن الوصفات الجاهزة والمستوحاة من نظم ديمقراطية مستقرة !!!.