فليحة حسن
بمجرد أن أحاول الكتابة
يحتشد ملايين القراء على حافة الورقة
راكعين، ساجدين ، رافعين اكفهم بالدعاء لولادة قصيدتي
وبمجرد أن يلوح في الأفق خيالها
تطلُّ على المعنى بثوب شفيف من التشبيه
يتلمظ الشباب طمعاً في تورية
بينما يتفقد الشيوخ طباقها وجناسها بنظرات ثاقبة
حينها يبتسم المعنى منشدهاً لمرآها
يتواعدان على لقاء حداثوي فوق خطوط الورقة
لكن الكلمات تمانع
تبني جدراناً من نظريات نقدية
فتضيق دروب البوح تضيق
تضيق
تضيقْ
تُغلقُ مخيلتي بهدوء
وتعود الفكرة للرأس
في تلك الساعة
تصيب العالم دومات تلاشي
العمال يرفضون استلام رواتبهم
الفلاحون يتركون حقولهم للأدغال
النساء تتعطل عن مواصلة الحديث
الحوامل تُضرب عن إنجاب الأطفال
الصغار يجمعون هدايا العيد ويرمونها تحت عجلات (السيارات)
حكامنا يكرهون مناصبهم بشدة
الملوك يبيعون تيجانهم بأسواق الخردة
معلمو الجغرافيا يمزقون خارطة العالم ويرمونها في سلة المهملات
معلمو القواعد يخبئون الضمة في فتحة السقف ويكسرون السكون بضربة على السبورة
تمزق أكياس الطحين نفسها وتختلط بالتراب
الطيور تكسّر أجنحتها وتقلع عن الطيران
الفئران تدخل أسراباً لأفواه القطط الجائعة
النقود تبيع نفسها بالمزاد العلني
تلمُّ الشوارع اسفلتها تحت إبطها وتلوذ بالهرب الى اقرب صحراء
الوقت ينسى ضبط ساعته
( يزعل) البحر من موجه ويترك السمك دافناً رأسه في الطين
القمر يغطي جسده بعباءة الليل ويرتجف
تتجمد الأمطار في رحم الغيوم
شمس تموز تختبئ في ثقب الأوزون تاركة الثلج ينمو على لحيته ورأسه
ناطحات السحاب تضرب رأسها بالجدران لهول الكارثة
تصغر المدن حتى لتدخل من سمّ الخياط
تتساقط الجبال على الجبال
تضيق عليَّ غرفتي
يتآمر ضدي
السقف ، الجدران، الكرسي، الطاولة،
المروحة ، أرض الغرفة، زجاج الصورة،
النافذة ، ستائرها، ملابسي ، أنفاسي ،
يتعكر صفو الدنيا،
يتغير قياس الذرات ،
أتلاشى منزوية ،
اسحب ورائي آهات متكسّرة
تاركة قلمي
ينتحر في بياض الورقة !
من مجموعة (وانا أشرب الشاي في نيوجرسي)