الذِّهابُ إِلى الهُدوءْ:
مُتقاعدٌ باِنتظارِ الذِّهابِ إِلى مقبرةِ الحياةِ
سأزورُ بعضَ رِفقتي هُناكَ
ومنهُمْ خمَّارونَ وصوفيُّونَ وأَربابُ كُتبٍ وعُشَّاقٌ
أُسلِّمُهُمْ حاجاتِهمْ من الشَّاي والسُّكَّرِ والفيديوهاتِ
والمياهِ المعدنيَّةِ والأَطعِمةِ المُعلَّبةِ والخُضراواتِ
وما أَوصوني بهِ مِنَ الخصوصيَّاتِ والأَخبارِ
على عجلٍ مِنْ ذويْهمْ
سأَزورُهمْ وأَطمئِنُّ على ذكرياتي مَعهُمْ
بالإِشاراتِ والنَّظراتِ والتَّلويحاتِ وأَحياناً بالدُّموعِ
ثمَّ أُحاورُهمْ عمّا يجري في الحياةِ المُتكسِّرةِ والخرائبِ
وأَستفسِرُ منهمْ عن أُمورٍ غامِضةٍ تتحيَّنُني كالشِّباكِ
وتتقافزُ أَمامَ أًصابعِ قلبيَ في الطُّرقاتِ والمضائقِ
وسأُكمِلُ قراءَةَ الجُزءِ الأَخيرِ من قصيدتي المُرتقبةِ
عن الموتى الأَحياءِ وحياتيَ في المريخِ
على مسمعِ مُعلِّمي الأَوَّلِ في الُّلغةِ الأُولى
لأُقنِعهُ بجدوى قصيدةِ النَّثرِ في الحياةِ وفي المماتِ.!
وسأَجلِسُ عندَ رأسِ رفيقيَ في السِّلاَحِ العتيقِ
الذي خطفتْهُ من جِواريَ قذيفةُ حربٍ مقصودةٍ ذاتَ صلاَةٍ
لِأَخبرَهُ عن حفيدِهِ الذي تخرَّجَ طبيباً يُرتِّقُ القلبَ باِمتيازٍ
سيبكي ضاحكاً كعادتهِ وهو يُخفي ملاَمحَ الشَّظايا
القديمةِ عن وجههِ المُبتلى بالصَّمتِ والنُّدوبِ.!
سأَنهضُ عابراً لذعةَ الغِواياتِ بلهفةِ طفلٍ ساحرٍ
لِيتفاجأَ مَنْ يُريدُني أَنْ أُغنّي لهُ كما إِعتادَ:
أُغنيةَ الملاَذاتِ بعيداً عن الجنَّةِ
بأَنَّ صوتيَ شاخَ وخفِتَ ودبَّ على قراراتهِ
حزنٌ مُضاعفٌ ومراراتٌ جديدةٌ ومخاوفٌ.!
ولستُ أدري إِنْ كانَ سيهتِفُ غِبطةً بصوتٍ هادرٍ
يُزحزحُ كُتلةَ المقبرةِ كما يفعلُ في كُلِّ مرَّةٍ.؟!
سأُجرِّبُ حظِّيَ الأَخيرَ بلا تردُّدٍ وأُغنّي فقط
من نغمةِ السِّي ( نصفِ بيمول ) على مقامِ العراقِ:
في المُنحنى المُبهمِ أَنتَ الرُّواقُ
لا تُطلِ الحُضورَ في السَّرابِ أَو الشَّبابِ
فكُلُّ إِتيانٍ غيابٌ مُطلقٌ في الشُّكوكِ
وكُلُّ مطرٍ يبابٌ لا يُطاقُ
مُتقاعدٌ باِنتظارِ الذِّهابِ إِلى غيْبتي هُناكَ
مُتقاعدُ ولمْ تزلْ حكاياتي الغريبةُ كحياةٍ مُختصرَةٍ
ولمْ تزلْ خُدوشي فيها أَوسعَ من ذِهابٍ ثمِلٍ
إِلى مذبحة فائضةٍ وأَكبرَ من حركةٍ خاطئةٍ
أًردِّدُها يوميَّاً في مُخيِّلتي بينَ أَرتالِ الوحوشْ.!
مُتقاعدٌ باِنتظارِ الذِّهابِ إِلى مقاهٍ تضجُّ بموسيقاها
وجلساتِ وجوهٍ كثيرةٍ توضَّأتْ مِراراً برائحةِ القصائدِ
رفقتي هُناكَ يحتسونَ الَّليلَ والذِّكرياتِ والمواويلَ
وينغمرونَ بمعاطفِ النِّسيانِ والزُّهورِ الجافَّةِ والهُدوءِ.!
مُتقاعدٌ ويزعجُني الضَّجيجُ الجديدُ بلا سلاَلمَ
مُتقاعدٌ باِنتظارِ الذِّهابِ إِلى الهُدوءْ.!
………………………………………