أجرى الحوار : عزيزة رحموني
* هو الآتي من وادي عبقر ذات صباح ممطر من يوم الأحد من شهر أكتوبر الجميل ، من سنة شاعرية تشع بالمحبة و التسامح .عشق مختلف الفنون من شعر ورواية ومسرح و سينما و تشكيل و كتب فيها بكل ما يملك من موهبة جميلة . يتابع مباريات كرة القدم كما مباريات لعبة التنس بذات العشق و بنفس الشغف . و هو حين يكتب تجد كل هذه الفنون السبعة وما بعدها حاضرة في كتاباته الشعرية منها والروائية .أما حين يرسم فتلك حكاية أخرى .حكاية عاشق يمشي في ليل بهي من الحلم و ينتظر بزوغ نجمة الصباح كي يدون و يرسم على نورها ما حلم به من أحلام .هو يكتب و يرسم للأحلام ، كما كان يفعل كاتبه المفضل خوخي بورخيس، و ليس للظروف . هو كاتب مغربي من زماننا ، كتب بلغتين ، لغة عربية فصحى ولغة فرنسية راقية . ذلك هو الذي سنحاوره هنا و الآن .
1-كيف يحقّق نور الدين محقق كينونته الأدبية ؟
– كيف يحقق الكاتب كينونته ؟ سؤال صعب .تأتي صعوبته من كون الكاتب ذاته لا يعرف ، فهو يكتب لأنه يحس برغبة داخلية تدفعه لهذا الأمر .بالنسبة لي فأنا أكتب للأحلام ، كما يقول خورخي بورخيس، ولا أكتب للظروف .بمعنى أنني غير مرتبط بحدث معين دون آخر . أنا أكتب لحظة تدعوني الكتابة لذلك ، سواء أكانت هذه الكتابة شعرا أم نثرا ، إبداعا أم نقدا .طبعا هناك دوافع نفسية و ظروف تحيط بالكاتب و تكون سببا مباشرا أو غير مباشر في هذه الكتابة، كتابته الشخصية .لكن كتابتي هي كتابة تطمح لتجاوز اليومي المحيط بالإنسان لتصل إلى عمق الإنسان في حد ذاته .من هنا ربما أشعر بأن كينونتي الأدبية غير مرتبطة بالضرورة بالقراء من جهة ولا بعددهم من جهة أخرى ، بقدر ما هي مرتبطة بنوعية هؤلاء القراء .أفاجئ حينا بعد حين بكثير من التجاوب مع كتاباتي سواء هنا في المغرب ، أو هناك في بعض البلدان العربية أو حتى في بعض المهاجر التي وصلت إليها بعض كتاباتي . وهذا يسرني طبعا و يحقق لي هذه الكينونة الرمزية ، وإن كنت بالضرورة كغيري من الكتاب أطمح إلى أبعد من ذلك .
2- نور الدين محقق و الفن التشكيلي. أية غواية ؟
– غواية العشق و الدهشة الأولى، لكن المتجددة باستمرار .فقد مارست الرسم التشكيلي منذ الصغر ، كما باقي الأطفال ، وإن بدا لي في بعض الأحيان ، وأنا تلميذ في المدرسة الابتدائية أنّ الأساتذة يهتمون بهذه الرسومات ويشجعونني على الاستمرار فيها، كما أن خطي كان مثار إعجابهم .هكذا ظل الفن التشكيلي مرافقا لي في مسيرتي الثقافية وإن لم أعلنه بشكل كبير كما وقع الأمر مع كتاباتي الإبداعية . لكن و أنا أراكم العديد من الرسومات التشكيلية الفنية قررت أن أعرضها على بعض أصدقائي من المثقفين ، فأعجب البعض بها ، ودعاني لنشرها ، وحين قمت بذلك سواء على مستوى الإنترنت في البداية، أو بعد ذلك في بعض الصحف و المجلات المغربية والمشرقية و حتى الغربية بدأت أنظر للأمر من زاوية مختلفة ، زاوية إظهار هذا الجانب الإبداعي الذي ظل معي طيلة هذه السنين .وهو أمر جميل و رائع ، وربما يعود بشكل خفي إلى تأثري الشديد في بداياتي الإبداعية بالشاعر و الرسام اللبناني الشهير جبران خليل جبران .حتى وإن كان بعض الأصدقاء يحبذون لو اهتممت بالفن الروائي دون غيره ، لأن كتاباتي في هذا المجال مميزة جدا حسب رأيهم فيها ، وعليّ السير فيها وحدها دون تشتيت لمجهوداتي في شتى الأجناس الأدبية و الفنون الأخرى .لكن هذه الغواية تغويني و أنا أحب أن أسير في طريقها حتى النهاية .هناك بعض لوحاتي قد احتلت أغلفة بعض الكتب. أذكر منها كتابين لي هما “القول الشعري واللغة الرمزية” و “شعرية النص المرئي” و كتابا لأخي الأديب محمد محققّ هو “خيوط متشابكة” ،و كتابا للناقد والأديب م المغربي محمد يوب ، هو كتاب “مضمرات القصة القصيرة جدا” ، كما أن كثيرا من أصدقائي الأدباء يرغبون في جعل بعض لوحاتي صورا لأغلفة كتبهم المقبلة ، وهو أمر يسعدني كثيرا .
3- كيف ترى العالم ؟ وكيف تجعله يراك؟
– أرى العالم ، كما كان يقول إيليا أبو ماضي جميلا ، بمعنى أنني أرى نصف الكأس الملأى فيه ، و طبعا دون أن أنسى النصف الفارغ الذي يعلن عن كينونته بشكل من الأشكال ، بل أتعامل مع الأمر بحكمة و بصبر و بواقعية . أما الكاتب فيّ خصوصا المبدع المتجلي فيه، فهو يسعى لأن يرى العالم كما يريد حسب تعبير الشاعر العربي الكبير محمود درويش . وهو ما يجعلني أتخذ الكتابة مرآة لي ، أرى من خلالها العالم المحيط بي و أتفاعل معه .أما كيف يراني العالم ؟، أو بالأحرى كيف أجعله يراني بشكل جميل ، فالأمر يعود إلى إبداعي و قدرته على إيصال صورتي الثقافية الإنسانية إلى الآخرين ، أي صورة المبدع الذي يجعل من المحبة نبراسا له في الحياة و من التسامح ضوء مشعا في طريقه .
4- الثابت والمتحول في تجربتك الإبداعية ؟
من الصعب أن يحكم الكاتب أو المبدع بصفة عامة على إبداعه ، بل الأمر يعود بالدرجة الأولى إلى النقاد .ذلك دورهم .ولكن مع ذلك ، يمكن القول انطلاقا من أن في كل مبدع يوجد ناقد ضمني يقيّم إبداعاته قبل أن يسمح له بنشرها على الناس، إن تجربتي الإبداعية تسير في تصاعد إيجابي .ذلك أنها قد استطاعت أن تحقّق لها تواجدا سواء داخل المشهد الثقافي المغربي أو داخل المشهد الثقافي العربي .كما أن بعض كتاباتي قد نشرت بلغات أخرى في مقدمتها اللغة الفرنسية التي أكتب بها هي الأخرى و اللغة الانجليزية التي ترجمت إليها بعض أشعاري أو قصصي أو حتى رواياتي .أذكر في هدا الصدد أن الأديب و المترجم المغربي محمد سعيد الريحاني قد ترجم روايتي “وقت الرحيل” كما ترجم ديواني الشعري “غادة الكاميليا” إلى هذه اللغة . كما أن هناك اقتراحات أخرى لترجمة بعض أعمالي إلى لغات أخرى لم تصل بعد إلى التحول إلى فعل منجز .
من هنا يمكن القول بأن الثابت في هذه التجربة الإبداعية هو إخلاصها للقيم الإنسانية النبيلة أما المتحول فيها فيتمثل في نضج التجربة سواء على مستوى تقديم هذه الرؤية الإنسانية أو على مستوى كيفية البناء الفني لها في مختلف تجلياتها الأجناسية لا سيما فيما يتعلق بالجنس الروائي ، باعتباره فنا جامعا لمختلف هذه الأجناس الأدبية التي أهتم بها شعرا وقصة و حتى حوارات مسرحية .
5- علاقة الإبداع الأدبي و السينما هنا في المغرب ، انطلاقا من تجربتك الخاصة ؟
-هي علاقة ملتبسة ، لم تصل بعد إلى علاقة تكامل حقيقي .ذلك أن السينما المغربية حتى وهي الآن قد بدأت تنفتح على الأدب الروائي و القصصي المغربي لم تصل بعد إلى ذلك الانفتاح المثمر الذي دعونا إليه مرارا و تكرارا في كثير من مقالاتنا النقدية المتعلقة بهذا المجال . لكن على أي حال هناك بشائر واضحة توحي بإمكانية تطوير هذا التعاون والسير به قدما نحو ما نرجوه له . أما بخصوص تجربتي الشخصية ، فقد كانت هناك رغبة من بعض المخرجين في تحويل بعض قصصي إلى أفلام سينمائية قصيرة ، كما تم التداول معي حول تحويل روايتي “بريد الدار البيضاء” إلى فيلم سينمائي .إلا أن الأمر لم يتجاوز مجرد الحديث .و لم يصل بعد إلى رغبة حقيقية . على أي، أنا منفتح بطبيعتي على الفن السينمائي باعتباري ناقدا سينمائيا مهتما بالمجال ، كما أنني أحب بالفعل أن تتحول كتاباتي السردية القصصية منها أو الروائية إلى أفلام سينمائية .في انتظار ذلك ، فأنا أكتب دائما …من أجل الكتابة ذاتها و ليس من أجل أي شيء آخر …
6- نور الذين محقق و البرامج الثقافية المغربية ؟
– أتابعها بمحبة كبرى و أشجع أصحابها و أنوه بالعمل الثقافي الراقي الذين يقومون به .لدينا في المغرب برامج ثقافية جديرة بالتنويه مثل برنامج “مشارف” الذي يعده و يقدمه الشاعر و الإعلامي ياسين عدنان ، وقد تحول بفضل اجتهاده واستمراريته وحرصه الشديد على تطويره إلى حساء ثقافي شهي أسبوعي، بتعبير برنار بيفو، يتابعه العديد من المشاهدين سواء من النخبة المثقفة أو حتى من عامة الناس . كما لدينا أيضا برنامج “الناقد” الذي أكدّ حضوره الثقافي ، وهو يتعلق بمناقشة الكتب المغربية الصادرة سواء كانت نقدية أو إبداعية ، كما لا يفوتني التنويه هنا بالبرنامج الثقافي السينمائي “كاميرا الأولى” الذي يعده ويقدمه الناقد و المخرج السينمائي عبد الإله الجواهري ، فهو يقدم خدمة كبرى للفن السينمائي في كليته و للفن السينمائي المغربي على وجه التحديد . كما لدينا برامج تلفزيونية أخرى أمازيغية جديرة بالتنويه مثل برنامج “روافد” و غيره .هناك برامج إذاعية أيضا تقدم خدمة للثقافة المغربية مثل برنامج “حبر و قلم” التي تعده وتقدمه الإعلامية اسمهان عمور، و”ثقافة مغربية” الذي يعده ويقدمه الشاعر و الإعلامي ادريس علوش و غيرها من البرامج الأخرى .إن هذه البرامج الثقافية في عمومها تقدم خدمة جليلة للثقافة المغربية في غناها وتنوعها .لذا يجب الحرص عليها و الدفع بها نحو مزيد من الاحترافية الفنية و الحرص على مد إشعاعها بشكل رائع و قوي نحو آفاق أرحب .
7- علاقة نور الدين محقق المبدع بنورالدين محقق الناقد؟
– هي في عمومها علاقة تكامل وإن كانت لا تخلو من شد وجذب من حين لآخر، ذلك أن الناقد لا يترك المبدع يكتب على سليقته الإبداعية بل ينبهه في كثير من الأحيان إلى ضرورة مراجعة كتاباته و تطويرها و الحرص على الإجادة فيها، كما أنه قد يدفع به حتى إلى إهمال البعض منها إذا هي لم ترقه . و مع ذلك فهذه العلاقة الجميلة المتوترة هي ما يصنع الأدب الجميل و هي ما يدفع به بعيدا في عملية الإجادة .
إن عملية الكتابة التي يقوم بها نور الدين محقق المبدع ثم عملية إعادة الكتابة التي يقوم بها بعد ذلك نور الدين محقق الناقد لهذه الكتابة ذاتها ، حسب ما جاء في سؤالك، هو ما يجعل من فعل الكتابة عملية متعبة رغم متعتها الجميلة ، وهو ما يجعل من الكاتب ، أيا كان، يشعر بلوعة الكتابة وروعتها ، برقتها وبشدتها ، بوهجها و بالحرص على استمرارية هذا الوهج فيها .
كلمة اخيرة؟
إن فعل الكتابة هو فعل مضاعف ، فهو دائما يحمل في طياته فعل الكتابة وفعل إعادة الكتابة معا.
بطاقة تعريف الكاتب نورالدين محقق
– ولد سنة 1960 بالدار البيضاء – المغرب.
– درس في كل من المغرب وفرنسا.
– حاصل على شهادة الدكتوراه من جامعة محمد الخامس بالرباط-المغرب ( ميزة مشرف جدا).
– حاصل على شهادة دبلوم الدراسات العليا من جامعة محمد الخامس-الرباط (ميزة حسن جدا)
– شاعر وقاص وروائي، ناقد مسرحي وتشكيلي وسينمائي و باحث أكاديمي في
مجال السيميائيات السردية.
– عضو اتحاد كتاب المغرب.
– عضو جمعية نقاد السينما بالمغرب.
-عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب.
– شارك في مؤتمرات عالمية داخل المغرب وخارجه
– له كتابات عديدة منشورة في المغرب والمشرق تتعلق بمجال التواصل
الاجتماعي (مسرح، تلفزيون، سينما، إشهار) باللغتين العربية والفرنسية.