دوران
* في الذكرى الأولى لكارثة شنكال 3- آب – 2014
نواف خلف السنجاري
اليوم أكملتْ الأرض دورتها الحزينة حول الشمس, وأورثتنا أربعة فصول من الألم.. الصيف بجبروته وسيفه الحارق قبض أرواح أطفالنا عطشاً على صخور الجبل.. الخريف بخبثهِ انتزع ورقة التين عن عوراتنا وتركنا نتمرغ في وحل العار والخجل.. الربيع الخائن حوّل أزهاره الى طلقات من رصاص أسود ثقبَتْ قلوبنا التي طالما عشقته.. أما الشتاء ذلك الكهل المعمّم بالبياض فقد قسى قلبه علينا, وغطّى خيمنا حتى تجمّدنا برداً, وهو يقهقه ضاحكاً ساخراً من ضعفنا.
اليوم دارت الأرض حول نفسها ببلاهة ثلاثمئة وخمس وستون مرة, كل مرة تعطينا أشلاء ليلٍ مبعثرة, ليل حزين يفتقر الى الأحلام, ليل طويل كشَعرِ السبايا, وأسود كراية الأوباش, ليل مليء بالجروح والقروح والألم, تشطره صرخات المخطوفات فيعود ليلتحم ويصير أكثر طولاً كشبحٍ يأبى الانهزام, ليل أجدب ليس فيه شهقة عاشق أو شوق حبيبة, ليل مصاب بالجُذام نجومه دمامل تنزّ صديداً وقيحاً.
ومع كل دورة من دورات الأرض حول نفسها وهي تتثائب بملل, كانت ترمي لنا بجثث النهارات المتشابهة كأجنحة المروحة السقفية, والخاوية كبئرٍ جفّتْ منذ سنين, نهارات باهتة كصور المفقودين في الحروب القديمة, مملّة كأيام السجناء, ومصابة بفقر الضحك والابتسام! نهارات يملؤها القلق والخوف من المجهول والتشرّد والضياع في الطرقات بلا هدف, نهارات ثكلى جفّ الدمع من مآقيها وهي تنتظر الفرح المنفي بلا جدوى.
وبين كل تلك الليالي الحزينة, والنهارات الخاوية ضاعت طموحاتنا وأحلام حياتنا هباء, وصرنا ندور حول أنفسنا بلا فائدة وتدور الأرض بنا.. وتبقى الشمس ثابتة فهي قُبلتنا, ونحن أبناءها عسى أن نستمدّ منها الثبات والقوة.
ويمضي عام..
مرَّ عام
كان الله, والسبايا
في خصام
مرَّ عام
وضمير الإنسانية
في (المراحيض) ينام
مرَّ عام
وآلاف الأطفال
يموتون بصمتٍ
تحت الخيام
مرَّ عام
لم أسمع فيه صوت القبج
أو هديل الحَمام
مرَّ عام
لا مَنازل..
لا أحلام..
فكل شيء صار
دخاناً وركام
مرَّ عام
ونحن نستجدي ونشحذ
وقد أدمنّا
طوابير الطعام
مرَّ عام
والعصافير تهاجر
بحثاً عن عشٍ
أو ظل شجرة
تنام فيه بسلام
مرَّ عام
ونحن ندفن رؤوسنا
في الرمال
كالنَعام
مرَّ عام
يا أخوتي..
ومَن لم ينهض في (سنة)
لن ينهض لو مرَّ
ألف عام.!