جورجينا بهنام
هل يمكن اعتبار برامج المقالب الرمضانية بكل أنواعها وأشكالها وأسمائها، بمافيها من سلبيات ومصائب وسيول جارفة من السباب والشتائم والألفاظ البذيئة والانتقاص من انسانية وكرامة الضيف وإهانته جهارا نهارا، ليس أمام نفر قليل بل على مرأى ومسمع الملايين من المشاهدين الذين منهم أهله و زوجته وابناؤه فضلا عن اسرته الكبيرة من المعجبين والمتابعين، وإهانته بتعليقات فجة تمجها الأسماع. هذا فضلا عن التهديد المباشر لحياة إنسان وتعريضه لخطر الموت، سيما إن كان صديقا لواحد أو أكثر من الأمراض المزمنة أو الوراثية أو خوّارا ضعيف القلب، ناهيك عن الخطر البالغ على المشاهدين والمتابعين، سيما من الأعمار الصغيرة والمراهقين وبعض ناقصي العقل وضعيفي الرأي من البالغين سنا، وما يتعلمونه من خلق بغيض وتصرف دميم ولفظ فظيع وسلوك معيب في مثال مستهجن مستنكر لا يمت الى الإنسانية بصلة فكيف بحرمة شهر رمضان الفضيل وما يستوجبه من أخلاقيات تقتضي الالتزام بالسلوكيات الحسنة والمعاملات الطيبة والا تصدر عنه الانسان الفواحش والبذاءة وغيرها من السلوكيات المشينة والتصرفات الدنيئة عملا بالحديث الشريف: (لَيْسَ الصّيامُ منَ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ، إنَّمَا الصِّيَامُ مِنَ اللَّغْوِ والرَّفَث،ِ فَإنْ سَابَّكَ أحدٌ أوْ جَهِلَ عَليْكَ فَقُلْ: إنّي صَائِمٌ إنِّي صائِمٌ). وإن تم غض الطرف عن إتهامات هنا وشائعات هناك عن فبركة أمثال هذه المواقف، فالصورة التي يظهر بها النجوم المشاركون في برامج المقالب هذه هي على النقيض من الصورة المثالية التي يحاول عادة النجم تسويقها عن نفسه، بعد كل هذا هل يمكن عدّ مايجري فيها أكبر متناقضات عالمنا اليوم؟
هزالة تفكير البعض التي تدفعه للضحك على بشر يظنون أنهم يحتضرون، تحدثت عنها باريس هيلتون وريثة فنادق هيلتون العالمية التي استغربت بل وهالها التناقض الفظيع في أنّ يكون البرنامج الذي استضافها أعدّ أصلاً لإضحاك المشاهدين العرب، وأنّ هؤلاء ضحكوا حدّ الثمالة من نجمة تولول لأنّها تشعر أنّ لحظاتها الأخيرة قد دنت، وغرقوا في لجة الضحك عندما شاهدوها منهارة بعد أن عرفت أنّ كل ما مرّت به هو مجرّد مقلب. وربما تكون استهجنت أن يكون لهذا البرنامج نسخ مكررة يتابعها جمهور عربي بشغف بنسبة مشاهدة مرتفعة ضخت مالا وفيرا للمحطات الفضائية، فهل غدا الارهاب أو التدعيش التلفزيوني مادة دسمة لبعض المحطات؟ الأنكى أن بعض المصادر أوردت أن هيلتون التي كلفت منتجي البرنامج مبلغا طائلا يقدره البعض بـ(250.000- 1.000.000دولار) ناهيك عما كلفته استضافة الاخرين من مبالغ، كان النازحون والمهجرون واللاجئون ليس من فلسطين التي لم تعد خسارتها كبرى النكبات، بل في العراق وسوريا واليمن وليبيا فضلا عن الفقراء والمعدمين في دول شقيقة وصديقة أخرى، كان هؤلاء بأمس الحاجة الى نتف منها، فهل يمكن أن نعد صرف المبالغ الخيالية لاستضافة اناس سيعودون الى بلادهم ليذكروا المثالب ويعددوا العيوب (قالت هيلتون لاصدقائها: هل عرفتم لماذا يقتل العرب بعضهم؟ مضيفة: من مشهد سقوط الطائرة استطيع تفسير القتل عند العرب كيف يرون في مثل هذا الحادث المروع مشهدا كوميديا يثير الضحك لديهم) وحجبها عمّن هم بأمس الحاجة اليها اكبر المتناقضات؟
تساؤلات كثيرة أخرى أثيرت حول تقدبم برامج يطلقون عليها فكاهية وليس فيها غير الارهاب والرعب: 100 ريختر وهبوط اضطراري وسواهما، او مسلسلات يسمونها كوميدية مادتها الاساس داعش وما ترتكبه من ذبح وحرق وقتل كحال مسلسل سيلفي لناصر القصبي، المصنف كوميديا بين الممثلين، فهل غدا المشاهدون دواعش بتفكيرهم تسيطر ثقافة العنف على عقولهم حتى يضحكوا من مشاهد الترهيب والذبح ويعدونها كوميدية يتسلى بها الصائم بعد الإفطار في رمضان كونها تجذب الآن اكبر نسبة مشاهدة؟ هل يمكننا أن نعد هذا الخلط أكبر المتناقضات؟
فما بالكم بمن ينتمون الى تنظيم داعش الارهابي مدعين الدعوة الى إقامة دولة الخلافة الاسلامية جاذبين عناصر وجنودا مجاهدين فضلا عن المجاهدات، الذين يفترض بهم وحسب الشعارات التي يرفعونها ان يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر فاذا بموقع العربية الاخباري يؤكد تعاطي من يروم القيام بعملية استشهادية تمهد للقائه بالحور العين في جنات فيها انهار من الخمر والعسل، لمخدر (الشبو) أو (الكريستال ميث) شديد الخطورة، سيما بعد العثور على المادة في أشلاء مفجر مسجد الإمام الصادق في الكويت ومطلوب آخر في السعودية. لماذا هو خطير هكذا؟ لان متعاطيه يدمن عليه من المرة الأولى أو الثانية في أبعد تقدير، فتنتابه الهلاوس السمعية والبصرية والتخيلات فضلا عن العصبية الزائدة وشيء من الهستيريا والعدوانية الشديدة التي قد تدفعه إلى الا يتورع عن قتل المقربين له أو قتل نفسه، يضاف الى ما سبق صعوبة العلاج من إدمانه، فالموت هو النهاية الحتمية لمتعاطيه. بأي منطق يمكن تفسير هكذا فعل؟ وهل من مبرر لتعاطي سم الموت للجهاد في سبيل الله؟ ولماذا يسكت قادة الدواعش المدّعون بالدين والاسلام وخليفتهم البغدادي عن تعاطي المجاهدين للمحرمات لاسيما إن كانت تقود الى الموت المحتم، إن نفذ عملية انتحارية ام لم ينفذ. فهل سيعد القراء هذه أكبر المتناقضات أم ننتظر المزيد في عالم غدا كل شيء فيه على النقيض مع العقل والمنطق والشرائع؟
على صعيد آخر وفي الوقت الذي أشار فيه عدد من وسائل الإعلام الى إن تنظيم داعش أعلن عن مسابقات في حفظ القرآن الكريم جوائزها (سبايا) يوزعن على الفائزين، أشار (مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة) التابع لـ(دار الإفتاء المصرية) الى أن مثل هذه الممارسات الإجرامية لداعش في حق النساء، تهين المرأة وتحط من كرامتها وإنسانيتها وتصورها كبضاعة تباع وتهدى إلى الغير، عادا هذه الممارسات «تعبّر عن إيديولوجية التنظيم في استغلال المرأة وتوظيفها كأحد أهم عناصر جذب المقاتلين وضمان ولائهم واستمرار انخراطهم في القتال بين صفوف التنظيم، كما يقوم ببيع البعض منهن لتوفير الموارد المالية اللازمة للتنظيم».
ودعا المرصد إلى فضح وتعرية ممارسات تنظيم داعش بحق النساء، وبيان حقيقته وطبيعة أهدافه واعتبر أن فضح هذه الممارسات يمكن أن يشكل عامل نفور من الانضمام إلى التنظيم لدى النساء، خاصة النساء في الدول الغربية واللواتي تنخدع كثيرات منهن بزيف شعارات التنظيم دون التثبت من حقيقة ممارساته الهمجية كونه ينتهك المحرمات والمقدسات بحجة إقامة الدولة الإسلامية التي تطبق الشريعة وفق تصوراتهم الخاصة والتي لا تعدو كونها دولة خوارج.
من جانبه، قال الشيخ السعودي «صالح الفوزان» عضو اللجنة الدائمة للإفتاء وعضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية: إن الإسلام لم يحرم سبي النساء ومن ينادي بتحريم السبي هو جاهل وملحد. وأضاف عبر تغريدة له بتويتر: إن هذا الحكم مرتبط بالقرآن ولا يمكن إلغاؤه طالما استمر الجهاد في سبيل الله، وتابع بقوله: «ذلك حكم الله، لا محاباة ولا مجاملة لأحد ولو كان الرق باطلاً لكان الإسلام قد صرح بذلك كما فعل في الربا والزنا، فالإسلام شجاع ولا يجامل الناس».
من جهة أخرى نشر معهد الحوار الاستراتيجي البريطاني دراسة قدّرت عدد المقاتلين الغربيّين في تنظيم داعش بحوالى ثلاثة آلاف مقاتل بينهم 550 من النساء. وقد أعلن رئيس وكالة الاستخبارات الداخلية الالمانيّة هانز جورج ماسن عن بلوغ عدد الألمانيّات المقاتلات في التنظيم المئة من أصل 700 ألماني التحقوا به.
وفقا لهذين التقريرين، تجد أنّ النساء يمثلن تقريبا سُدس المقاتلين الغربيّين في التنظيم، فهل يمكن أن يكن جميعهن كالمراهقة النمساوية كيزينوفيتش التي لم تتخطَّ السادسة عشرة من عمرها، راغبات في رحلة البحث عن التشويق والاثارة في (ارض الخلافة)، حسب التقرير، حيث بات هذا المصطلح برّاقاً في عيون المراهقين. مصدر في المؤسسة الفرنسية للعلاقات الدولية والاستراتيجيّة يقول إنّ «المجاهدات» وجدن في الزواج من محاربٍ فكرةً رومانسيّة جذّابة، حتى أنّ بعضهنّ وجدن أن قطع الرؤوس وجزّ الاعناق لا يخلوان من سحر المغامرة. إحداهن أشارت عبر حسابها الالكتروني الى أنّ قطع رأس المواطن الأميركي بيتر كاسيغ «جميل»، بينما رأت أخرى أنّه «رائع بشكل جنوني». فيما غردت بريطانية: «أريد أن أكون أوّل امرأة بريطانيّة تقتل إرهابيّاً أميركيّاً أو إرهابيّاً بريطانيّاً»، مبدية رغبتها في تنفيذ عملية إعدام على شاكلة عملية قطع رأس المصور الصحفي البريطاني جيمس فولي! هذه الظاهرة تشغل الرأي العام العربي والغربي وتثير لديهما تساؤلات كثيرة عن الاسباب التي تدفع امرأة أو مراهقة الى ترك عائلتها وحياتها المستقرة في عالم الحرية والمساواة، باتجاه (سحر الشرق) وأهوال الحروب وتسلّط رجال غرباء. فهل الملل والرتابة والروتين في نسق الحياة الغربي وعدم وجود قضية تهم الشخص يجعلها محور حياته وشغله الشاغل، مع غياب لرقابة الاهل وانتفاء دور الاسرة بعيدا عن هوايات ابداعية شاغلة، كل ذلك يدفع بعض المشتكين من الفراغ والملل للبحث عن المغامرة والابداع والتجديد وإن كان في ذبح البشر وجز اعناقهم!
ومايزال التنافس والتباري مستمرين للحصول على قصب السبق في أي أحداث هذا العالم هو الاشد غرابة وتناقضا، ولا أظن أن أحدها سيفوز فالايام كانت ومازالت وستبقى حبلى بالمتناقضات الى يوم الدين.
سيلفي وداعش خلفي
شارك هذه المقالة
اترك تعليقا
اترك تعليقا