ضمد كاظم وسمي
تمتد جذور الخصومة بين الفلسفة والادب في الفكر الغربي الى العصور القديمة .. في عهد الاغريق ، عندما ربط افلاطون المعرفة بالفلسفة فيما وسم الشعر بالانفعال والعاطفة وجعله نقيض الفلسفة وعدوها اللدود .. وفي القرن السابع عشر ومع ظهور النزعة العلمية والاكتشافات الجديدة .. بان جلياً ان الفصل بين الفلسفة والادب كان قد تجسم على يد الفيلسوف الفرنسي ديكارت الذي جاهر بعداوة شديدة للشعر والشعراء حتى قيل فيـه انه : (( حز عنق الشعر )) كما هاجم توماس لف بيكوك في كتابه (( عصور الشعر الاربعة)) الادب وعده نشاطاً متخلفاً لاينتمي الى روح العصر الذي تهيمن عليه المعرفة والعقل والتنوير وحاكى وجهة نظره هذه الفلاسفة النفعيون مثل جون ستيوارت مل .
وفي القرن التاسع عشر ومع انبهار الانسان بالانجازات العظيمة للثورة الصناعية وظنه انها البلسم لادواء البشريـة ومعضلاتهـا .. فقد القـى العالم الانكليزي توماس هكسلي (1825-1895) خطبة نعى فيها على الادب .. وعد من الحمق والشعوذة وجوده في عصر العلم والتنوير والعقلانية .
اما في القرن العشرين .. فقد استمرت النظرة المضادة للادب رافضة أي تطابق فلسفي مع الادب .. وقد طرح جورج بواس في محاضرة له بعنوان (( الفلسفة والشعر)) هذه النظرة بصورتها الفظة : (( تكون الافكار في الشعر عادة ممتهنة وغالباً زائفة )) .. فيما كان يرى ت.س. اليوت أنه : (( لاشكسبير ولا دانتي قاما باي تفكير حقيقي )) ! .. لانه كان يظن ان لهما احساسا مرهفاً ولكن دون فكر .. في الوقت الذي كان يعتقد فيه بان الانسان عندما يكون مفكراً فانه يكون بعيداً كل البعد عن القلب والعاطفة والوجدان ! .. وهكذا كان الفكر يطغى ويتلفع بسربال المادة .. بينما ساد شعور بوهن القلب وضعف العاطفة وسبات الخيال .. وقد تنبه الفيلسوف الالماني (( نيتشه )) .. الى خطورة ذلك – على حد اعتقاده – وعدها معضلة العصر المتمثلة في (( هيمنة الفكر على العاطفة )) .. وقد عزا ذلك في كتابه (( ولادة التراجيديا)) الى الفكر التحليلي الذي يمثله سقراط في الفلسفة ، فيما يمثله في الادب (( يديس)) .. ودعا (( نيتشه )) الى حل هذه المعضلة من خلال العودة الى ما يعتمل في انفسنا من عناصر بدائية للارتشاف من نبع العاطفة .. حتى ولو ادى ذلك الى تحطيم الفكر التحليلي .
ان هذه الموجة المتطرفة في رفض الفكر والفلسفة .. قد وجدت لها صدى عند الروائي الانكليزي د. هـ . لورنس الذي اعتبر : (( هيمنة العقل وتغلبه على العاطفة مسؤولاً عن مصائب القرن العشرين )) .
ومقابل هذين النموذجين المتضادين .. يوجد نموذج ثالث حاول جاهدا الموائمة بين الفلسفة والادب .. فقد قال ارسطو : (( ان المعرفة الادبية هي معرفة بكنة الاشياء وحقيقتها وليست مجرد انفعالات هوجاء )) .. وهي محاولة اكثر مقاربة .. تشي بمرادفة جلية بين مفهومي الفلسفة والادب .. كما نص على التلاقي الحميمي بينهما افلوطين ورأى انهما { يضفيان سمة الثبات على الروح } .. بينما جعلهما القديس اوغسطين (( يشتركان في جمال الشكل)) .. وقارن دانتي بينهما عندما رد العلم الى الفلسفة فيما ساق الادب الى ملكة الخيال .. ثم جمع بينهما : (( انما هما موجدان لغاية واحدة وهي الكشف عن وحدة الطبيعة ووحدة الاشياء )) اما الاديب الالماني (( غوته )) { 1749-1832} الذي انصرف الى الادب فكتب الشعر والرواية والمسرحية .. وكان مولعاً بالادب العربي .. متلعلعاً الى قراءته .. قد شغف حباً .. وتجلى ذلك في كتابه (( ديوان الشرق والغرب )) .. فقد كان نموذجاً طيبا للمقاربة بين الفلسفة والادب .. هذا النموذج الذي عرف ايضا في الشاعر والناقد الانكليزي ، صاموئيل كولردج (( 1772-1832)) .. الذي عرف الجمال بقوله : (( الجمال هو الانسجام في التنوع )) ، وهو تعريف ينطبق على الفلسفة والادب .. فكل بطريقته يبحث عن المعنى – معنى الانسجام – .