د محمد غاني
أكاديمي و باحث مغربي
لا شك أن كل مطلع على فلسفة الاسلام يسلم بحقيقة مفادها أن الاستغفار لهو مما يجلب الأرزاق مستشهدا بالآية الكريمة ” فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا و يمددكم بأموال و بنين و يجعل لكم أنهارا ” حيث أعلن القرآن الكريم هاته الحقيقة المدوية سواء علمنا حقيقتها و روحها أم جهلناها، سواء أكنا في حظيرة الأمم الغنية أم كنا خارج ركب الحضارة.
لنضع مسألة الاستغفار و علاقتها بالأرزاق تحت مجهر علمي لنتبين في الأخير أننا بعيدين كل البعد عن الفهم الحقيقي لروح الآية و لذلك كانت الأمم الاسلامية اليوم من أفقر الأمم و أن من عمل بروح النص كان من أغنى الأمم و إن كان غير مسلم.
يرى ويلي جولي “أن الماضي هو مكان للمراجعة، و ليس مكانا للإقامة”1، و هي فكرة عظيمة أومأ لها الوحي الالهي غير ما مرة لكن قليلا ما يفقهون حيث يقول الله عز من قائل” ﴿ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ * حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ ﴾ [القمر: 4، 5].
إن الماضي هو ما يشكل حاضرنا لكن ليس بالضرورة مستقبلنا ذلك أن باب التوبة مفتوح و معنى التوبة لا ينحصر في مفهومه المتداول لدى أغلب المسلمين اليوم في الاقلاع عن الذنوب بل يشمل في مستوى أدق و مقام أرقى كل تفكير سلبي وصل بالأشخاص أم بالمجتمعات الى أوهن المقامات بين الحضارات.
يرى نيجل ريزنر في كتابه شيفرة التأثير أنه “لا يستطيع أحد منا أن يهرب من ماضيه ، غير أننا جميعا نملك فرصة مستقبل أفضل ومن أجل أن نتقدم الى الأمام يجب أن نتعلم غفران الماضي، و ابدأ بالأشخاص الذين سببوا لك الأذى بطريقة أو بأخرى، ثم تعلم أن تسامح نفسك”2
كلما وعى الانسان بالأسباب التي جعلته اليوم على ما هو عليه ، كلما استطاع معرفة نقاط قوته ليقويها و كذا نقاط ضعفه ليعدلها أو يصلحها أو حتى يلغيها، حيث يضيف ريزنر في هذا السياق أن “الخطوة الأولى نحو الحصول على مستقبل أفضل هي ببساطة معرفة ماضيك”3.
يلفت الرسول الأكرم الى هذا النوع من الحواجز النفسية التي تعوق كل تنمية فيشير صلى الله عليه و سلم لذوي الألباب في دعاء مأثور ليستفيد الفرد و المجتمع من متضمنه لكن الغرب يقرأ، و أمته أولى بذلك ، فيناجي ربه قائلا و ” أعوذ بك من الهم و الحزن” 4، و معروف في كلام العرب أن الهم هو ما يهتم به القلب مما سيقع في المستقبل و الحزن هو ما يحزن عليه القلب من أمر قد مضى.
يعلن ريزنر في كتابه المذكور آنفا قاعدة ذهبية مفادها أننا ‘نحن جميعا أما قاطنون واعون للماضي أو قلقون كثيرا بما يخص المستقبل، و ما يمكن للتأثير أن يحدثه، إنه لشيء يقلق الذهن حقا، و من الأعباء التي تثقل كاهلنا، و ليس هناك ما يقف عثرة في طريق نجاحك سوى حمولتك الشخصية”5.
زرع الاسلام عن طريق رسوله الأكرم مجموعة من المفاهيم و القيم العالية كبذور أخلاقية و فكرية و ثقافية لكننا في غالب الأحيان نحجر فهمنا لمضمونها داخل سياق ضيق في حين أننا الأمة الوسط الحاملة للرسالة، لذلك فحري بنا أن نجتهد في ربط مفاهيم فلسفة الاسلام الراقية بالسياقات المعاصرة و هو مشروع ضخم يحتاج لبذل جهد كبير من طرف مجموعات بحث متنوعة في عمل جاد مستمر حتى نجيب عن التحديات المعاصرة و المشكلات الراهنة.
1، انظر شيفرة التأثير ، نيجل ريزنر ص 31.
2، نفسه ص 37.
3،نفسه ص 38.
4، أخرجه البخاري كتاب الدعوات.
5، شيفرة التأثير ، نيجل ريزنر ص 33.