د محمد غاني، أكاديمي و باحث مغربي
قال العالم المخترع رجل الدولة الديبلوماسي الامريكي بنيامين فرانكلين ذات مرة “إن هناك طريقتين للحصول على المعرفة ، أن نشتريها أن أن نستعيرها، نشتريها بدفع الثمن كاملا من الوقت و المال، و نستعيرها من الآخرين ممن دفعوا بالفعل الثمن كاملا ليتعلموها” 1
ألا ترى معي أيها القارئ الحكيم أن الانسان كلما ازداد علما كلما ازداد تقاربا مع فلسفة الدين الحنيف، حيث أن نفس هذا التبصر الذي نطق به أحد أهم مؤسسي الولايات المتحدة الأمريكية هو نفسه الذي نطق به سيد الخلق قبل 13 قرنا ميلاديا حيث أن الاول ازداد سنة 1706 ميلادية و رسولنا الأكرم ولد سنة 579 ميلادية، و نقصد بذلك الحديث المعروف فيما رواه عنه الصحابي الجليل أبو موسى الأشعري رضي الله عنه، حيث قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالحِ والجَلِيسِ السّوءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِير، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إمَّا أنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً) متفق عليه).
ومن أعذب الشعر في هذا المضمار
عن المرء لا تسلْ وسلْ عـن قرينـه *** فـكـل قريـنٍ بـالـمقـارِن يقتـــــــــــدي
إذا كنت فـي قوم فصاحبْ خيارَهم *** ولا تصحبِ الأردى فتردَى معَ الرَّدِي
و هكذا فالعقل الانساني يحتاج دوما الى ذلك المدد الفكري ليتغذى و ينمو الى أن يحصل له النضوج الفكري و من ثم يفكر بطريقة ايجابية تسهم بشكل فعال في تحقيق النجاح الانساني.
يذهب الروائي شتيفان تسفايغ 2 في روايته “لاعب الشطرنج” أن “الفكر حين يحرم من مدد خارجي يظل يتطلب نقطة ارتكاز له ، و إلا دار حول ذاته دورانا جنونيا، لأن الفكر لا يتحمل الفراغ، هو أيضا ينتظر من الصباح للمساء أن يحدث شيء”3
ان الانسان في نظرنا عبارة عن نبات حقيقي “والله أنبتكم من الأرض نباتا ثم يعيدكم فيها و يخرجكم إخراجا” سورة نوح 17، ولا يختلف عن غيره من النباتات إلا في قضية التكليف أما حتى مسألة الوعي فقد أثبتها العلم ، حيث يذهب العالم الألماني و الأخصائي في علم النفس التجريبي الى أن النباتات لديها مستوى معين من الشعور و هي في ذلك تشترك مع البشر و الحيوانات بل أنه من الممكن تعزيز وعيها الصحي عن طريق محادثتها و التكلم معها ، و في سنة 1900 اكتشف العالم الهندي سير جاغديش شاندرا بوز أن لكل نبات بل لكل جزء منه جهاز عصبي يهتز كما تهتز عضلات الحيوانات بالاضافة الى أن النباتات تنمو في ظروف حسنة وسط الموسيقة و بشكل أبطأ وسط الضجيج العالي 4 ،و في قضية وعي النباتات هاته سبق اسلامي آخر غير ما تحدثنا عنه من المدد الفكري، و نقصد بذلك قضية الانخراط الكوني في تقديس و تبجيل الخالق “و لكن لا تفقهون تسبيحهم”.
لا غرو أن التعبير القرآني عن نباتية الانسان يتبعه ما يتبعه من مستلزمات من أجل فلاحة هذا النبات و اخضراره و هو ما عبرنا عنه بالنجاح الانساني حيث أن النجاح رديف الفلاح في اللغة العربية ذلك أن الانسان الأول لم يكن يهمه من حقول النجاحات الا نجاح حرثه ، و لذلك ينادي مؤذن الاسلام عند كل صلاة “حي على الفلاح” حيث ينادي النبتة الانسانية لأن ترتوي في واحة المسجد الروحية من ورد القرآن الكريم و غيره من الأذكار المأثورة.
ختاما ، إن من مستلزمات اخضرار النبتة الانسانية و نجاحها تعرضها لأنواع ثلاث من السقي:
سقيا الماء الفكري لينمو الفكر و يتغذى العقل فيزداد نضجا
سقيا الماء الطبيعي لتتغذى خلاياه ويكبر جسده.
سقيا ماء التوحيد الذي هو ترداد كلمة التوحيد “أفضل ما قلته أنا و النبيؤون من قبلي لا اله الا الله” وورد القرآن الكريم.
فإذا تعرضت النبتة الانسانية لهاته العوامل الثلاث لا يبقى الا التوفيق الالهي بارسال سحب الفضل و الخير و العناية الالهية ليخضر زرع البشرية بفضل راعيه من فلاحين بارعين متمثلين في الأنبياء ووارثيهم في الحرفة الروحية من الأولياء والعلماء.
1، براين تريسي ، ارسم مستقبلك بنفسك، 91.
2، شتيفان تسفايج (28 نوفمبر 1881 ـ 22 فبراير 1942) هو كاتب نمساوي من أصل يهودي.أديب نمساوي مرموق ومن أبرز كتّاب أوروبا في بدايات القرن الفائت وقد اشتهر بدراساته المسهبة التي تتناول حياة المشاهير من الأدباء أمثال:
تولستوي، وديستوفسكي وبلزاك ورومان رولان فيتناول الشخصية بحيادية ويكشف حقيقتها كما هي دون رتوش وفي الوقت نفسه يميط اللثام عن حقائق مجهولة أو معروفة على نطاق ضيق في حياة هؤلاء المشاهير الذين ذاع صيتهم.
3، شتيفان تسفايغ ، رواية لاعب الشطرنج ص 36.
4، وعي النبات، كمال غزال و ياسمين عبد الكريم، موقع ما وراء الطبيعة.