” الريّاح الصُّفر “وقصص أخرى قصيرة جدّا.
بقلم: حسن سالمي
(رافـــِـــــــــــــــــــــل)
بدت المقهى في ذلك الوقت من النّهار كما لو أنّها بين قرني ثور… يهزّها الضّجيج والضّوضاء وتغرق في خليط بين ظلال قاتمة وأدخنة تنفثها الأفواه والصّدور…
فجأة تدخل كوكبة من الشّرطة فيسود الهدوء لحظةً، قبل أن تعلو جلبة ويرتفع وقع أحذية يهرب أصحابها…
“شِد…شِد…”
أنا وظلّي
ظلّي لم يعد يتبعني… أحيانا ينسلخ عنّي ويفرّ. وأحيانا يواجهني بعين واحدة ويهِرّ… وكم مرّة ظهر لي في سواد اللّيل، واختفى عنّي في بياض النّهار… ما عدت أطيق عبثه بي وما يسبّبه لي مع النّاس…
قيل لي: لا دواء لك إلا مع ذاك الشّيخ المعتكف. قصدته في كهفه النائي…
جسّ نبضي ونظر في عينيّ… سأل بعد تبصّر: من أنت؟
الريّاح الصُّفر
لا أدري من منّا اصطاد الآخر.. كلانا وقع على صاحبه كما يقع الوحش على فريسته… دخل كلّ منّا جنّة رفيقه، يقطف منها ما شاء. حتّى إذا بلغنا تلك النّقطة وفاض الماء، أخذني خدر لذيذ…
حين أفقت لم أجدها بجانبي، تساءلت: هل كنت في حلم؟
رنّ هاتفي بغتة… قرأت إرساليّتها القصيرة: “مرحبا بك في جحيم الإيدز.”
الغاب
خفّف من سرعة سيّارته متفاديا تلك التي انحرفت على نحو مباغت تسدّ عليه الطّريق. وقبل أن يتمّ شتيمته ارتفع صرير عجلات سيّارة أخرى كانت تندفع نحوه من الخلف…
ساد الهدوء لحظة، ثمّ اشتعل الجوّ بطلقات ناريّة هوجاء…
بعد وقت يسير كان الهواء يحمل صورة سياسيّ معروف، تحوّل جسده إلى مصفاة…
خيال الظِّلّ
كنت جامحا كفرس حرون، ونفسي ممتلئة بشيء واحد: إعفاؤه من الحياة. مثله لا ينفع معه القانون وهو الذي يقلّبه في يده كما يشاء…
راقبت قصره المنيف. ثمّة ثغرة مّا تغريني بالمغامرة… تسلّقت السّور… فجأة غمرني ظلام وحلّ بي صمت وبرد، وشعرت بأنّ نهر الزّمن قد توقّف بي عن الجريان…
من عمق الظّلمة تناهت إليّ أصوات بعيدة وكأنّها تأتي من عالم الآباد: ترك بطله على السّور ورحل…