بونانا
عبد الجبار الحمدي
خرجت بونانا تبحث عن كانوفا الذي تأخر كثيرا، لقد وعدها أنه سيعود خلال شهر، ها هو أسبوع مضى بعد الشهر ولم يرجع بعد ان قال لها: انه سمع عن والدها أنه يريد مهرها نبتة الحياة النادرة، لم ترغب بونانا بذهابه فهي تعلم أن والدها يريد أن ببعده عنها كي يستطيع أن يزوجها من كاموا ذلك المارق الذي يسيطر على مقدرات القبيلة ورغبات والدها التي لا تنتهي… أيام كثيرة تماطل والدها ولكن لما انهكها بكثرة ترداد طلبه وتعنيفها قررت الخروج خلسة للبحث عن حبيبها كانوفا….
هي تعلم أن رحلتها ستكون عصيبة خاصة أنها سمعت عن جدها والد امها ان تلك النبتة لا توجد إلا في غابة السواساوي وهي غاية يقطنها قبيلة اشتهرت بأن أهلها يأكلون لحوم البشر فلا حظ لمن يطلب نبتة الحياة عندهم… خرجت يحدوها الأمل بأن نلاقي كانوفا على ذلك المعبر الوحيد المؤدي الى السواساوي… توقفت بونانا لتسترد أنفاسها التي أخذت بإنهاكها في كل لحظة تسمع أصوات الذئاب او الدبب نعم تقول لنفسها انا شجاعة لكن الظلام يطيح بثلثي شجاعتي… لاستلقي هنا ولتكن هذه البقعة مكان مبيتي، أرخت أعصابها للحظة اطلعت على الضياء الذي حسر ثيابه ما ان رأى مارد الظلام ينشر أنفاس عتمته في كل مكان… ثم صاح من يسمعني صوته وهو في عالمِ تحت جنح ظلامِ انا ملك السواد ههههههههه…
لم تعر أي اهتمام بونانا فهي تهمس لمن تحب…. كانوفا حبيبي لا أدري كيف اصف لك شوقِ لهفتي، أه لو تضمني بين ذراعيك كما عودتني لأطمئن أشعر بالأمان معك نعم… يا لك من احمق و يالي من بلهاء، لِما صمت ولم اردعك عن الذهاب إلى رحلة لا أدري ما سيكون مصيرك فيها.. يبدو ان قدرنا ان تكون معا في رحلة لا يكتب فيها النجاة لك او لي… لا يهم لم يعد لي في العالم سواك اما والدي فقد باعني بعد موت والدتي كمدا على شقيقتي التي ضحى بها من أجل رهان، باعها إلى كاموا لبس دم رهانه عارا، لكنها سرعان ما ماتت نتيجة رفضها ان تكون سلعة لمن يكتريها متعة، انتقمت من والدي ومن كاموا بالانتحار، بعدها ماتت والدتي حسرة وتركتني وحيدة، غير ان والدي في لحظة ما شعر بالعجز والوهن فتركني إلى أن تقرب إليه كاموا وطلبني لأكون من زوجاته، حينها عاد والدي إلى سابق عهده إلى مجون الرهانات والمقامرة أثقل عليه كاموا ليكسر ما بقي عنده من كرامة حطمه واخضعه لرغباته…
كانت بونانا تقص حكايتها لحبيبها ولنفسها تذكرها أنها لا تزال تحت الرهان، فعالمها لن يستقر إلا مع كانوفا… اوقدت النار لتقي نفسها الوحشة وطلبا للدفئ.. جرعة ماء لقمة من زوادة كانا كافيان لسد رمق جوعها… خال لها خيال من ألسنة لهب النار، خرج منها ما جعل قلبها يخفق بسرعة، أمسكت رمحها وهي تصيح أظهر نفسك لا تكن جبانا تتوارى خلف النار، هنيهة سمعت صوت هادئ دافي يقول: هدئي من روعك بونانا لست طالب الشر لك انما انا نذير… لا تستغربي ان قلت لك ان من تحبينه قد حط رحله تقريبا في نفس مكانك هنا، انذرته عواقب رحلته لكنه رامها تحديا ودليلا على حبه لك…لا أخفيك حكى لي عنكما كثيرا حتى اني رافقته رحلته إلى الحد المسموح لي فيه بعدها أكمل رحلته لوحده…
لم تصدق ما تراه عيناها بونانا او ما تسمعه نال منها الصمت والوجوم… أخرجها من يحدثها متسائلا!؟ ما بك بونانا هل صدمت؟ ام ان الظلمة والخوف وهواجس جعلوك تقولين انك تتخيلين ما ترينه وما تسمعيه… أبدا إنها الحقيقة لقد أشفقت عليه بعدما وجدت أنك كل عالمه الذي يتمنى وقال لي: أني مستعد لأني اضحي بحياتي من أجل حب الوحيد بونانا سأفعل ما يلومني به قلبي وعقلي ستكون لي حتى وإن خسرت حياتي فمن يعشق مثلها تهون عليه التضحية من أجلها…
الواقع صعقت وعجبت!!! جاريته كي ارى مدى صلابته وجلده على ما سيواجهه من عواقب.. كانت كثيرة لكنه جابهها بمهارة وشجاعة فاقت الوصف مددت يد العون له حتى اوصلته الى اقرب نقطة يمكنني أن أصلها بعدها اشرت عليه بعده نصائح… لا اخفيك بونانا كنت متوقعا مجيئك للبحث عنه فمن حديثه عنك قلت لنفسي لابد ستأتي للبحث عنه وساقوم على إرشادها الى اخر نقطة توقفت فيها عنه لذا إن رغبت اوصلت الساعة إن سارعت في الجري فلا آمان لك في هذه البقعة فسرعان ما يرتادتها من لا ترغبين بمواجهته ما قولك؟
بونانا بين مصدقة ومكذبة ما تسمع لكنها قالت في نفسها يبدون أنه يعرف الكثير عن كانوفا وعني وهذا باد من حديثه ليكن قدري هو من يدير دفة مسيرتي في البحث عن حبيبي… دون تردد قالت بصوت عال هيه أنت… سأسير معك مهما كانت عواقب اختياري سأكون سعيدة حتى لو نال مني الموت فيكفي اني سألقى حبيبي كانوفا وإن كان في الحياة الأخرى… لم تفطن أنها قد ركبت الريح و ألسنة اللهب تتطاير من حولها كانت المدة بالنسبة لها ساعات معدودة لكنها في واقع الامر ايام تقلب فيها الابيض والاسود دون ان يتحكما بالزمن قلبها صفحات أثارت حفيظة من لا يعرف للحب معنى… فجأة توقفت بونانا عن الجري وقد لاح لها ضوء النهار سمعت الصوت يقول لها: هناك هو حبيبك ذهب في ذلك الإتجاه حيث نبتة الخلود هيا إذهبي إليه حاولي ركوب ما يمكنك ان تعبري ضفة النهر وأفضل الآن إنها الساعة المواتية فهولاء لا يتحركون إلا في الظلمة لكن أحذري الحراسة ولا تلتفتي الى اي صوت ينادي بإسمك حتى وإن كان صوت كانوفا افهمت… مدهشة بونانا وهي ترى عالما لم تشهد مثله إنه بالتأكيد عالم من السحر فكل شيء فيه يفوق الخيال وكل شيء فيه يتحدث ويتراقص… اخذت بالنصيحة فما ان وجدت وسيلة النقل حتى أخذتها تدفع بيديها الماء نحو الضفة المقابلة لاح لها الجبل ما أن وطئت قدميها الجانب الآخر.. هرولت وكان العالم المحيط بها دون حراك مع علمها ان هناك الكثير من العيون ترصدها لكنها لا يحرك أصحابها ساكنا حتى عثرت فوجدت نفسها أمام كانوفا…. دون وعي صرخت كانوفا حبيبي هل انت بخير!!؟
كان كانوفا صامت يشير إليها نحو اتجاه معين، لم تعلم ماذا تفعل؟ استغربت من تصرف رامها حبيبة وعالم يكتنفه بالطمأنينة اراد ان تلمسه ان تلف ذراعيها عليه لكنها تذكرت النصيحة بأن لا تتعامل مع من تراه وإن كان حبيبها دون شعور نهضت تجري حيث دلها قلبها الى مكان من أحبت… ركبت الجبل صعودا انهكها تثاقلت لم ترى وهي تصعد ان هناك من كان يترصدها وقد احاط بها من كل جانب… ابتلعت خوفها وهي تقول إنها موتة واحدة أتمنى على الألهة ان تجعلها بين يدي كانوفا وبعدها الى اي مكان آخر حتى ولو كان الجحيم لكن معه سيكون الفردوس لي … ما ان وصلت حتى وجدت كانوفا يمسك بنبتة الخلود ولا يتحرك سوى عيناه شعر بالغبطة والفرح حينما رأى بونانا أمامه اغرورقت عيناه بالدموع اراد بشدة ان ينادي بأسمها لكن شيء ما يمسك به بتلابيب جسمه، يبدو أنه شل هكذا فسرت بونانا عدم حركة كانوفا… أقتربت منه وهي تقول له: هل أنت حي حبيبي؟ اشار لها بعينيه نعم وهو ينظر الى النبتة، سمعت صوت يقول لها: ها بونانا لقد وصلت الى نبتة الخلود كل ما عليك هو ان تقومي بالنذر قربان للحياة الابدية عليك ان تقتلي كانوفا حتى تأخذي النبتة لوالدك او لنفسك او إن شئت سأطلق الحراك لكانوفا ليقوم و بتقديمك أنت قربان للحصول عليها إن إراد ما رأيك؟
لم تفكر طويلا بونانا اجابت نعم إنه يستحق الحياة والخلود اكثر مني لقد جازف بحياته ولم يتوانى للحظة عن التضحية بنفسه رغم كل المخاطر للحصول على النبتة لم يفكر بالعواقب نعم لا مانع ان أكون القربان الذي يقدم لحصول حبيبي كانوفا على النبتة شرط ان ينالها هو لنفسه..
شعر كونافا بأنه حر في الحركة دون ان يبالي بالنبتة سارع الى إحتضان بونانا… أمجنونة أنت!! هل تعقلين ان اضحي بك من اجل خلود لا طعم له؟ أنت الحياة والخلود الذي أريد فما حاجتي بحياة دون بونانا إني اريد لك الحياة لأنك تستحقين الحياة أكثر مني سأحياك بونانا في عالمِ الآخر حيث لا خلود سوى الخلود الحقيقي.. سارعت بونا قبله الى طعن نفسها وهي تقول: أظنني سأكون أنا من ينتظرك في العالم الآخر حبيبي كانوفا ساراك لابد اعتني بنفسك من اجلي عش حياتك كما تحب حتى وإن أحببت غيري فأنا واثقة أنك لي قلبا وروحا..صرخ كانوفا اللعنة عليك بونانا لقد قتلتني بفعلتك لا لن ارضى ان تكوني الضحية قطع نبتة الحياة ومضغ جزءا منها ثم زقه الى فمها وهو يقول: كلي ابتلعي بونانا لا اريد لك الموت لا اريد الحياة لنفسي بعيدا عنك هيا ابتلعي نبتة الخلود…
فجأة كان هناك جمع غفير من الحيوانات والطيور وحتى الاشجار تصفق وتضحك وتقول هما يستحقان نبتة الخلود إنه الحب الحقيقي أنها التضحية من اجل من تحب… مرحا لكما كانوفا وبونانا سعيد بكما الخلود ستعمر الأرض بالحب والحياة ما دام هناك وفاء هنيئا لكما الخلود في عالم لا يقطنه سوى الشياطين.