احتفظ بكل أثر ثمين تركه أجداده. كان من أثمنها على الإطلاق مفتاح نحاسي لبيت قديم، من أعرق البيوت الفلسطينية. لفّته الجدة بكل عناية وحب، قبل رحيلها، في قطعة قماش معطرة بعطر زفافها، وأوصت بالحفاظ عليه كما يحافظون على أنفسهم، عمل أبو صالح بنصيحتها؛ تراه يتفقده كلما شدّه الحنين إلى المكان والزمان.
-ما أضيَقَ العيش في خيمة لا جئ، لا يتسع لها قلبه، لا باب لها يطرق، ضعيفة، تعبث بها الريح إذا غضبت..
وقف على إحدى التلال المطلة على فلسطين، كما يفعل دائما عند كل مطلع شمس، يفتح عينيه الصغيرتين لينظر نظرته البعيدة . تساءل، في حسرة، عن الطيور التي تتجه نحوها دون انتظار ترتيبات الفصول الأربعة، يتملكها الشوق، لكنّها تعود دون أن تمكث فيها طويلا لتكتحل بجمالها الأخاذ، كأنها لم تجد ماء في أرض البرتقال الحزين، أم أنّ مجموعة من الغربان لا تزال هناك ، تعبث بالمكان !
ألح عليه ابنه الرسام بالأسئلة، كعادته:
-أبي.. أليست فلسطين أرضنا؟، لماذا لا نعود إليها؟..
-بلي، يا بنيّ.. هي أرضنا..سنعود إليها قريبا ..إن شاء الله..
حاول ابنه أن يدفن غيظه، كنار ملتهبة، بين ضلوعه، ويحاصر دموعه بكبريائه، ثم واصل رحلته مع الألوان المسلية، وأطلق عنانه إلى أبعد نقطة في الأرض المباركة. في لوحته الزيتية الكبيرة؛ الجد بكوفيته جالس على كرسه الحجري عند باب البيت، على يمينه الجدة تحمل عكازه بيدها اليمنى، كأنها تنتظر لحظة قيامه لتعطيه له، وعلى يساره ابنته بفستانها المطرز الجميل، مبتسمة، تصب القهوة، فرسه البيضاء كأنها في حالة استنفار، يلعب صغيرها بجانبها كأنه منتش بعد انتصار، و قطيع من الأغنام على بساط عشبي ممدود على طول النظر، تتلاحم أشجار الزيتون كجسم واحد لا تقوى عليها الريح العاتية حين تريد لها غيابا.
تأمل في لوحة ابنه التي بها أصل الحكاية، ثم راح يتلمس أزرار مذياعه القديم، لعله يسمع خبرا سارا أو نشيدا حماسيا يرفعه من حضيض؛ يعود به (أبو عرب) إلى توتة الدار، وإلى الأرض الذي ربّت الآباء والأعمام والأخوال، فسالت دموعه على خده في هدوء. أخفاها بكمه المغبر عن ابنه.
لكنه لم ينس ما يردده جاره كل يوم أنّ العصابات الصهيونية لم تعد قادرة على العيش في فلسطين، بعد أن أنهك قواها رجال صابرون، وأنها بدأت في الرجوع إلى الأوطان التي جاءت منها أول مرة، وأن كثيرا من بيوتهم أصبحت خاوية، تسكنها الجرذان و بعض الطيور، لكن لا أحد يصدقه. يصفونه بدرويش يدعي أنه صاحب كرامة ودعوة مستجابة.
-هل ما قاله جاري صحيح، أم أنه سراب لحلم قديم كحلم آبائه الأوّلين والآخرين؟، ولكن لماذا أنا أصدقه في باطني وأكذبه في علانيتي..كم أنا ساذج ..ولكن، ما سر الخيام التي على أطراف الأرض المباركة، كالتي كانت عند الخروج منها؟..ربما هم من الذين هُجّروا أول مرة؛ جاؤوا من أراض بعيدة وقريبة من العالم، سكنوها لسنين طويلة.. إني أرى أعدادهم تتزايد يوما بعد يوم..
تعرف على بعضهم. سُر بهم كثيرا؛ لم تتغير سماتهم العربية، سوى الصغار منهم؛ الكوفية تاج على رؤوسهم كالملوك والأمراء. علم أنهم من الذين فروا من جرائم العصابات الصهيونية التي أحرقت أراضيهم وذبحت أطفالهم. كم تألم لسماع حكاياتهم المتواترة وهي تروى في كل المجالس للأجيال، فازداد شوقا إلى العودة. وقد كانوا من مصدقي ذلك الدرويش الذي ينتقل بين المخيمات طمعا في فتات خبزهم.
-لا أدري لماذا أصدقك أنا أيضا..أيها الدرويش؟ !..
لم يستطع النوم رغم ما أصابه من تعب من عمله اليومي الشاق، ومن البحث عن حقيقة اقتراب العودة. كم كان في ترقب دائم، ينتظر خبرا أو إشارة تأذن له ومن معه أن أدخلوا الأرض المقدسة بسلام آمنين.
أشفق عليه ابنه، وأدخله إلى الخيمة خوفا أن يتجمد، فالليلة كانت باردة جدا:
-يا أبي ..لم يحن الرحيل بعد ..أراك أكثر شوقا مني ..أليس كذلك؟..تعال ..نم ..فأنت متعب..
-(وهو مبتسم، وعيناه يسلبهما النعاس): بلى..بلى…هذا صحيح …
نام نوما عميقا، متوسدا حلمه وانتظاره، لكن ابنه لم ينم له جفن. بقي مستأنسا بمصباحه الزيتي، وقد قرأ وجه أبيه ونبضات قلبه غير المنتظمة. راح يخلّد حلمه في لوحة رائعة، أخذت ليله كله دون كلل أو ملل. لم يفق من سكرة خياله والتواء فرشاته وتقاطعات ألوانه إلا بعد بزوغ الفجر، معلنا ميلاد يوم جديد.
استيقظ أبو صالح، وبعد أن صلى الفجر معه، التفت إليه قائلا:
-بني..إني رأيت حلما جميلا، أسعدت قلبي كثيرا..أرجو أن يكون واقعا في القادم من الأيام..
ابتسم ابنه، ونظر في لوحته نظرة عاشق ولهان، ثم قام وأخذ الفرشاة من جديد، وكتب اسمه، واسم أبيه ، واسم جده، وتاريخ ذلك اليوم، و نام، وعلى وجهه يرتسم الابتسام.
بينما بقي أبو صالح يلاعب أزرار مذياعه، باحثا عن نصف خبر. كانت موجة الإذاعة أكثر وضوحا هذه المرة، كأن المذيعين جالسون بين يديه يحدثونه عن ما جرى؛ هنا فلسطين، هنا الأرض المقدسة.. الآن، يحق لشهيد طوقان أن يتكلم ويسمع من به صمم !.. بيد أنه لم يجد صوت صهيون بين الأصوات السابحة. أعاد البحث عنه، لم يعد له أثر، لا مكان له في الفضاء !
-أبعدكم الله عنا.. لعنة الله عليكم إلى يوم الدين..
المذيع: أيها الفلسطينيون في كل مكان من العالم.. آن لكم أن تعودوا إلى دياركم وأرضكم التي أخرجتم منها بغير حق.. لا مكان اليوم للعدو بينكم، لقد ضاقت به تربتكم الطاهرة بما رحبت.. أدخلوا بسلام آمين.. يا جماهيرنا المنتظرة في المخيمات والشتات..في البلدان العربية و أوربا و أمريكا..
لم ينه المذيع كلامه حتى هرع أبو صالح إلى ابنه..
-استيقظ يا بني ..استيقظ ..لقد تحقق الحلم ..نعم ..لقد تحقق الحلم..الحمد لله..الحمد لله..
قبل منتصف النهار، طويا الخيمة المتهالكة التي حمتهم طويلا، واستعدا للعودة كما فعل كل فلسطيني. أخرج أبو صالح مفتاح البيت من صندوق خشبي كبير، مرددا:
-ها قد حانت عودتنا يا جدي وجدتي، سأوصل كلماتكما وكلمات من سبقوكما إلى كل الأجيال..
ثم أعاده إليه دون أن يغلقه حتى يتلمسه من حين إلى حين ولتكتحل به عيناه وتشفى من رمد الغياب. لم ينس سلاح جده الذي قاتل به العدو مع عبد القدر الحسيني.
لف ابنه لوحاته في قطعة قماش كبيرة، وشدها بحبل متين. وقد وثق عليها جزء كبيرة من تاريخ فلسطين. بكى طويلا حين تذكر أمه التي غادرت الحياة وقد كانت تتمنى أن تزوجه بمقدسية، وأن تموت على أرض أجدادها، لترى شجرة الزيتون الكبيرة التي كان بنو عمومتها يتحدثون عنها و عن خيراتها؛ كانت مباركة جامعة للقبيلة و القبائل الأخرى، تقضى تحتها الحوائج. تذكر ابن عمه الذي كان كاتبا موثقا، مستمعا جليسا لكثير من المؤرخين و الأدباء، يكتب كل معلومة عن الأرض، عن شعابها و وديانها، سهولها وهضابها. كان صاحب مكتبة كبيرة، يجمع تاريخ فلسطين القديم والحديث وخرائط قديمة لأهم الأماكن قبل أن يطمس وجهها العدو.
في الطريق، سأله ابنه (والفرحة تملأ صدره):
-كيف سنجد أرضنا يا ترى؟
رد عليه:أكيد.. كما رسمتها لوحاتك الرائعة..يا بني..ستراها قريبا..لا يمكن أن يخطئ خيالك الواسع ..ههه..
نادى أحد المرافقين:
-ها نحن دخلنا أرض فلسطين المباركة..الحمد لله..الحمد لله..
بدأ الجميع في التكبير والحمد: الله أكبر..الله أكبر..الحمد لله..الحمد لله..
وانتشروا في الأرض، كعطشى باحثين عن الماء في يوم شديد الحرارة، كل منهم يبحث عن رائحة جده كما يفعل أبو صالح؛ إذ أخرج خريطة قديمة من حقيبته، وتفقد المفتاح البيت القديم ليفتح باب الشوق، بينما كان الابن يجري خلفه يحاول أن يهدئ من حالته الهستيرية، جرى في كل ناحية، لكنه لم يجد أثرا للجد وبيته، كأن الأرض لم تعد هي الأرض.
وهو في حيرة من أمره، والحزن يعصر قلبه؛ كيف له أن ينتظر كل ذلك الانتظار المضني.. فجأة وقف ابن أخيه الكاتب بين يديه، والتعب باد على وجهه، ففرح هو وابنه فرحا شديدا، لم يرياه منذ أن مات أبوه فغادر المخيم رفقة أمه ليستقر عند أخواله في إحدى المخيمات البعيدة. جاء هو أيضا يبحث عن الجد. خفف عنه بعضا من الحزن. وتبادل معه أطراف الحديث، سائلا عن سر غيابه الطويل.
-بحثت عنك في كل مكان يا عمي، ما تركت مخيما إلا وسألت عنك..لم أكن أعلم أنك رحلت ..الحمد لله إني وجدتك..سأبحث أنا أيضا عن أثرنا..
أخرج هو أيضا كل ما لديه من كتب وخرائط قديمة وحديثة، مدققا ومقارنا، لكن دون جدوى.
بعد أن كاد الجميع أن يفقد الأمل، قدم رجل مسن، ظل متمسكا بأرضه رغم ما ليقيه من تدمير لكل البيوت التي بناها، كان أبوه صديقا وفيا للجد، علم بأنهم يبحثون عن أثره. أخبرهم بأن الأرض التي هم عليها هي أرضهم، وقد طمس الملاعين كل معالمها؛ اقتلعت كل أشجار التين و الزيتون التي كانت شاهدة على ميلاد رجال أخلصوا حبهم للمكان، قدموا العرق والدم، محافظين على شموخها وطهارتها؛ أصبحت المساجد التي كانت تعانق الكنائس القديمة حانات ومراقص لمترفيهم، و ملاعب للكرة لشبابهم المستهزئين، و إسطبلات لدوابهم.
أبو صالح (والدموع تملأ عينيه):
-اللعنة على بني صهيون، كم كانوا حاقدين على كل شيء جميل عليه بصمات أهلنا وأحبابنا..
صاح ابنه غاضبا، ممزقا قميصه:
-..وأين البيت القديم ذو الباب الخشبي الذي كنت تحدثنا عنه؟ ..إني لا أراه .. هل هذا هو بيتنا؟ !..أدخلوا ..تعالوا ..هات المفتاح !!..تفضلوا !!..يا أبي لا يمكن أن يكون هذا هو، لقد ضللنا المكان..لأننا اتبعنا خرائط التيه.. ولماذا احتفظنا بالمفتاح كل هذه المدة؟..لماذا أوصتك الجدة بأن تحافظ عليه كما تحافظ على نفسك أو أكثر؟..ألم توصني بأن أثبته في كل لوحاتي؟..آه ..يا أبي..وأين الكرسي الحجري الذي كان يجلس عليه الجد؟ !..آه كم تعلمنا –نحن الشباب- منكم اجترار أحاديث السراب..آه..آه..يا أبي..
ودخل ابنه في حزن شديد، فهو في حالة من الضياع؛ لم يتصرف هذا التصرف المشين أمام أبيه قط. حاول أن يهدئه هو وابن أخيه دون فائدة.
عاد ابنه إلى المخيم وحده ، محافظا على حلمه القديم، مبتعدا عن واقع لم يكن منتظرا، تاركا لوحاته سابحة في خيالها، لكن لم يجد فيه أحدا، سوى الدرويش، يقتات على ما تركوه من طعام.
حزن أبو صالح على فراق ابنه حزنا أنهك جسمه. لم يكن ينتظر هذا المشهد الحزين . ولكن بعد أن تأكد بأن رجله على أرضه ولا يمكن إلا أن تكون كذلك.
-أكاد أجد أثر أقدامهم على هذا الثرى الطاهر وأشم رائحة عرقهم في غباره المتصاعد، أليس كذلك يا ابن أخي؟..
-نعم يا عمي، وأن هذا المسكن الذي هو أمامنا ملكنا أيضا، تركه أحد المستوطنين الذي كان جده من أشرس مقاتلي العصابات اليهودية، وقعت معركة شرسة عنده، دافع جدنا عن حقه بكل ما أتي من قوة، لكن خوفا عن شرف بناته تركه واتجه نحو المخيم، ولو حفرنا فيه حفرة كبيرة لوجدنا أساسات بيتنا،هذا ما قرأته، وقد أكد لي ذلك الشيخ هذا الكلام.
لم تكن هذه الحالة معه هو فقط بل كانت مع كل الفلسطينيين، لأن فلسطين قد تغير وجهها ولم ويتغير قلبها النابض..
بعد أن سكت عن ابنه الغضب، عاد إلى المدينة رفقة الدرويش، طالبا العفو منه ولكن بقيت تلك الصورة المظلمة في خاليه ، يتجول كل صباح بين شوارع حيه والأحياء الأخرى. لم يجد شيئا مما ذكره الكتّاب والروائيون والشعراء، كانت كل كلماتهم سردا رائعا و مخيلة بديعة، كانت الخيام التي تربى بينها أقربها للحقيقة؛ تعبر كل الأشياء في البيوت على أنها يهودية؛ الشمعدان في كل ركن، صور المشاهير في كل الواجهات. لم يكن وحده صاحب هذا الشعور، كل الشباب الفلسطيني يعيش غربة في وطنه؛ فكل الصور التي بين ناظريه ليس من الذاكرة.
احتار أبو صالح في الأمر، وقد حمل ثقل شؤون المدينة بعد أصبح عمدتها.. كيف يعيدهم إلى سيرتهم التي كان عليها أجدادهم، وهم يمارسون عادات ليست عربية و يتكلمون بألسنة مختلفة ويلبسون ثيابا غريبا لشعوب بعيدة، ولدوا وتربوا بينهم، ولا يزالون على تواصل دائم بها عبر وسائط التواصل الاجتماعي وبكل وسيلة متاحة. يحيره أمر هؤلاء الذين يتخاصمون من أجل إرث قديم، الكل يدعي أنّ له الحق فيما ترك الجد، والكل يكن له الحب والتمجيد، فأفسدوا صور العودة التي انتظروها، ومن يكون صاحب الكلمة الأولى في الديوان عند اجتماعهم..
بدّل كل شيء في بيته الجديد تبديلا، مستعينا بابن أخيه، الذي لا يزال محتفظا بالنشأة الأولى للبيت الفلسطيني بين طيات كتبه، يعود إليها كلما اختلطت عليه الأمور. أمر كل السكان بعد ذلك بأن يقوموا بما قام به. لم يتقبلوا فكرته أول مرة، لكنه واصل العمل دون ملل. استعان بلفيف من الذين تمسحوا بتراب الأرض وارتووا من مائها ليعيد الحياة من جديد؛ المشهد الذي ظل يلازمه في حركاته وسكناته..
بعد أن ضاقت المكتبة و المتحف الصغيرين بالزوار القادمين من المدن الأخرى من فلسطين، ومن البلدان العربية والإسلامية ومن الأصدقاء في العالم. قرر أبو صالح و كبار المدينة أن يبنوا متحفا كبيرا، أسموه (البيت الفلسطيني)، لم يجدوا غير مساحة كبيرة، بعيدة، كان العدو يرمي عليها قماماته.
وجاءت الجرافة العملاقة. كم هدّمت من بيوت الآمنين. كانت متمردة تخدم المحتل الجبان وحده. تركها المجرمون من بعد نار ذات لهب. هاهي الآن خادمة مطيعة؛ تتبع سبيل المخلصين، سباقة للخيرات، تنظف المكان من أدرانه. كم كان ابنه سعيدا جدا بمشهدها الذي يشد الألباب بعد أن تحررت من قيدها. يمكن له أن يرسم لوحات جديدة تخلد الحادثة. أما هو فكان موجها سائقها حتى لا يسلب الأشجار جذورها، أو يقطع للماء أوصاله. فجأة، صاح بأعلى صوته:
-توقف..توقف..أبعد الجرافة..حالا..أبعدها…إنها الأبواب..إنها أبواب بيوت
أجدادكم..تعالوا..تعالوا..أنظروا..أنظروا..
أخرجوا العشرات منها، من ذلك المكان الوسخ وعلى وجوههم سرور، وأبعدوها عن القمامة. دفنتها العصابات هناك حتى تدفن الذاكرة فيغمرها النسيان. كانت كما وصفها ابن أخيه في كتابه: (مفاتيح و أبواب المدينة القديمة). تذكر ابنه المفتاح:
-يا أبي.. أين المفتاح، هيا لنجربه عليها لعلنا نجد باب الجد..
فأخذ الكل يفعل مثلما يفعل هو حتى أدخلت بعض المفاتيح في فتحات أبوابها، فتأكد الجميع أنها أبواب البيوت القديمة.
-الآن تحقق الحلم، يا أبي..ولكن ماذا عن الأبواب التي بقيت دون مفاتيح؟..أين أصحابها؟ !
قال: أبو صالح، (وهو في قمة السعادة):
-عرفت أصحابها..نعم عرفتهم..
التفت إليه الجميع وعلى وجوههم الدهشة، لكنه واصل كلامه بكل هدوء ليقطع دابر دهشتهم:
– يا أيها الإخوة، إنّ هذه الأبواب لإخوتنا في الشتات، الذين حبستهم ظروفهم القاسية من اللحاق بكم، واعلموا أنّ قلوبهم معكم، فهم في شوق دائم، فحافظوا على أماناتهم.. فإنهم قادمون..
و وضعت كل الأبواب ومفاتيحها في المتحف الكبير الذي شيدته سواعد الشباب، وأخرج ابنه لوحاته لتزينه وتعيد رسم الذاكرة فيها حية ..غير منسية..