قصة سرير النهر
بقلم ابتهال خياط
ملكة عظيمة وملك عظيم يعتليان عرشهما في مملكة النور يتعاقب على طرفيها الشمس والقمر.. عالية قلاعها تحكم عالمين الاعلى والاسفل ..
شعب كبير يجد بملكه الاله فلا يرفض له قرار.. فبطشه قوي.. والملكة اسطورية بعنفوانها قوية في حاشيتها لكنها المرأة !
مشهد العرش والملك والملكة يجلسان وخلفهما ترصعت بالجواهر جملة “سيد الحكمة قاهر الموت سابر اعماق الوجود” يجلس على جانبي ديوانه الوزراء والامراء وذوي النفوذ وقادة الحروب. يتكلم الملك بصوته الاجش :
اجد ان اهل المملكة نيام منذ زمن.. هذا امر اكرهه ويجلب النحس على جميع الشباب ان يتحركوا ويحكموا مناعة القلاع ومتانة الجسور والسدود وسبل التواصل مع العالمين.. لا اريد فتورا.. لابد ان نكون دائما على استعداد لاي طارئ فنحن مملكة كبيرة ويجب ان نبقى اقوياء.
وصلتني التقارير ان ملوكا اخرين نزعت تيجانها على قَسَم اسقاط دولتنا ..
اجاب احد القادة: مولاي, الجيش مقدام وقلاعنا عالية متينة.. وسلاحنا لا يملكه احد.
الملك: اعلم هذا,… ولكني أعلم ان الامر بينهم مريب.. واشعر ان كيدهم عظيم. فعليكم بالحذر.
قال القائد: نعم مولاي.
ومرت الايام والاسابيع.. والملك يشعر بالقلق.. والملكة من حوله تدعوه الى الهدوء.. لكنه الملك.. والمملكة مقامهُ والاعداء كثر .
الملكة: الايام تمر ولم تصلنا اخبارهم في التحرك بالجيوش.. فما يقلقك؟
الملك: هو هذا ما يقلقني.. اي حرب جديدة سنخوض؟ تعودت تلك الحروب الباسلة.. نعسكر فنملأ الارض بالشوك فيتمزق العدو.. كل شيء يسير معي محاربا.. هو لي عظيم على الارض وما فيها كلها جندي.. وحصادي مثمر بكل الاتجاهات.. لكني الان اشعر بالخوف.. اقولها لكِ وحدك.
الملكة: يا مليكي.. ألا نبحث عن كيد ما نعرف منه من باطن احد هؤلاء الملوك كنه الامر.. قد نبتعد عن مواجهة ما تفكر به.. هم ثلاث ورغم قوتنا فان الانتصار الذي نحققه هو اعلاء من شأن القتل والدمار يصيب مملكتنا.. وتمجيده يكون مع طقوس الحداد فالقتل مصير الناس ومعه الحزن والاسى.
الملك: ابحثي لي عن كيد يا مليكتي.. واريحيني به.
الملكة: تعال الان الى مخدعنا كي تنام وتنسى الحرب والسلاح فهو شؤم.
اما انا فلي مع الليل حكايات… لابد ان اجد طريقة تفقدهم شرهم.. انه سلطانهم وسيزول.. وسآتيك بقلاعهم لتحكمها يا مليكي العظيم.. اني انا المرأة.. لا تحكم طويلا بدوني… سأختفي عنك برهة من الزمن كما الايام الخوالي حين كنت مصابا في الغابة مطعونا بطعنات قاتلة وجئتك كالقدر المحمول على اجنحة الصقور.. أداويك بلحم ودماء اعاديك.. ما يطيعك شيء لولاي حين تسير.. حين يعم السكون في المملكة ينصلح الناس من تلقاء ذواتهم.. وتتحرر الرغبات وتزدهر الحياة وتكون النفوس كالجلمود الخام.. عند الصباح انا في حلِّ منك الى وقت معلوم.. فنم قرير العين .
أما انا فسريري النهر.. النهر الذي يمر في مملكتنا وينحدر في مجراه الى اراضيهم.. ساجعله سريري.
وارتدت الملكة الليل بظلمته واطفئ القمر نوره ..
فُتحت بوابة كبيرة ونزلت الملكة سلما يؤدي الى الاسفل حيث عالم اخر وفيه شعب حُكم عليه بالحياة تحت الهيكل.. ونهر عميق تجري سواقيه بغزارة كبيرة في ثلاث..
وسارت الملكة ومن حولها رجالا ارتدوا زيهم العسكري حتى وصلت الى قاعة كبيرة تم نحتها لتظهر كمحراب عبادة.. وقفت لتقول بصوت قوي في مجموعة اخرى اصطفت هناك: عليَّ بالرجل “الراقص” في الحال, وتجهزوا جيدا.. انتم خاصتي وحدي واوامري اعطيها لكم فور وصوله..
قال قائدهم: نعم ايتها الملكة العظيمة.
ظهر رجل عملاق بانت عليه صعوبة الطباع وشراستها.. نظر الى الملكة وركع حانيا رأسه وهو يقول: ملكتي العظيمة.. انا رهن اشارتك.
الملكة: ايها المخلص.. انت رفيقي.. وحارسي لمهمة قد لا نعود منها. اغسل رأسك وتحمم بالمياه ودَّلل صغيرك واسعد زوجتك.. والبس ابهى الثياب.
الراقص: ملكتي.. اي مصير يتجرأ عليك ولا تعودي..؟
الملكة: انهض يابطلي سنمضي معا الى عالم أسود تُحاك في ظلماته نهاية وجودنا جميعا.. أَعلم ان البشر مصيره الموت ولكن ليس في لاهوت الشياطين. سنرحل خلف الافق.. خارج مدى الاصوات. عليك بما أمرتك.. وكن معي بعد ساعة. نهض الراقص.. دون ان يرفع رأسه في حضرة الملكة وقال: كما تأمرين.
الملكة:ايها الرجال الشجعان عليكم بالسرية التامة لما اريد.عليكم بذبح كل ما تستطيعون ذبحه من المواشي والقاءها في السواقي الثلاث فور ركوبنا النهر.. دون توقف.. البوابة التي امامكم طريق المزرعة الكبرى لما تذبحون.. تم تحضيرها لكم بمعونة امثالكم من المخلصين.. سيبدأ العمل حين انطلق بمركبي.. سرير خشبي وتده بيد الراقص.. فافعلوا ما أمرتكم بحذر.. ولا تتوقفوا حتى اعلمكم.. اما البوابات العليا فجميعها تقفل وتحل الظلمة في المكان. الا من مشاعل النار.
وماهي الا ساعة حتى ظهر البطل الراقص يتوسط سريرا خشبيا مادا يده الى الملكة لتركب معه في ابهى حلتها.. وصدر الامر بالانطلاق.. الى درب لا رجعة لصاحبه من حيث أتى.. لكنه درب من ماء وليس من تراب.
وتأهب الكل لتنفيذ الاوامر بلا استفهام. وبدأت الدماء تسيل ومجرى النهر يرتفع متدافعا نحو السواقي الثلاث في طريقه الى الممالك المترامية هناك خلف التلال. والملكة صامتة والراقص يبحر بالسرير حتى وصلوا اول الطريق مملكة الملك نيزك.. مع اطلالة الفجر, والمشاعل مازالت مرتفعة والحراس ينظرون.. وعلت الاصوات ان النهر تغير الى نهر دماء.. وشيء ما غريب ومبهج وسط السيل.
نزل الجند وفُتحت الباب.. والراقص استلم امرا بالتوقف هناك..
وقف الجميع مبهورين, الملكة العظيمة امامهم في نهر الدم.
وصل الخبر للملك النيزك واستيقظ مذهولا.. مهرولا نحو النهر ..
الملك النيزك: هل حقا ما ارى؟! ام هو حلم اراه منذ زمن بعيد.
الملكة: بل هو الحق يا نيزك.. انا هي .ما زلت على عهدك القديم رغم كل السنين؟! ألم تكرهني؟
الملك النيزك: ومن يكره الشمس والقمر.. انت السطوة والحلم وعطر الروح.
الملكة: تتكلم بالعشق ولا ترى الدم.. اي ملك انت يا نيزك؟
انتفض الملك ناظرا من حوله الى الرجال.. والى النهر.
سريرك هذا يا ملكتي؟ اخرجوه ورصعوه بالجواهر وزينوه بالزهور ..
اما نهر الدم.. فهو حال الملك العتيق.. تعود القتل واشتهى الحرب.
الملكة: ألا تدعوني للدخول عند عرشك؟
الملك: كلي لكِ. بعدكِ أسير.
دخلت الملكة ويتبعها الملك وحارسها ودهشة البلاط من امر الملك نيزك وشهواته بعيدا عن حال النهر ومعرفة الامر!
نظر القادة احدهم الى الاخر.. وقد ملأ السؤال عقولهم والغضب صدورهم.. فتكلم احدهم: مولاي الملك:هل نستعلم عن الدماء.. النهر قوت مزارعنا وعلينا معرفة الامر.
الملك: ما بال الدماء ايتها الملكة الساطعة؟
الملكة: الملك ثار على بعض قواده المخالفين وتلك دمائهم ومواليهم في النهر.. وقد هربت منه لانه اتهمني بالتآمر عليه.. فهربت منه من طريق العالم السفلي للمملكة.. يقول انكم انتم الملوك الثلاثة لهذه الممالك المتجاورة قد عزمتم الامر باسقاط مملكته ونهاية دولته.. والجيش الان في الاستعداد وينتظر الامر بالتحرك لخرابكم جميعا.
صرخ القادة: ما هذا؟ كيف وصل الخبر؟
الملك: كنا قد دسسنا رجالا لنا لكسر السد الاول للمدينة لاغراقها.. حيث مراعيكم وشعبكم سيُطغى بالمياه.. ويدخل اخرين لقتل الملك وانهاء حكمه.. وأسركِ انتِ… امرت ان لا تقتلي.
الملكة: عليك الان ان تتدبر امرك فانت من سيُقتل..
القادة: الامر خطير جدا و جيوشه عظيمة متمرسة لقد وقعنا في الفخ بسبب حقدك.. سيموت الكثيرون من شعبنا.. هل عندك حلّ ايها الملك الموقر؟
الملك نيزك: ابعث رسولا بسرعة الى الملك القابض والملك الفاني لاعلامهما بالاخبار ..
تحرك القائد بسرعة.. باعثا برسولين الى الملكين وان يعودا بالرد بسرعة .
وجاء الرد بانهما سيبعثان بطلب الصلح واعلان الحلف بان يكون الملك الحكيم هو صاحب السلطة والتفكير وكلاهما تابعين له بلا ابطاء. وتم الامر بارسالهما الرسل وانهاء حالة العداء.
الملك النيزك: مستحيل.. ليس بعد ان سلبني كل ما اريد.. لنقاتل ونعلن الحرب عليه.
قال القائد: بل انت فقط من سيموت.. وقطع رأسه في الحال.. ولم يتحرك اي حارس للرد.. لقد كان ملكا من ورق التوت المبتل.. ورحل.
صرخ القائد بقوة: ايها الرسول تحرك من توك الى الملك الحكيم.. وابلغه برسالتي وهي ما هنا كتبت.. نحن مملكة لك.. ووديعتك سنرجعها لتقتص منها كما تأمر وتقبل.
التفت القائد الى الملكة وبقربها الراقص مازال يقف: ايتها الملكة انتِ الاسيرة عندي وسأعيدك الى الملك كي يتقوى لنا به العهد. فهيا معنا كما جئت بسريرك ونحن من حولك نبحر بزوارقنا خوف الهرب.. فنُتهم باننا من تخلى عن تقديم الناكثين لعهد الملك الاعظم.
وصلت القوارب ونزلت الملكة وتحركت تسير بهدوءها وسط الحشد.. ومن حولها القادة والملوك وحاشية وهدايا لاتُعدّْ.. وقف الكل امام الملك العظيم..
الملكة: مليكي.. سأقضي في عالمي السفلي عمرا جديدا في البكاء على فراقك الابدي… اتضرع الى ربي من اعماق يأسي ان يجعلك ترأف بي وتقبل بما قمت به حبا في قداسة حكمتك انت خبز الحياة عندي حيث لاموت لي.. معك لن أغيب في التراب.. لقد أخلصت لك فهل أفلح في ارضائك؟
الملك: انت الشمس والقمر وكلنا حولك نجوم.. فارتفعي معي على العرش.. واتركي الاشواك ترعى.. فقصتك سفلية.. وحكمتك علية. سامحتك.. واعلم يقينا برفعتك.. وكل ما يدور هواء والسحب أتت بالماء.