من المؤسف أن نشهد خلال العقدين الاخيرين تنامياً شريراً ملحوظا في الهجمة الشرسة علي الاسلام والتطاول الفض علي الذات الإلهية وعلي الأنبياء والرسل وبخاصة خاتمهم سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم، تحت تسميات وذرائع حقوق الانسان وحرية التعبير والديمقراطية، وما هي إلا تشدقات وافتراءات يراد بها باطل أساسه التنفيس عن كراهية الاسلام والحط من معتقدات المسلمين ورموزهم المقدسة، ودافعه الوحيد هو التطرف والعنصرية، وفي الوقت الذي اصدرت المنظمة الدولية عدة اتفاقيات دولية وقرارات من مجلس الامن تجرم العنصرية والتطرف، وتكرس لحقوق الانسان وحرية العقيدة، فان افعال التطاول علي الذات الالهية وعلي الاديان والرسل تتنافي مع أبسط أسس ومبادئ شِرعة حقوق الإنسان، والإعلانات والمواثيق الدولية ذات الصلة التي تكرس لاحترام المعتقدات وسائر الأديان والمذاهب ورموزها. كما أن من شأن ذلك أن يثير الكراهية والبغضاء ويؤجج من مشاعر الانتقام بين الشعوب والمجتمعات في الوقت الذي تتصاعد دعوات الخيرين للتعايش الإنساني السلمي بين المجتمعات والشعوب بعد أن تحول العالم بفضل تكنولوجيا الاتصال والمعلومات إلي ما يسمونه بـ (قرية) صغيرة.
فتحت ادعاءات الحق في التعبير بدأت تظهر تجاوزات وخروقات وتطاول بذيء علي الذات الإلهية وعلي حرمة الأديان والمعتقدات، وبالأخص ضد الشريعة الإسلامية ودين الإسلام، من أطراف مشبوهة بعضها يدعي العلم والعلمانية ومنهم من يتظاهرون بكونهم من المسلمين والإسلام منهم براء، ومنهم من يسلك هذا الطريق الشيطاني من اجل الشهرة والانتشار خاصة حين تكون مادة التطاول منشورا أو كتابا أو مطبوعا، لأته يعتقد أن سلوك هذا الطريق الأخرق هو أحسن وأسهل طريق للشهرة والانتشار.
وفي الوقت الذي نوجه فيه سهام النقد لبعض الغربيين الذين يتطاولون علي خاتم الانبياء وإمام المرسلين سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم يخرج مع الاسف من بيننا من أمة العرب من يتطاولون علي الذات الالهية، رب السماوات والارض وما بينهما وعلي الدين الاسلامي الحنيف فقد راحت ألسنة هؤلاء النكرات تنضح بفحش القول في حق المولي عز وجل وفي حق دين الاسلام، لم تكن حالات التطاول تلك بالقليلة فقد تكررت عملية نشر وتوزيع كتب لمؤلفين عرب تتضمن تطاولاً فضاً علي الذات الالهية وعلي الدين والمعتقدات من خلال القصة والشعر الرديء والمقالة والرسم الكاريكاتوري وغيرها من وسائل التعبير. ان انتشار هذا السلوك بين بعض اصحاب النفوس المريضة ممن لم يهذبهم الدين ولم يرققهم معرفة السنة ولا الكتاب وانهم مسلمون بالاسم، وظنوا ان التمرّد علي الله تبارك وتعالي شكل من اشكال الرجولة والفتوة مع أنهم أتفه وأهون وأصغر من ان يسبّوا مقام الربوبية والألوهية. ولا شك أنهم جهلة مهما حملوا من شهادات، ولابد ان يُعزروا بمعني ان يعاقبهم القاضي بالعقوبة التي يراها مناسبة فهذا حق للمجتمع وحق لله تبارك وتعالي وحق للغيور علي دين الاسلام لا نلام عليه ولا نتهم، فالغضبة لله تعالي من أهم ما يميّز المسلم. لان الغيرة علي الله من ان تنتهك محارمه او يتطاول علي ذاته العلية أمر يتحرك له قلب كل مؤمن بالله.
ومن المؤسف أن نري بعض المتطاولين هم ممن يدعون النسبة للإسلام أو يحملون أسماء إسلامية وعربية، ولكنهم أبعد ما يكونون عن الإسلام، فهم يلجأون لهذه الأساليب القذرة بدافع الشهرة والتميز والانتشار خاصة من قبل الإعلام الغربي الذي كما هو معلوم للجميع، يقاد ويدار ويوجه من قبل القوي الصهيونية أو الممالئة لها. في الستينيات نشر شاعر عراقي معروف قصيدة في مجلة روز اليوسف أثارت حفيظة المسلمين مما ورد فيها:
(… رَأيْتُ اللهِ….
عليَ وَاجِهَةِ الأَسْوَاقِ والمًخازِنْ…
يَبْصُقُ فيْ وَجْهِهِ الشُرْطيُّ واللوُطيُّ وَالقَوّادْ!!..).
ولكن للاسف انبري عدد من المنافقين أدعياء الأدب الحر، دفاعاً عنه بأن الموضوع لايخلو من صورة شعرية مجازية… تماما مثلما انبري عدد من كتابنا للدفاع عن صاحب الرسوم المسيئة للرسول الكريم بالقول إن هذا نوع من الفن! أو من دافع عن الشخص الذي طعن في عرض الرسول صلي الله عليه وآله من منبر محسوب علي الإسلام.
التجريم القانوني
لقد نصت معظم إن لم نقل جميع قوانين العقوبات العربية علي تجريم الجرائم المتعلقة بالأديان ضمن باب (الجرائم الاجتماعية) وعددت منها:
1 ــ التطاول علي الذات الإلهية أو الطعن فيها باللفظ أو الكتابة أو الرسم أو الإيماء أو بأي وسيلة أخري.
2 ــ الإساءة إلي القرآن الكريم أو تحريفه، أو تدنيسه.
3 ــ الإساءة إلي الدين الإسلامي أو إحدي شعائره.
4 ــ سب أحد الأديان السماوية المصونة، وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية.
5 ــ التطاول علي أحد الأنبياء باللفظ، أو الكتابة، أو الرسم، أو الإيماء، أو بأي طريقة أخري.
6 ــ تخريب أو تكسير أو إتلاف أو تدنيس مبان، أو شيء من محتوياتها، إذا كانت معدة لإقامة شعائر دينية لأحد الأديان السماوية المصونة وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية.
7 ــ احراز او حيازة محررات أو مطبوعات أو تسجيلات، أو أي شيء آخر، يتضمن تحبيذاً أو ترويجاً لشيء مما نص عليه فيما سبق بقصد توزيعها أو إطلاع الغير عليها. ويعاقب كل من أحرز، أو حاز، أي وسيلة من وسائل الطبع أو التسجيل أو الإذاعة تكون معدة لطبع أو تسجيل أو إذاعة نداءات أو أناشيد أو دعاية لمذهب أو جمعية، أو هيئة، أو منظمة، ترمي إلي غرض من الأغراض المنصوص عليها في الفقرة السابقة مع علمه بذلك. ونعتقد ان الحاجة ما زالت قائمة الي تشريعات وطنية، وتشريعات دولية لمواجهة جرائم التطاول علي الذات الألهية وإزدراء الأديان والأنبياء والرسل، فعلي الصعيد الدولي لابد للامم المتحدة ان تصدر اتفاقية دولية تحظر المسّ بالاديان او التطاول علي الذات الالهية او تزدري من الرموز الإعتبارية المقدسة لدي أصحاب الأديان، بل لابد ان يتحمل مجلس الامن مسؤولياته ويصدر قرارا يمنع التطاول والازدراء المشار اليه. أما علي مستوي التشريعات الوطنية، سواء في الدول العربية أو الدول الاسلامية، فلابد من تجريم شامل لكل الافعال التي تتضمن تلك التطاولات والاعتداءات، إذ الملاحظ ان التشريعات الجزائية العربية مازالت قاصرة عن شمول جميع صور الاساءة، فضلا عن (ضعف وهزال) عقوباتها. فأصبحت الحاجة ملحة لسن تشريع شامل ورادع لهذه الأفعال ويلاحقها أيا كان مكان وقوعها وجنسية مرتكبيها.
جريمة عنصرية
في الآونة الأخيرة درج كثير من الدول علي تغليظ العقوبة علي الجرائم التي تتعلق بالعنصرية وحقوق الإنسان وما يمس معتقدات البشر وحرية انتماءاتهم الدينية والفكرية، وما يهدد الأمن والسلم الأجتماعي، ويثير الفتن، وإن لم تقع في نطاق السيادة الوطنية للدولة أو لم تقع علي أو من أحد من مواطنيها، مثال ذلك القانون البلجيكي الصادر سنة 1993 الذي يعطي الحق للمحاكم البلجيكية في مقاضاة مرتكبي إنتهاكات حقوق الإنسان أينما كانوا وفي أي مكان إرتكبوا هذه المخالفات، ولعل هذا أحد أهم التشريعات التيي يتميز بها التشريع البلجيكي. وإذا كان هذا هو الحال في دولة من دول الحياد والتيي تعدّ نموذج من نماذج الديمقراطيات الغربية التي يتشدق بها منادو الحرية والديمقراطية، فمن الحرّي أن تكون الدول العربية والاسلامية أكثر غيرة وحرصاً. وقد درج مرتكبو الجرائم المذكورة علي إرتكابها متذرعين بما تسمي (حرية الرأي والتعبير والإبداع)، ولم تفلح أي محاولات تحاورية في عدم التكرار مما أجج المشاعر لدي المسلمين.. كما أن هذه الجرائم تهدد الوحدة الوطنية والأمن والسلم الإجتماعي وتثير الطائفية? وهو ما أضحي معه أهمية سن تعديل تشريعي لهذه الغاية، و يستلزم إدخال تعديلات بإضافة نصوص إلي الدساتير والقوانين الأساسية.
الموقف الشرعي الإسلامي
لقد إقتضت سنة الله تعالي أن يجعل الناس أمماً وشعوباً وقبائل ليتعارفوا ويتقاربوا ويتحابوا وليس للإختلاف والتناحر قال تعالي (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا) الآية 13 سورة الحجرات… ولم يفرق في ذلك بين أحد من خلقه ولذلك بعث الرسل وأنزل الكتب وأمر عباده المؤمنين بالإيمان والتصديق بجميع الأنبياء والمرسلين والكتب السماوية دونما تفرقة، قال تعالي (لانفرق بين أحد من رسله) الأية 285 سورة البقرة وعصم الأنبياء والمرسلين من الزلل والخطأ وإصطفاهم علي سائر البشر من لدن آدم إلي خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلي الله عليه وآله وسلم حيث قال تعالي في محكم التنزيل: (إن الله إصطفي آدم ونوح وآل إبراهيم وآل عمران علي العالمين) الآية 33 سورة آل عمران.. كما إصطفي الله لهم الأزواج والصُحبة المباركة وطهّرهم وزكاهم قال تعالي (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) الآية 33 سورة الأحزاب وقال تعالي في تكريم وعلو الشأن أزواج المصطفي صلي الله عليه وآله وسلم واصفاً إياهن بإمهات المؤمنين: (النبي أولي بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم) وقال صلي الله عليه وآله وسلم واصفاً صحبه الكرام الأبرار الأطهار (أصحابي كالنجوم بأيهم إقتديتم إهتديتم) كما قال: (لا تسبوا أصحابي)، فالمسلمون منهيون نهياً قاطعاً عن سب الصحابة والآل الأطهار، كما أنهم منهيون عن سب الاديان الاخري او رموزها فضلا عن ان ديننا وربنا تبارك وتعالي، وقد قال الله في كتابه الكريم “لا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبّوا الله عَدواً بغير علم”. لذا فلا يجوز لمسلم ان يسب صليباً او كنيسة او معبودا مهما كان هذا المعبود حتي لا تكون فتنة وحتي لا يسبّ اتباع هذا المعبود ربّ العالمين تبارك وتعالي عَدواً بغير علم كما قالت الآية. إن سب الدين من أعظم الكبائر ومن أعظم المنكرات وهكذا سب الرب عز وجل وسب الرسول وآله وصحبه، وهذان الأمران من أعظم نواقض الإسلام، ومن أسباب الردة عن الإسلام، فإذا كان من يسبّ الرب سبحانه أو سب الدين ينتسب للإسلام فإنه يكون (مرتداً) بذلك عن الإسلام ويكون كافرا يستتاب فإن تاب فبها، وإلا قتل من جهة ولي أمر البلد بواسطة المحكمة المختصة، وهكذا الاستهزاء بالله أو برسوله أو بالجنة أو بالنار أو بأوامر الله كالصلاة والزكاة، فالاستهزاء بشيء من هذه الأمور من نواقض الإسلام، قال الله سبحانه: (قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ).
لابد من وقفة صارمة
ولحماية ثوابتنا الدينية من عبث العابثين فلابد من وقفة حازمة تجاه الذين يطعنون بصحابة رسول الله وازواجه او يسبونهم او يكذبون عليهم، ولابد من تشريعات وطنية تجرم مثل هذه التجاوزات البذيئة. ولابد من تفعيل سبل المواجهة التشريعية للدول بالتعاون الدولي لمكافحة جرائم ازدراء وامتهان الأديان علي المستوي العالمي وذلك بعقد الاتفاقيات الدولية لملاحقة أعداء السلام العالمي الذين يثيرون الفتنة الدينية بين شعوب العالم بما يؤدي الي وقوع إضطرابات بين الدول وذلك بردع الفئة المثيرة للقلاقل. ترتيبا علي ذلك فإن الدين أحد مقوماتنا الأساسية الذي لا يتجزأ عن النظام العام وأن مبادئ الشريعة الإسلامية هي الثوابت التشريعية وتحتل في بناء التدرج القانوني التشريعي درجة الدستور التي تتضمن الأحكام العامة ويكون للمشرع أن يسن القوانين التي توائم الحياة المعاصرة بما لا يخالف ثوابتنا التشريعية (القرآن والسنة النبوية) وبالتالي لايجوز امتهان ثوابتنا التشريعية الدينية كالذات الإلهية ورسولنا المصطفي وآله وأهل بيته وصحبه الكرام.