قصة قصيرة
كل له خطوط حياة كما هي المرسومة على كف يديه… فالحظ له خط، والموت له خط، والعمر له خط لكن لو سألت نفسي هل يمكن ان تجتمع كلها في خط واحد؟… أظن ذلك مستحيل ذاك ما حدثني عنه من حسبت ان لا عودة له.. دعوته بصاحبي في تلك الفترة لأغراض شخصية إنه لوثر حينما أخذ بيدي يصافحني وهو يزورني بعد ان خرج من السجن بتهمة باطلة لفقت له نال فيها عشر سنوات قاضيا ثلاثة ارباع مدتها في القراءة كما قال لي كأنه أعاد صناعة نفسه مشذبا باحة عقله بعد ان استطال على ارضها النبات الخارج عن المألوف كثير الاشواك… حقيقية راق لي متعة الحديث معه رغم توقعي الاسوأ عندما جذبتني عبارة قالها لي وأجاد صياغتها عندما ذكرت له أني وصلت الى قناعة أني قد بلغت أمري الى حد لا يمكنني التراجع وعلي المضي قدما لأتمامه حتى لو كلفني ذلك بعض الخسائر فلا شيء دون ثمن… قاطعني قائلا: حسنا سأكون لك الروبيكون ما رأيك؟؟ استغربت هذه المفردة فأنا لم اسمعها من قبل او لي معرفة بها فقلت له وما هو الروبيكون؟؟
– الروبيكون هي نقطة النهر التي كان على يوليوس قيصر ان يعبرها مع علمه أن لا عودة منها اي بمعنى آخر تخطيها الى الجانب الآخر يكلفه تحمل ما سيقع عليه كما انت الآن من عبورها فلك مالك و عليك ماعليك… أي انك الأن لويس تقوم بالمجازفة فكل تفرعات الحياة وإن بدت لك او للمحيطين حولك خطوة أعتيادية هي بداية لنقطة اللاعودة فلا يمكنك ان تجازف بإعادتها لأنها قد اخذت من الوقت والفرصة و العناء والمشقة مثل الحالة التي اتخذتها من ردود فعل هل فهمت ما اعني؟؟؟
– ربما لوثر لكني كما يبدو أنك لست لوثر الذي اعرف؟
– دعك من ذلك ساقص لك حكاية تعرف من خلالها أن الحياة هي مَجمَع لمفترقات طريق من خلال وجود استدارة كبيرة و في داخلها دائرة صغيرة ذات رسوم غامضة، فلكل انسان فرصة واحدة او ربما اكثر إن كان له حظان ان يقف في وسطها ثم يتطلع الى كل تلك المفترقات كعقارب الساعة ثم يصرخ على اي منها بصوت عال بعد ان ينصت الى رغبة عقله الباطن فيما يريد و يبتغيه من وجوده في الحياة كذلك فعلت انا صدقني ذهبت الى ذلك المكان وقمت بما اوحت لي نفسي وعقلي بالقيام به، بالطبع كان لي قناعة تامة بمردود صدى رغبتي والصرخة التي اطلقتها حتى لو كانت دون صوت… فخبايانا في النفس اكثر مما نجهر به لها..في تلك اللحظة يتسرب إليك شعور تدرك فيه ان النقطة التي نقف عليها هي نقطة انطلاق موحد لكل إنسان على وجه الأرض شرقا، غربا، شمالا او جنوبا بخط مستقيم او خطوط متعرجة فالنتيجة واحدة سيعود كل مخلوق الى المنطقة المستديرة التي بدا منها… المهم انك تستطيع ان تتعامل بما سيواجهك في مفترق الطريق الذي سيكون لزاما عليك السير فيه ثم تبدأ بالتحدي مع من هم أحبابك، عائلتك، اصدقائك، صحبك، اعدائك، من تحبه من تبغضبه الجميع دون استثناء… في ذلك الوقت تستشعر السبب الحقيقي من وجودك في الحياة التي لا يمكنك ان تخرج عن دائرتها مهما ظننت نفسك فاعلة، هي الحقيقة التي لابد لك أن تسلم بأمرها حتى تكمل مسيرتك… نحو هدف تحسب أنه خطط له لكنه مرسوم لك من البداية… لا شأن لك به سوى انك أداة لتطبيقه…
– ما الذي تعنية لوثر إني أراك واسمع غير لوثر الذي أعرفه؟؟؟
– لا يهم أن تعرف، المهم ان أوصل لك الفكرة وخط السير سواء كان متعرجا او مستقيما، دائريا او بيانيا، ملتويا او حلزونيا أيا كان شكله.. فكرة ان تختار لنفسك لويس فالعالم لا يتوقف حين تتوقف انت او حياتك سيستمر بك او دونك، إنه عالم مستدير كما قلت لك كل شيء له مصدر البعض منها مصدر بلا نهاية وهناك مصدر له نهاية… و اظننا نحن مخلوقات لنا مصدر ولنا نهاية اما ما يحيط بنا من عالم فمصدره غامض و بلا نهاية معلومة لنا، فكل ما نقوم به من حسابات وإن تمكنا من صحتها تبقى تخمينات لحساب توقعات يجب ان نحضى بصحتها لديمومة الدائرة واللانهاية… فالمعلوم مبهم و متغير فكل ثانية لها روبيكون مختلف عن الآخر لذا تختلف المكونات وخطوط التعددية ذات النهاية واللانهاية… إنها فلسفة الحياة للمخلوقات و الاكوان… هيا يا صديقي دعنا نكمل رحلتنا معا على ان تقضي ما بدأت معي فأن لك تأريخ حظيت منه أنا برفقتك فترة من الزمن، دعنا الآن نكمل ما بدأنا على ان البداية من نقطة التوقف التي فارقت فيها العيش بين من احب فأنت يا صاحبي كنت العامل و السبب الرئيس المؤثر في دخولي السجن لأنك قد طمعت بما هو ليس لك كنت وقتها قد وصلت الى لحظة التفكير بنفسك أكثر ممن احاطوك بدفئ الصحبة والرفقة.. لكن لا يهم هيا تعال معي دون ان تحدث اي جلبة دعني اعبر بك نقطة اللاعودة حتى استطيع ان ان اعود الى مركز الدائرة الذي صرخت فيه طالبا النيل منك كونك الشخص الوحيد الذي فضل نفسه علي بعد ان سرق مني سنين عمر كان لابد لي ان اعيشها في مفترق طرق غير انك جعلتني ادخل خلف قضبان كالحيوان الفضل الوحيد لك فيها أنك ساهمت في تغيير قناعاتي و عرفت ان الانسان عليه ان لا يامن الصاحب الخداع في زمن كثر فيه من عبروا نقاط النهر، لقد كنت الروبيكون لي و ها انا سأكون لك لكني عدت ليس بإرادتي لكن بإرادة صاحب المركز والدائرة.
القاص والكاتب
عبد الجبار الحمدي