أبناء الشيطان…
أكتفي بهذا القدر سأعود حيث جهنم مطمئنا أنكم ستكملون مهمتي يا أبناء الشيطان.
تلك كاانت آخر عبارة أدلى بها إبليس بينهم وهم يقفون مصطفين بأنفسهم نخبة عن باقي البشر، فعلق أحدهم قبل أن يهموا بالخروج قائلا: لا تلم قوم على ما اصابهم فجله ما جنته ايديهم ونكثهم ميثاق الله وعهده.. اخرجوا منها بعضكم لبعض عدو.. فمن منا أبناء نسل ادم؟ ومن منا نسل أبناء إبليس؟
كنت محسوب عليهم ومن ثم دولبتني السنين ببيضها وسودها، أرضعتني الضياع ترياق ألم.. مضغت سكاكر طفولتي.. صباي.. شبابي.. مثل علكة مُرّة داستني كأعقاب سكائر.. باعتني أعواد بخور في مقبرة مقفرة ثم خرجت تقول: هذا قدرك، رضخت لها دون رغبة مني وإن كانت هي ضالتي في قرارة نفسي التي ما أن اقع في مطب حتى ألومها بالأمارة بالسوء… عادة ما أجعل طريقي على ذلك المتسول الذي قبع مثل كومة نفايات وقد وضع قطعة من الكرتون يلقي عليها المارة حسنة او صدقة، أضحك عندما اتذكر كثرة المحسنين والمتصدقين من العامة او المتدينين وهم يلقون له بفتات مافي جيوبهم من عملات الورق الممزق منه والذي لا يشترى به ولا يباع، كم احببت ناصية الشارع تحديدا وأنا أسمع من يقف متصحف العناوين متململا.. وهو يصيح لكل ما يتصدرها…. الدين لله والوطن محاصصة… أجدني خَجِلا بداخلي ضاحكا عليه وانا ابتاع منه الصحيفة لأني أعلم جيدا أن من كتبها وأدرج عناوينها هم من على شاكلتهم ( المنافقين ) فما أن يراني امسك بها حتى يقول: لا تستند على جدار حقيقة ما يشاع وهما.. غايته آيل للسقوط بحجج واهية فمن يعقد العقدة يطلب حلها، إن حل العُقَد صعب المنال، ومن لم يملك بعقله الحل صارت عقدته عليه وبالا ثم يردد أبيات شعر كتبه
تتساوى أصابع اليد حين ثنيها وعند مدها تجرأت أحوالها
منها من يشتم ويتوعد ومنها من يخفي جرأة خوفه عيبها
بعدها يعلق.. إبتسم، إضحك هي فرصة قد لا تتاح لك مرة ثانية فالسعادة دخان متطاير صعب ان تمسك بها ولو لثانية، أجدني أريد سماع المزيد منه فأقول له زدني يا هذا فيقول:
يحكى ان حمار رأى في منامه ان يكون حصان سباق، فشاركهم الحلبة وحين صهيلهم نهق، والمعنى يا هذا؟؟ عندما نُقَيّم الأمور بدماغ حمار نجزم قاطعين أن الأمور أفضل بكثير من السابق بسبب التعايش الحموري للواقع دون تغيير سلطات مجربة، مخلص الحديث اعصب عينيك كي ترى الحقيقة وأظنك فعلت خوفا من بشاعة ما تعلمه واقعا يستشري كالنار في الهشيم لذا أقولها وبصراحة إلى الجحيم بما تؤمن به، يا ليتك ما تصفحت تراهتهم فقد أصابك لوث و وباء العار الذي صار مستشريا مثل كورونا..
مرغت إنعكاس ظلِ بالتراب تحت حذائي، رحت أسحقه كمن يرقص التويست، أثار ذلك فضول المارة!! لقد نسيت نفسي فلذت بعيدا عنهم، أسكنت نفسي في وادي الصمت والنسيان، رحت أقلب وريقات صفراء كنت احتفظ بها عندما كنت إنسانا وقبل ان ابيع الضمير والنفس، كم شعرت بالطمأنينة وأنا اسمع همس من احببت وهي تقول لي: إنك حُلما اعيشه حينما تكتحل انت بمكحلتي، اجدني اطوف بين جفنيك كطفل يتيم، لحظتها اتلمس دموعك وهي تواسي وحدتي التي اعيش فاغفو، لست طيفا.. لكني اردت ان اكون لأدخل عالمك خلسة واحياك بصخب العاشقين دون هوادة… أجيب نفسي متسائلا أظنني كنت إنسانا؟؟!
أفقت على صوت ينادي عَلَيّ أنت هنا ونحن نبحث عنك؟ هيا أسرع إن الاستاذ يطلبك، سارعت بالرد أي استاذ؟ فقال لي: الأستاذ… ضحكت في سري وقلت نعم.. نعم الاستاذ تاهت علي القبلة فجميعهم أساتذة في حوار النهيق..
لم اعرف ماذا يريد مني؟ لكني هرولت كما صاحبي فالمكان ليس ببعيد، ركبنا معا المركبة التي سارت حافية القدمين مخرجة صفيرها وهي تتأوه لذة في كسر القوانين دون خجل، فعالمنا عالم اللامبالاة بالقانون او البشر كل ما على الارض هو لنا كالذلول… ناحت الإطارات كريح صرر أما من ورائنا فنعيق صوت غربان تترأى لي أخاف وصفها.. لحظات كنا نقف خلف الاستاذ فالتفت قائلا: هل جهزت الكلمة؟ لطمة مفاجأة على وجهي ماذا أقول؟ عن أي كلمة يتحدث؟؟ تغير لون وجهي كأني أبتلعت سمكة مليئة بالعظام غصصت بها، فلم أجبه سوى بهز رأسي… فأردف جهزها فأنا التالي في إلقاء الكلمة… مصيبتي زادت كأني طير منتف الريش بعد أن يعلم اني لم اكتب أي شيئا… امسكت بصاحبي فهمست أنا لم أجهز اي كلمة، فلا علم لي عنها
فقال: يا للشياطين الزرق ثم أمسك بذراعي أخرجني حيث خلوة… أمجنون أنت؟ لقد كلفك الاستاذ البارحة بكتابتها، أجبته لم أسمع لعلي كنت شاردا في غير مكان…
اللعنة عليك…. سيسلخ جلدك عن عظمك، فقلت: لله الأمر من قبل ومن بعد
تلك كانت آخر كلمات سمعها ممن رافقي رحلة الغفلة، ها أنا في منفاي الجديد أعيش خطأ النسيان لكني رضخت للأمر الواقع، شكرت شيطان حظي فالمنفى الذي أعيش بمثابة عقوبة مخففة فأنا أصبحت منظفا لمخلفات الأحصنة التي يمتلكها الأستاذ شرط ان أقيم معها في نفس الإسطبل تكفيرا عن عصيان أمر مشاركا إياها الطعام والشراب، أما هم فلا يشاركوني الحفلة التنكرية التي يقيمها عليَ أصحاب الخوازيق البلاستيكة واللحمية.
القاص والكاتب
عبد الجبار الحمدي