الأسد يزأر والحمار ملاقيه.
عبد الرحمان صديقي.الحزائر
تكسل الضابط الفرنسي على كرسي سيارة الجيب العسكرية،ومد رجليه ،وغطى وجهه بقبعته العسكرية،واستغرق بأصابعه يتلاعب بسلسلة ،ربط في كل حلقة من حلقاتها خصلة شعر!كل خصلة إنتزعها من رأس شهيد جزائري ،أو شهيدة جزائرية.كما أنه ميزها بلونين مختلفين ،فأما التي ربط معها سفيفة حمراء ،فصاحبها أستشهد أثناء قتال ،وأما التي لونها بالاسود ،فصاحبها إستشهد تحت التعذيب !
يتباهى بها ،ويفتخر بأعداد الخصلات،فهي في اعتقاده دليل على شجاعته،و حسن بلائه في حربه ضد المجاهدين الجزائريين.
خفف سائق الحافلة من سرعتها ،لما رأى الحاجز العسكري،على بعد مئات أمتار،وطلب من الركاب الإنتباه،وعدم الخوف أو الإرتباك،و نبههم التحقق من وثائقهم،هوياتهم،او
على من يملكون تساريح تنقل التثبت منها.
نزل الضابط من سيارة الجيب العسكرية،متوجها صوب حافلة ال”برلييه”،لاحظ السائق أن الضابط لم يولي إهتمام لسيارتين و بعض شاحنات كانت في طابور الإنتظار ،فهم السائق أن الحاجز العسكري أقيم خصيصا لتفتيش حافلات نقل المسافرين،خاصة تلك القادمة من مدينة البيرين ،عبر طريق لاروكاد.
أيقن السائق أن وراء الامر وشاية من عميل “بيوع”حركي.
كانت الحافلة قد انطلقت من البيرين،بعد ان انقضى وقت السوق الأسبوعية،وجل ركابها من المتسوقين،وبعض الباعة البسطاء ،منهم من قصد السوق بسبب الحاجة وقلة ذات اليد،إما لبيع دجاجات،أو عنزة ،او برنوس،غطاء حولي،ليس أكثر.
كما يحدث أن يلتقط السائق بعض الركاب من قارعة الطريق ،ممن يسكنون على أطرافها بعيدا عن المدينة.
التحق السايح بالمجاهدين منذ مدة ،وعرف ببسالته،وتنفيذه لمهمات دقيقة وحساسة،وقد اطاح بالعديد من الخونة،وعتات المعمرين،وحتى بعض اليهود المتعاونين مع المستعمر،الذين تسببوا باذى كبير للمجاهدين،وللمتعاونين معهم
تقدم الضابط بكل هدوء،حتى لا يثير شكوك وتوجس الركاب،بحركة مموهة وخفية أشار لبعض الجنود بالتأهب،صعد للحافلة، طلب من السائق إيقاف المحرك، تصنع الإبتسامة،وتفرس في بعض الوجوه،وتحاشى أخرى…،بكل الهدوء نزل وكي لا يثير ادنى ريبة قال بصوت منخفض،بلغته الفرنسية للعميل المتواري
-أي واحد منهما!
ثم إضاف:
-هناك رجلان إثنان ،كل واحد منهما بجنبه إمرأة.
صعد العميل الذي كان وجهه مغطى بالكامل، لا يظهر من قناعه إلا عيونه المخادعة .
-إستدار نحو الضابط بعد أن تأكد من وجوه الركاب وقال
-الذي على رأسه مظلة.
فتح السايح نافذة الحافلة التي من جهة حافة الطريق ،وتسلل منها ونزل بخفة،وركض ناحية حقول القمح،عاود الضابط الصعود إلى الحافلة،لكنه كمن صدم،قفز من بابها،وأطلق رصاصة في الهواء ،ليسرع الجنود ناحيته،أطلق وابلا من الرصاص حيث فر السايح،تبعه إطلاق نار كثيف من رشاشات الجنود.
جن جنون الضابط،فقد أعصابه،وأطلق صراخا هستيريا!
-كيف تغافلتم؟اللعنة عليكم جميعا!
لقد خاب مسعاه،فهو كان يتمنى ان يتمكن من الامساك ب”السايح” على قيد الحياة،حتى يشبع رغبته السادية،فأكثر ما يغيضه ان يستشهد المجاهدون في ميدان الحرب،متوجين بشرف الشهادة،والبطولة ،والفخر.
لم يدم الاشتباك طويلا
برغم أنه كان يحمل مسدسا فقط،تمكن السايح من إصابة بعضهم،لكنهم تمكنوا من قتله.
عبد الرحمان صديقي الجزائر.