“لا تطفئوا الشّموع “
وقصص أخرى قصيرة جدّا. بقلم: حسن سالمي
حقد طبقي
القرية غارقة في الظّلام، إلّا القصر فهو مضيء… لا بُدّ أنّ ربّة البيت ستقيم حفلة ما كالعادة…
وها هو ذا يمشي إلى جوار سور الحديقة: “لنا النّوى، ولهم التّمر. اللّعنة!”
ورآهم يتوافدون على القصر بوجوه نضرة نيّرة، فشعر بلهيب يخترق فؤاده… ولم يمض كثير وقت حتّى حمل إليه اللّيل روائح عطورهم وطعامهم وصوت ضحكاتهم المشوبة بالنّفاق، فتميّز غيظا وشعر بأنّ الحقول الهادئة من حوله ستنتفض مثلما ينتفض هو الآن…
الخطّ الثّاني
تطلّع إلى الشّمس الغاربة في مرارة، ثمّ ولّاها ظهره وانطلق يشقّ الشّهباء بقوى فاترة. “ثمّة في هذه الأنحاء بئر قديمة، فأين هي؟”
على ضوء النّجوم ونور القمر الوليد رأى بريقا أخّاذا. “ماء. لا بد إنّه ماء.” وزحف إليه…
وجده جدولا هرهارا يشقّ واحة سوداء. كرع منه كما يكرع البعير، بيد أنّ شفتيه ظلّتا متيبّستين… تساءل: أين أنا؟
ذهبت حسرات
أطلق بصره عبر النّافذة فألفى نخلات شاحبات وقد هجم عليها الإسمنت. “أينها الآن من نضارتها القديمة وعطائها الوفير؟” ورآه طفلا لاهيا تحت ظلالها، يقفز من هذه السّاقية إلى تلك… تحسّس مكان ساقيه المبتورتين وتنهّد طويلا…
“تهيّأ للصّلاة يا أبي.”
لا يجيب ويظلّ جامدا على كرسيّه ممدود البصر إلى الغيب…
لا تطفئوا الشّموع
“دفع قاربه إلى الأعماق مخلّفا وراءه جمهرة من الصيّادين. تقدّم والشّمس تلعب على الماء وقد حمل إليه البحر رائحته المميزّة مخلوطة بروائح الأعشاب والشّباك… بلغ بقعة شديدة الصّفاء والهدوء، خالية من الموج تماما بخلاف ما حولها…”
يسمع وقع أحذية ثقيلة على السّطح ثمّ أصوات مكتومة كما لو أنّ أشياء ثقيلة تسقط من السّماء، وفجأة يُخلع عليه الباب ويعلو نباح كلاب يملأ وسط الدّار…
“اقبضوا عليه.”
“لا تنسوا أوراقه هذه.”