كان زواج سمير و سامية نموذجا لنجاح إحدى قصص حب بكل معايير الجمال في الأدب الرومانسي و التي كلها إنتهت بتراجيديا على غرار قيس ليلى ، أو عنترة عبلة ، إذ كان حبهما صافيا ، عفيفا و صادقا، فيه تحدي لكل الصعوبات المادية و الإجتماعية فحين قررا الارتباط كانا لا يملكان شيئا من الأتات و لا حتى مكانا خاصا بهما، لكن قررا الزواج يقينا منهما أن الله سيمنحهما العزيمة لتجاوز كل الظروف و تحقيق أحلامهما؛ تزوجا إذن و بدءا حياة كلها حب و سعادة كانت هي الموصل و الموقد الذي يجعلهما كل يوم في تحدي و مواصلة الكفاح من أجل حياة زوجية مثالية..مرت الأيام، الشهور و السنين ، و القدر ، الحظ، و الظروف هي هي و الأوضاع لم تتغير ، بالرغم من كل مجهوداتهما إلا أن الزمن له رأي آخر أصبحت الحياة أكتر صعوبة و أكتر مشقة مما كانت عليه ، فزادت حدة أزمتهما و كأن الزمن يتحداهما ، و كأن القدر و الحظ في مؤامرة مع الحياة عليهما أو لم يستسيغوا زواجهما ..! بدأت تلوح عبر الزمن ملامح الفتور ، و بدت تظهر علامات القهر ، اليأس و الكآبة الغير معلنة، بدءا يبتعدا عن بعضهما شيئا فشيئا لا لشيء إلا لتفادي الشجار الذي أصبح يطبع أبسط مشاكلهما ، أصبحا يعيشان طيفين بعيدين تحت سقف واحد , أين هو ذاك الكلام الذي كان أحلى من العسل في الأيام الأولى من عشرتهما !!!كل الكلام أصبح الآن كلمة نشازا و أخرى تأففا ، و أصبح بين هذا و ذاك صمت رهيب ينخر علاقتهما كل يوم .لم يعودا يطرحان المشكل من أجل الحل فقد عرفا أن كل مشاكلهما لا حل لها بل و في طرحه تفعيل لكل المشاكل ؛ سامية أصبحت جد عصبية ، كيف لا تصبح كذلك و هي ترى أن كل صديقاتها أو بالأحرى معارفها يلمنها على هذا الزواج ، و إنه بسببه ضيعت أحلى سنين عمرها من أجل سعادة وهمها بها و أن بجمالها لو أرادت كانت ممكن أن تحظى بأغنى أغنياء البلدة؛ أما سمير فقد أوجد نفسه من لاشيء ، لا أمامه و لا وراءه ، إنسان مناضل في الحياة رجل عصامي ، مكافح ، خلق فقيرا يكافح و لازال يكافح لكنه يظل نزيها في كل تصرفاته ، و دائما يتسائل و يلوم نفسه ، على أنه ظلم معه هذه الفتاة حين ربطت مصيرها به ، يأنبه ضميره لأنه لم يستطع إسعادها بالشكل الذي كان يريده و هي تستحق أن تعيش أميرة في قصر و هو يرى فيها ملكة قلبه و لو لم يكتب له أن يملك قصرا تسكن فيه .كان كلما إزدادت عصبيتها فضل الخروج و اللجوء عند صديقه أحمد الذي كان دائما ملجأه الأول عند الأزمات ، يتركها إلى حين تهدئ فيعود ليجدها نائمة فيتأمل وجهها الجميل، يدترها و هو يفكر و حزين يتساءل: “ كيف يا ربي لهذا الملاك أن يعيش معي عيشة بائسة!، كيف لي أن أتجاوز يا الله كل هذه المشاكل المتراكمة و أسعد هذه المخلوقة الوفية التي هي في عهدي صادقة !!، تم ينام و هو يدعو الله أن يفك أزمته و يسهل اموره بإسعاد زوجته .
لكن أبدا، أبا الزمن إلا أن يقف له بالمرصاد و إزدادت وضعيته تأزما ، و إزدادت معها علاقته بزوجته تكهربا حتى كاد في إحدى نقاشتهما ذات ليلة أن يطلقها ، حين كررت على مسامعه: لم أعد أحتمل ، و لم أعد أحتملك حتى!!كرهت هذه الحياة معك، و هي تصرخ و تبكي، و في كل دمعة تسقط كلمة تقول كم أحبك ! دموعها ألف كلام يحبه لكن الزمن يعاكسهما ، لم يبارك زواجهما ؛ تمالك نفسه و تركها ككل مرة قائلا : سأخرج و لن أعود ، أترك لك المنزل بما فيه!! و تجيبه :“ خرجة بلا رجعة إن شاء الله “ إلى الجحيم ! ها ها ها المنزل بما فيه ، مافيه شيء“ فيه البعابع “ عرفت أني حين تزوجتك انتحرت !!.
خرج كاظما غضبه محبطا و حزينا قاصدا صديقه أحمد ,صديقه الباحت كان عازبا حر نفسه،و رغم أنه لايعلم في أي مجال هو باحت، كان في كل مرة يلتقي به يحدثه عن أسرار الحضارات السابقة و عن امور كان يجد متعة و سعادة في سماعها من روايات في علم الأركيولجيا أو علم الفلك بالرغم أنه كان لا يستوعب أكتر ما يرويه له إلا أنه كان يروح عنه و يستمتع برفقته التي تفك عنه جو الأزمات و مشاكله الأسرية لينسيه واقعه الصعب ، لقد كان أحمد له اخا و صديقا صداقة نادرة صافية و نظيفة و كتيرا ما خفف عنه أيضا من أزمته المادية ، إذ كان يتفهم كل مشاكله مع زوجته و فهم أن علاقته معها على وشك الإنهيار! لكن هذه المرة رأى صديقه شارد الذهن لا يهتم أو يبالي لما يقوله ، في حالة تفكير مستمر ، عرف أن أزمته اشتدت و إزداد الطين بلة ، فإقترح عليه فكرة مرافقته في رحلة و الخروج من المدينة ، و هي كما يشرح له فكرة يقترحها الكتير من الأخصائيين النفسيين في شؤون العلاقات الزوجية، فكرة الإبتعاد عن بعضهما لمدة معينة تعطيهم فرصة لمراجعة ذواتهم و إعادة حساباتهم و حتى تتبين أيضا لهما مكامن الأخطاء فتنجلي كل الغيوم التي تعكر صفو العلاقة و تعود المياه إلى مجاريها ، ثم إنه كعارف لقيمة هذه العلاقة بينهما من واجبه أن يفعل شيئا من أجله فلا مجال إذن للمزيد من التفكير الذي يبقي فقط على نفس الحال ، مؤكدا له أن الحل الوحيد هو ما يقترحه عليه الآن ، و هو ترك المنزل لبعض الأيام و الخروج معه في رحلة ستكون رحلة و مغامرة و فرصة لترتيب الأوراق ،- سترى !! ما كان على سمير إلا أن قبل دون تردد رغم أنهl يجهل الوجهة إلى أين! إلا أنه وافق .
موافقته المبدئية كانت مرتبطة أساسا بحالته النفسية ، فسأله فقط عن الموعد ، و متى تكون الرحلة!؟ فكان من أحمد أن فاجأه بسرعة الجواب باللحظة ذاتها :الآن ! أو إذا كنت تريد أن تأخذ شيئا معك من أغراضك ، إذهب و اخلد قليلا للنوم و غدا باكرا ننطلق ، سنشد الرحال بعيدا من هنا، و ستكون رحلة متميزة معك ، سترى كيف ستعود إلى ذاتك ، تنسى كل همومك و ترجع بدم و نفس جديدين ، ستميز بعدها الأخطاء و تحدد لك الأولويات و تتخذ أفضل القرارات ! ستكون رحلتنا غدا؛عاد سمير تلك الليلة إلى بيته ، وجد زوجته نائمة ، فتح الدلاب و بدء يجمع بعض من أغراضه و يضعها في حقيبة صغيرة ، تم إنتهى و نام ، عند الصباح الباكر ، وقبل أن يغادر بيته ترك لزوجته رسالة تقول أنه سيغيب بعضا من الوقت في إطار مهمة عمل مع أحد أصدقائه تم طلب منها أن تذهب إلى بيت والديها إن هي أرادت فربما ستطول غيبته ! خرج سمير وجد صديقه أحمد ينتظره داخل سيارته الرباعية الدفع بوجهه المبتسم المعتاد ، حياه أحمد مشيرا له بالصعود فقد تأخرا قليلا ، يجب أن يكونا في الطريق قبل طلوع الشمس ، فهو لا يحب أن تواجهه الشمس في بداية الطريق ، ويجب أن يتفادى شروقها الساطع أمام السيارة في بداية الطريق ! صعد سمير ، و سأله عن الوجهة ! بنظرات متميزة إبتسم أحمد و إنطلق و هو يقول له : ستعرف بنفسك بعد حين ! عند مخرج المدينة توقف أحمد في أول محطة وقود ، ملء خزان السيارة بالبنزين ، تم ملئ أيضا بعض الحاويات بالبنزين ، و ملء اخرى بالماء، و تفقد بعض الأشياء الخاصة بالسيارة، تم ركب و إنطلق بالسيارة في إتجاه الجنوب ، كان هذا كافيا ليجيب سمير على أن الرحلة ستكون طويلة في إتجاه الصحراء ، وضع أحمد إحدى أشرطة الأغاني المفضلة لديه من أغاني تراث الهنود الحمر من موسقى الكانتري ، و هو يقول: أنا قادم إليك و صديقي يا صحراء يا حبيبتي! ستجد د خلاياك يا سمير في عمق الصحراء ، و ستتغير أفكارك ، سترى يا صديقي ! سترى !! ، و سنكتشف أنفسنا من جديد ، إن لم نولد ! و هو يضحك !!.
كان الجو و الطريق في بدايتهما جميلين ! حتى أن طلوع الشمس الساطع المقابل للطريق تفاداه ، كل شيء يدل على أن المغامرة ستكون رائعة ، إستمتعا داك الصباح كتيرا بالمناظر الجانبية على طول الطريق و على أنغام الكانتري تهيئ لسمير أنه في إحدى القارات الأمريكية من عصر الإكتشافات ! و كان من حين لاخر يتبادلان القيادة عند دخولهما خط الطريق الصحراوي، كان طوله المسترسل يذهل وسط كم هائل من الرمال الذهبية و مساحات شاسعة من الفضاء الواسع إذ لا تجد في رؤية العين نهاية ، و إحساس رهيب بالوقت يعطي إحساس أنك في مكانك لا تتحرك رغم سرعة السيارة ، منظر واحد متميز لا منتهي . صارا على هذا النحو تقريبا يوما بكامله دون أدنى مشكل ، لا تقني أو طبيعي ، حتى حدود العاشرة مساءا، حين قرر أحمد التوقف في إحدى الأماكن الطبيعية الساحرة ، تجمع بين لمعان السماء بنجومها إذ تبدو كل النجوم قريبة وسعة الأرض الجرداء بكتبانها الذهبية يعطي المكان الإحساس بالذات و إحساس بأن لا أحد فيه غيرهما .و هو كذلك مع صوت هبوب ريح ينثر حبات رمل من هنا و هنا تلمس أقدامهما !
-سنقيم هنا الليلة ! قال أحمد و هو ينظر إلى جهاز gps داخل السيارة، تم وجه نظره إلى السماء مشيرا بأصبعه إلى إحدى النجوم : أنظر هناك ! تلك هي النجمة القطبية ! أنظر هناك! أترى داك المتلت الصغير، هي هناك! أمامك مباشرة، تلك هي عربات سيدنا سليمان الصغيرة و الكبيرة هناك ، إذا تمعنت النظر في خطوط إلتقاء النجوم سترسم عربة ، إنظر هناك عربة كبيرة و اخرى صغيرة ! أ تراهما ؟ و تلك النجمة بها يمكن أن تجد طريقك في الصحراء إن وجدت نفسك تائهة في أي مكان على هذه البسيطة و بدون بوصلة ! فهي تعني الإتجاه نحو الشمال…؛ هكذا وكلما تحدت أحمد إزداد سمير إعجابا بصديقه بمعرفته الكبيرة و إلمامه بتلك النجوم فوق رأسه و هو ابن المدينة الذي لم تتاح له الفرصة لرؤية هذا الفضاء الواسع، شيء جديد يستمتع به لأول مرة برفقة صديق يصور له المجال بكل وضوح ، فهو مع شخص لايمكن إلا أن تحلو معه المغامرة ، و لايمكن أبدا معه أن تشعر بالضجر أو القلق بل هو شخصية ضرورية في نجاح أي رحلة ! إلى جانب الإحساس بالأمان معه ، كأنه قبطان سفينة في الصحراء ربما هذا راجع لسفرياته المتعددة ؛ حديتهما تلك الليلة دار جله حول النجوم و تغيير مساراتها ، و تعريف بعضها ، كان سمير يسأل و أحمد يجيب ، و أكتر مامتعهما تلك النيازك و ما أكثرها ، فهم سمير لمادا إختار أحمد هذا المكان بالضبط ، لا لشيء إلا من أجل التمتع بمنظر سقوط النجوم الطائرة أو النجوم الرماية التي تشع في سقوطها كشهب إصطناعية ، و في انبهار يراها تسقط أمام أعينهما أو حتى قريبة جدا من رؤوسهما ، حتى أن سمير قرر أن يذهب ليبحت عن إحداها سقطت قريبة منهما ، ضحك أحمد بسخرية الصديق و هو يقول له : – يا سمير ! لو ذهبت لترى أين سقطت لتجلبها لتهت عن مكانك و لن تعرف العودة إلى هنا ! و سأضطر أن أبحت عنك و أنا متعب !تظن أنها سقطت قريبة لكن هي على بعد مسافات بعيدة من هنا ، ذلك لأننا على إرتفاع صفر عن سطح البحر! فهذا هو أقرب مكان „تقبل“ فيه السماء الأرض ، تم غير له مسار نظره نحو إحدى النجمات اللامعة ، فيها ضوء خافت و تلمع بشكل مختلف ، و تارة تختفي كأن أنوارها انطفأت أنظر إلى هذه : ليس كل ما يلمع في السماء نجوم !! يهيئ لنا أنها من النجوم لكن هي فقط مصطنعة من أدوات الإنسان !قمر إصطناعي يستحوذ على الطبيعة ! إستمر حديثهما تلك الليلة هكذا ؛ أحمد يعتبر الصحراء حبيبته ، و يربطها بموسيقى الكانتري التي يستمع إليها كتيرا ، و التي تنسجم مع جمال الأرض الخلابة البكر، تم ناما حتى الصباح ! ·
====
في صباح اليوم الموالي إنطلاقا مجددا على أنغام الموسيقى ، لم ينتبه سمير إلى المسار الذي سلكه أحمد بعد ذلك ، إذ لم يعد طريقهما على الخط الصحراوي ، حتى علقت إحدى عجلات السيارة داخل الرمل ، توغلت فتوقفت السيارة بعد أن انحصرت إحدى عجلاتها ،استفسر سميرعن سبب تغيير أحمد للطريق ، ولماذا خرج عن الطريق الرئيسي الذي كان يبدو آمنا للسيارة و خاليا من العوالق !؟ فأجابه بأنها أيضا طريق و هي قديمة جدا و من أقدم الخطوط التجارية في عهد سابق ، حيت كانت تسلكها القوافل التجارية القادمة من بلاد السند و الهند أو متجهة إلى تامبكتو و منها إلى الموانئ في شمال و غرب إفريقيا ! كانت أغلبها تحمل الحرير أو التبر و ما إلى ذلك من منتوجات تقايض بها سلعا اخرى من شمال إفريقيا كالملح و السكر ! و هي اليوم طريق يسلكها المهربون و قطاع الطرق، هو يضحك كعادته ! نزلا من السيارة و بدءا يحاولان فك إطار العجلة المتوغل في الرمل ، و بعد جهد جهيد إستغرق زهاء الساعتين أو أكتر أخيرا تمكنت السيارة من الخروج ، لكن أحمد بدا قلقا من حيت الجهد الذي بدله المحرك إذ إنتبه إلى ظهور علامات ضوء أحمر داخل سبورة القيادة و تلك علامات لا يحبذها فبدا متوترا على غير عادته ، فهي دليل نقص كبير في زيت المحرك ، نزل مجددا من سيارته ليراقب الأمر ، فوجد أن هناك تسرب كبير للزيت نتيجة إحدى التقوب في علبتها ، انتفض غاضبا و هو يضرب برجله على العجلة الملعونة التي أوقعتهم في هذا المشكل !
جلسا قرابة الساعة ريتما يستريح المحرك ، و هما أيضا ، تم أخرج إحدى الخرائط من جيبيه و هو ينظر إلى جهازه داخل السيارة ، معتمدا على تحريك الخريطة بشكل دائري إلى يده اليسرى و في يده اليمنى قلم يحدد به موقعهما في الخريطة تم إلتف نحو سمير ليريه موقعهما بالضبط على الخريطة و هو يقول : حسنا ، نحن نتواجد هنا ، في عمق الصحراء و أقرب نقطة حياة إلينا تبعد شمالا ب ١٨٠ كلم، و جنوبا ٦٠ كلم و غربا نحو البحر ٣٥ كلم ، لكن إذا سرنا في إتجاه الشرق هناك نقطة حياة على مسافة ١٨ كلم !! ركبا و إنطلقا مجددا ، لكن هذه المرة و بعد كيلومترين بدا يصعد دخان من داخل السيارة يظهر أمامهما ، عرف أحمد أن هذه المرة توقفت السيارة نهائيا ، و عليهما إكمال الطريق مشيا ، إذ لا جدوى في الإنتظار بحكم خروجهما عن الطريق الرئيسي ، نعم يجب إكمال المغامرة ، طمأن بنظراته صديقه و هو يقول له إنه يحفض الصحراء عن ضهر قلب فهي بمتابة حبه الأبدي ، و يزيد : ماعلينا سوى أن نأخذ الأشياء المهمة معنا و أولها الماء ، نحن لا نبعد الآن سوى كيلومترات قليلة عن إحدى الواحات المعروفة ، و من هناك سنستعين بالمساعدة.
====
كانت الشمس تميل إلى المغيب ، بين العصر و المغرب حين بدءا يسيران نحو المجهول ، في خطاهما عزيمة الوصول إلى أقرب مكان يستريحا فيه ،ثقة سمير في صديقه كانت لا حدود لها ، كذلك أحمد أظهر له أنه القائد البارع ، و هو يدله بين الفينة و الأخرى عن إلمامه الكبير بالحسابات الفلكية و الخرائط الطبوغرافية ، و معرفته الواسعة لكل الإتجاهات و بدون دليل أو بوصلة معتمدا فقط في سيره على تتبع حركية النجوم ، كما أن في أحمد الإنسان الذكي و المشجع النفسي للمعنويات النازلة إذ كل مرة يرى أن العياء و التعب بدا على سمير إلا و يأخذ بيده و يشجعه بكلام العارف حتى يغير تفكيره ، فيرصد له إحدى النجمات لينسيه التعب و مشقة المشي فوق الكثبان ناصحا إياه كذلك في الإنتباه أين يضع قدمه! ، و توخي الحذر من حشرات و زواحف الصحراء فكل شيء فيها سام ، طبيعة قاسية لابد أن تفرز أيضا كائنات قاسية تنبيهه هذا، حتى لا يقع ضحيتها بلسعة من عقرب أو أفعى ! لكن تلك الليلة كانت مقمرة ، بدا القمر مطلا عليهما ساطعا كأنه يرحب بهما في الفيافي القفار ، لم يعد سمير و هو بن المدينة خلقا و نشأة و ترعرعا، لم يعد له جهد أكتر على السير بالرغم من تشجيع أحمد له ، فتوقف مرارا ،هذه المرة ليشرب مما تبقى لهما من ماء، تم بدأ أحمد يحدق في السماء من جديد ، و كأنه يتساءل ، شاردا بعقله ينظر تارة إلى اليمين و تارة إلى الشمال ، و يتمتم: أين هي ؟ أين ؟ إستفسره سمير عن الموضوع ، قائلا : لا تقل لي قد تهنا !!؟ فأجابه أحمد : يجب أن تكون هنا على مسافة غير بعيدة ! لابد أن تكون هنا حتما !! و سمير لا زال لم يفهم ما يقوله صديقه ، لم يفهم عن مادا يبحت ، و هو يشير له أنظر إلى تلك النجمة هناك بينها و بين القمر في إتجاه البحر ! لم يفهم عن مادا يبحت أحمد بالضبط ، لكن طمأنه ، لم يبق الكتير إجمع قوتك سنأخذ هذا الإتجاه، و هو عكس الطريق الذي أخذوه لما تركا السيارة ، يتساءل سمير من جديد و علامات العياء عليه ، هل ضعنا الطريق يا أحمد ؟ بدا أحمد أكتر حازما و وتوقا مطمئنا إياه ! اتبعني و كفى!! ستصل !! و مشيا بعدها على هذا النحو يمينا تم يسارا تارة يتركان القمر ورائهما و تارة يبدو أمامهما ، توقف سمير و قال له : نحن نسير في متاهة و مسارنا فارغ ، أنظر أيها العارف كيف يصبح القمر مرة أمام و مرة خلف !! لن أمشي خطوة واحدة !!
أجابه أحمد : لا تكن بليدا ، لا تنخدع إنه فقط توهيم ! تق بي ،أنا أتبع تلك النجمة هناك فهي في موقع تابت و هي دليلي !! بدأ سمير يحدق في إتجاه اشارة أحمد إلى النجمة و لم يراها ، لم يعد يميز بين النجوم، فقد التركيز في الرؤية ، أصبحت كل النجوم متشابهة له، لا يهم مادام أنه واتق من عزيمة و إصرار صديقه للوصول إلى بر الأمان؛ في تلك اللحظة أحس سمير و هو يرى نفسه و يرى الطبيعة من حوله و رغم العياء ، شيء بداخله يقول له لاتيأس إستمر !شيء بداخله يحدثه عن قصته ، و كم أن كل قصص الإنسان مهما كانت فهي لاشيء أمام هذا الكون !و كم أن الإنسان يبقى ضعيف في وسطه ، إنه عظيم ، و عظمته تدل على صانعه و باعثه ، و كل شيء فيه يوحي للإنسان بضعفه بقدر ما يوحي له بقوة خالقه و عظمته في خلقه !.
تابعا الصديقين المشي ، و زاد تعبهما ، كما أن الليل كان باردا جدا إلى درجة أنهما لم يعودا يشعران بأناملهما ، ليالي الصحراء باردة بقدر ما هي حارة نهارا كان الوقت يقترب من الفجر و لم يعد يريا القمر، إلى أن إنتبه سمير إلى نويرة تلوح من بعيد ، إعتقد أنها القمر في مغيب ، و ما كاد أن يحدت أحمد عنها ، حتى انتفض أحمد قائلا ؛ لقد وصلنا و اخيرا إنه المكان ، هذا ضوء إنسان ، إتجها نحو ذلك النور.. ، فوجدا عجوزا جالسا بمقربة من موقد نار عليه إبريق، كأنه ينتظرهما ، قدم لهما من المشروب الساخن و هو يقول : أهلا و
مرحبا أيها الغريبين ، لاشك أن طريقكما كانت شاقة ، إجلسا و إرتاحا إشربا !! فهدا سيطفئ عطشكما !!, جلسا و هما لا قدرة لهما على الإجابة حتى و لا حتى قول السلام ،
بدءا يشربان ماقدمه لهما ، استرسل العجوز في كلامه : لقد طال إنتظاركما ، وقد كنت على وشك الذهاب!.
لم يفهما قول العجوز ، تم غفت عين سمير وهو يرى أحمد ينام كذلك ، فناما.. تم استفاقا بعد ذلك وجدا أنفسهما أمام باب ضخم يأدي إلى مدخل قصر كبير لم يريا متله في أي مكان !
كان الباب مفتوحا و بدا مذهولين ، ترددا في الدخول أولا تم دخلا ، عزم أحمد على الدخول في الأول تم تبعه سمير ، دخلا قاعة واسعة محاطة بأبواب كتيرة في كل إتجاه ، إقترب منهما رجل بزي لم يريا متله من قبل كذلك ، رحب بهما و هو يقول : أخيرا ، لقد طال انتظاركما !أيها الغريبين المنقذين ، نحن هنا ننتظركما من آلاف السنين؛ لم يفهما أي شيء مما يقوله ! إلا أنه سارع بقوله : لكن قبل هذا يجب أن تستحما و ترتاحا أولا ، يجب أن تزيلا عنكما عناء السفر ، قبل الحديت معكما عن سر هذا القصر، فأخذهما نحو إحدى الأبواب التي تطل على قاعة فسيحة تتوسطها بركة من ماء يصعد منه البخار ، محاطة بنوافذ زجاجية كبيرة تطل على حدائق بها كل أشكال الزهور و تنبعت منها رائحة عطور أخذهما عبقها مع جو القاعة الدافئ إلى عالم لا يوجد إلا في الأحلام ، دخلا وسط الماء المعتدل يستحمان إلى أن أحسا بقوتهما من جديد و إستعادة نشاطهما و حيويتهما ، جاءهما بعد ذلك حاجب القصر بملابس بهية ، تم طلب منهما أن يتبعانه ، أدخلهما قاعة أخرى كبيرة ، تتوسطها مائدة فيها من كل أشكال الأكل و الشرب ، و فرقة موسيقية في أقصى القاعة تعزف مقطوعات من ألحان لم يسمعا أجمل منها من قبل ، جلسا و أكلا ، تم بعدها استأذنهما الحاجب في أن يتبعاه ،صعدا في درج كبير ، تم سارا في ممر طويل حتى باب غرفة، فطلب منهما الدخول ، على باب الغرفة كان هناك حارسين بزي من حضارة من الحضارات القديمة ، دخلا فوجدا داخلها فتيات بزي كالوصيفات و في أقصى الغرفة باب يؤدي إلى غرفة نوم كبيرة ، و هناك وجدا أيضا حارستين بزي نسائي و اخريات ، دخلا ، فإذا ا بالشيخ العجوز الذي كان قد وجداه في الصحراء أمام الموقد يرحب بهما من جديد ، في كلمة واحدة قالا: أنت !!
كيف وصلنا إلى هنا و من تكون ؟
إبتسم لهما و قال: أنا حكيم هذا القصر ، و قد أصبحت حارسه هناك حين إلتقينا و أنا هنا أحرس المكان منذ آلاف السنين و أنتظركما أيها الغريبين ، أنتما سرفك لغز هذا المكان و فك سحر ملكتنا مشيرا إلى سريرها في داخل الغرفة و هو كأحد أسرة ألف ليلة و ليلة ، ! طالبا منهما الإقتراب أكتر لينتبها إلى إمرأة جميلة نائمة فيه ، و هو يقول لهما : إنها ملكتنا ، سيدة هذا القصر و نوره ، أصابها ما أصابها من سحر المارد و لعنته فقد أصبحت هكذا لا تستيقظ إلا حين يأتي ! و قد سحرها عندما رفضته و رفضت أن تكون له ، فقرر الإنتقام منها هكذا !فبقدر حبه لها لم يرد قتلها فتمكن من إدخالها في حالة نوم دائم ، تستيقظ فقط حين يأتي !و قد قتل جميع الأطباء و الحكماء حتى لا يجدوا لها وصفات دواء ، إلا أنا فأني تمكنت من الخروج خارج زمنه بعد أن عرفت سر خروجها من سباتها العميق و طريقة القضاء على المارد أيضا ! و قد وجدت في كتاب الحكمة عندنا ما يدل على وجود غريبين من زمن المستقبل سيحررانها من قبضة المارد و يقضيان عليه أيضا ، و عندهما من كتاب الله ما يفك سحرها و ينهي تأثيره ، ما عليكما إلا ترديد آيات من ذكر الله على مسامعها !
بدا الصديقين متعجبين ، في ذهول و كأنهما في حلم ، لكنهما بدا يذكران من القرآن الكريم و يتلوان بعضا من الآيات التي يحفظانها ، بدءا من الفاتحة فالمعوذتين ، إقتربا منها أكتر و بدءا يتلوان كل ما حفظاه على أدان الملكة ، حتى أن سمير بدء يتلو و يجود ، و لم ينقطعا عن ذكر الله حتى استفاقت الملكة .
و بدا محيا الفرحة على وجه الشيخ الحكيم و هو يهتف : لقد عادت إلينا ملكتنا ، لقد عادت !لم تكد تستيقظ الملكة نهضت و إقتربت منهما ، و شكرتهما ، حتى بدأت تشعر بضجر في رأسها ، فبدأت تقول: لقد استشعر حضوركما إنه قادم!! إقترب الحكيم منهما و قال : أكملا جميلكما أيها الغريبين فبنفس الطريقة التي أعدتما فيها ملكتنا إلينا ، ستقضيان بها على هذا المارد و هناك في كتاب الله ما يرد في ذلك لإبعاد الشر، و كل الأرواح الشريرة ، ، تذكر سميرآية الكرسي ، و أحمد بدأ يتلو سورة الواقعة و سورة الرحمن ! و هما يتلوان و يرددان الآيات مرات و مرات بصوت مرتفع و مسترسل ، حتى بدءا يشعران بجدران القصر تهتز بفعل خطوات المارد الكبيرة ، و هو يطأ برجله على الأرض فتحدت إهتزازا في كل جانب كأنها جبال تسقط على الأرض ، تم ما لبتا أن سمعا صرخة كالرعد ، فإنفجار كبير كالصاعقة مصحوب بدخان كثيف يعم المكان برائحة الكبريت ! لم يتوقفا عن ذكر الله و تلاوة آياته حتى عم هدوء ، و عادت السكينة إلى المكان , بعدها يصرخ الحكيم فرحة : لقد إنتهى المارد أيتها الملكة ، لقد حررك الغريبين ، انتصرنا !
هكذا و بعد أن إستطاعا أن يفكا أسر الملكة و يقضيان على المارد ، عمت الفرحة و السعادة كافة أرجاء القصر، و بدت مظاهر الإحتفال بهذا الحدت، رحبت الملكة بالبطلين المنقذين ، اقتربت من سمير وهي ممتنة و طلبت منه أن يتزوجها ! تفاجئ بهذا الطلب و دون تردد بادر مستعطفا إياها و هو يقول: إنه لشرف عظيم لي سيدتي أن أحظى بك زوجة لكني متزوج و أحب كتيرا زوجتي فهي كل ما املك في هذا الوجود؛ أعجبت الملكة و سرت لهذا الجواب الذي يعبرعن روح الإخلاص و الوفاء عند سمير ، فقدمت له سوارا من ألماس قائلة له : يا لحظها بك و هذه هديتي مني إليها ! تم أعطته أيضا قلادة من الذهب الخالص و بها زمردة لا تضاهى بتمن ، و هي تقول له : و هذه لك أيضا و هي كفيلة بأن تجعلك من أغنى أغنياء زمانك ، أنت إنسان جميل تستحق كل الخير؛ شكرها سمير بكلمات لا تكاد تخرج إلا بصعوبة من فمه بكترة الفرحة و هو غير قادر كيف يعبر أكتر ، تم إتجهت الملكة صوب أحمد مبتسمة تقول له : لا تقل لي أنك متزوج أيضا!؟و أنك تحب زوجتك ! فلو كان كذلك لما استيقضت من سباتي و لما انفك السحر !فكتاب الحكمة عندنا يروي سر إختياركما و هو إختيار الخيرl للقضاء على الشر ، يتمتل في قلبيكما الصافي و صداقتكما النادرة و هي وتاق أكتر من الأخوة ، كلاكما يحب الخير لأخيه ، أحدهما متزوج و آخر يبحت عن الإستقرار ، يعشق الصحراء و هاهي ملكتها بين يديه ، تطلبه لزواج و يصبح رفيق عمرها هنا ، لن أقدم لك هدايا فكل القصر ملكك و أنا أيضا !! بدا على ملامح أحمد فرحة لم يقدر على إخفائها ، فهو دائما كان يرسم فتاة أحلامه في صورتها ، نعم، إنها هي أميرة أحلامه التي كان دائما يحلم بها فعلا !! كل شيء يدل على موافقته ، فرد عليها و هو لا يتمالك نفسه : شرف عظيم سيدتي أن تكوني زوجتي ، فأنا دائما كنت أحلم بهذا اليوم الذي أجد فيه ملكة قلبي و إني إن لم أتزوج إلى اليوم فذلك لأني كنت أشعر بلقياك يوما ! فأنت منذ الان تاج قلبي!. هنأهما سمير بهذه المناسبة ، و الفرحة أصبحت أفراحا ؛ سمير كان مستعجلا العودة إلى منزله ، لكن الملكة و أحمد طلبا منه المكوث لبضع أيام أخر حتى يحضر زفافهما ، و كانت أن عمت إحتفالات رائعة و حين إقترب موعد رجوعه، أبلغت الملكة الحكيم بأن يعيده إلى الواحة و من تم يدله على الطريق !!
ودع سمير صديقه أحمد متمنيا له السعادة الزوجية مع زوجته الملكة، صعد إلى غرفة النوم مقررا العودة إلى منزله في الصباح ، تم نام نوما عميقا؛ لم يشعر إلا و هو يفتح عينيه على أقدام و نعال و حديت بدو مع صوت إبل فوق رأسه ، سكب عليه أحدهم بضع قطرات ماء من قربة في يده ، و هو يقول له: على رسلك ، حمدا لله على سلامتك أيها الغريب !! تم استشعر أيادي عدة تمتد إلى جسده و تحمله إلى أعلى حتى وضعته على مكان رطب أغلب الظن ظهر جمل ! فغاب عن الوعي من جديد ، تم بدء يفتح عينيه بصعوبة كبيرة ، ليسمع صوتا مألوفا لديه و كم إشتاق له : ألا زلت غاضبا مني حبيبي !“ ماتفيقش زاعما لولادك “ !لقد أخفتنا عنك ، نعم إنها سامية زوجته ، و هي تبتسم و الدموع بعينيها .
قال بصعوبة : أين أنا ؟ أجابته: لقد نمت اسبوعا بأكمله هنا أتريد أن تكمل حياتك نوما في المستشفى !! كفى و عد إني أحتاج لك !!
تم بدء يسأل عن أغراضه ، و هل وجدوا أشياء معه ، أين السوار ؟ هديتك من الملكة ! و القلادة ؟… لقد تركت أحمد هناك ، تزوج الملكة… !! أراد النهوض منفعلا تم سقط ، نادت زوجته على الطبيبة من جديد ، فطمأنتها عن صحته و إنه فقط يهدي بسبب مفعول التخدير و العلاج ، و أن حالته سوف تستقر بعد أيام !. مر على مكوثه في المستشفى اسبوعين و في كل مرة تزوره زوجته تجده شاردا ، يبتسم لها و لا يتكلم ، و هو يفكر فيما وقع له من احدات ، إلى أن جاء يوم خروجه من المشفى إنتبه إلى وجود باقة زهور قريبة منه و تفوح منها رائحة زكية ، عطرها ليس غريبا عنه أعادته إلى يوم دخوله بركة القصر حيت هي بنفس ذلك العطر الذي كان يفوح منها !
و إمتدت يده إلى الباقة و سأل عن مرسلها ، لتجيبه زوجته : ليست الباقة الوحيدة التي ترسل إليك ، فكل يوم كانت تأتيك نفس الزهور بنفس الباقة ، وكانت تطلب الطبيبة إخراجها قبل أن تستيقظ لقوة عطرها ، إلا هاته تركتها لك اليوم لأنك ستخرج ، تم تركت لك أيضا هذه العلبة كانت في المحجوزات الخاصة بك لم تعرف مرسلها ! فتحها و إزداد العطر قوة ، وجد السوار و القلادة و فوقهما ورقة مكتوب عليها بخط يعرفه :{ ليبقى هذا سر بيننا ! مع متمنياتي لك بالسعادة يا أجمل إنسان .
القصر (قصة)
شارك هذه المقالة
اترك تعليقا
اترك تعليقا