في آخر الطريق
كانت تجلس هناك بعيداً في الحديقة الكبيرة ,المليئة بالأشجار الكثيرة الجميلة غير المثمرة و كذلك أشجار الزينة , هي أشجار منتظمة في صفوف طولية و عريضة و أخرى دائرية مشذبة بعناية فائقة , يتخللها أحوض من الزهور لكل حوض فيه نوعه الخاص به من الزهور , التي كانت تتفتح بأنتظام و تنشر رائحتها بأنتظام طوال مواسم السنة الأربع بحيث كل يوم و كل فصل تشتم رائحة من نوع و جنس مختلف ومن تلك الزهور الجميلة اليانعة . لَم يكن أحد يأتي هنا إلا نادراً , عند الأحواض توجد سواقي صغيرة متصلة بمجاري مياه عذبه لتروي الأحواض بطريقة هندسية بارعة خطط لها برسم ممتاز تظهر الجمال الفني لها أكثر.
العطور الذكية المنبعثة من هذه الزهور مستمرة على مدار السنة كل فصل تميزه رائحة زهوره.
هناك كهوف مشيدة بالفن الهندسي ليست طبيعيةو لكن تعيش فيها الحيوانات و أخرة للطيور و كذلك كهوف تتراكم عليها أسراب النحل الذى يعيش في أنتظام, كل هذا لا يعطيك إلا إيحاء بالنظام و الأنتظام . لا شيء غيرهما شعرت حينها بجمال مُمل , رجعت مرة أخرة لمن كانت تجلس هناك تلك السيدة العجوز التي تشبه كثيرة هذه الحديقة في النظام و الهندام و التوقيت كيف ؟
سوف أقص عليك ما رايت طوال فترة عملي هنا؛
هذه السيدة التي تجاوزت السبعين و لَم ينحني ظهرها و شعرهاالأبيض ينسدل كأنه نهر جارى بدون تشابك أو تعقيد حال كل العجائز بحكم تقدم العمر , جبين عريض بأستدارة مُحكمة و أنف دقيق بارز بزاوية حادة ,
الهامة منتظمة و عيون ثابتة بحركة منتظمة و مشيتها كضابط حربية محترف دون أنكسار دون تعرج .
و ترتدي زيها بأناقة و نظام الخريفي في فصل الخريف في موعده بالتمام علي حسب التقويم بالضبط و هكذا كل الفصول تستطيع أن تضبط ساعتك و تقويمك معها .
كان زيها أيضا متناسق الفستان مثل الحذاء مثل حقيبة اليد نفس الأسلوب و الطراز و اللون رغم قدم الموديلات التي كانت ترتديه هذه السيدة, إلا أنها ترتدي أرقي و أعرق و أفخر الثياب , أن لَم أخطئ فيبدو أنها من بيوت أزياء باريس كعادتها .
كل شيء منظم و منسجم و كل من يراه لم يدرك أنها أول مرة ترتديه على أحدث موديلات العصر .
على الرغم من أن هذه الموديلات جميعا تصنف من موديلات أربعينات القرن الماضي و لون زيها كله أسود إلا القفازات كانت بيضاء .
تجلس على الأريكة جلسة منتظمة لا حراك لا يمين و لا يسار تنظر صوب الشمال إلى أعلى و كل ما تطلبه هو فنجان قهوة سادة بموصفات معينة أنا من أقوم بأعداده كل يوم ورثت هذه الوظيفة عن والدي الذي كان يقدم نفس الفنجان , هذا هو سبب تعيني في هذه الحديقة جئت خصيصاً لأجل هذه الصنعة.
كل ما فيه كان يلمع عيونها شعرها بشرتها حتى زيها فستانها حقيبتها و حذاءها كل شيء له بريق و لمعان يفوق الجمال .
من هي تلك العجوز التي تشبه التمثال الذي لا يتحرك أبداً إلا عندما تأتي صباحاً وعندما ترحل عند غروب الشمس , كان اليوم أواخر الخريف و كانت أوراق الشجر العتيق تتساقط على أكتاف هذه السيدة العجوز و هي لا تهمس أبداً و لا تتحرك و تأتي موجات هواء منعش غير معتادة في فصل الخريف تداعب زهور الأحواض المنتشرة في كل مكان تنشر روائحها الذكية في كل مكان و تدب الروح في كل الكون و الطبيعة و ينبض القلب بحيوية أكثر و تتجدد الحياة هنا فقط .
يخبرني مجهول أتعرف سر هذه العجوز؟
أبداً لا
أَريد أن أعرف سر من أسرار هذه العجوز القابعة هناك؟
عبثاً كانت محاولاتي كان كل شيء يخص هذه السيدة مجهول تماماً أشبه بأسرار قدماء المصريين . في أسرارهم و قصصهم و حضارتهم , كذلك هذه العجوز التي لا يعرف عنها شيء في هذه الحديقة الملكية الأزلية. من يجرؤ ليتقدم ويعرف من هذه السيدة تكون؟ لماذا أختارت هذا المكان الأصيل الذى يرفض التغير رغم أنها في كل شيء تدل على النمو و التطور و الرقي , لَم أتمالك نفسي أريد أن أعرف سرها نعم أعرف سر هذا التمثال معذرة أعرف سر التمثال الذي يسكن داخل هذه السيدة و أطلب منها معرفة أسرارها أذا رغبت.
و لكن أعدكم يوماً سوف أقتحم أسوار هذا السد العتيق المنيع و أُخرج خزائن الأسرار و أبوح لكم به مهما أن قابلتني صعوبات و موانع و ضيقات أريدكم معى حتي أفوز بأسرارها و نحطم أسوار الجهل و التخلف و التداني و الرجعية و أصحاب الحناجرة الكاذبة و المضلله و أهل الشر و الفتن . كي أكون أول من يفوز بكنزِ سيدة الحديقة .
و أرتجت الحديقة و ضاعت منى أوراقي و أفكاري وتشتت كل خططي و لا أعرف كيف أصل؟
الاسم / سامح ادور سعدالله -مصر