التهديد : قصة قصيرة
سارعا إلى الجلوس ، في سيارة الأجرة التي طال انتظارهما لها ، يطيل السائق النظر إليهما بريبة ، يحاولان تجاهل نظرات الاتهام الموجهة ، يتطلعان من خلال النافذة ، سيارات مسرعة تمرق من الشارع المزدحم ، أشخاص يهرولون ، موت مفجع يهيمن…
– إلى أين ؟
– شارع الجندي المجهول
– وماذا تفعلان في هذا الوقت المتأخر ؟
يتجاهلان فضولية السؤال ، ويتظاهران بالنظر إلى الشوارع التي بدأت تخلو من روادها ، ، وقد جعلتهما نظرات السائق المتهمة المستطلعة ، يرتعدان خوفا من مصيرهما الغامض ، نصحهما المعارف الا يخرجا في هذه الأيام التي تكثر فيها الحوادث ، يشتد القتل ، وتتساقط النفوس ، وتكثر الجثامين المجهولة ،دون ان يجرؤ احد على التوقف لإماطة اللثام عن الألغاز التي تحفر بشدة بأعماق النفوس
– ماذا تفعلان في وقت متأخر ؟ ألا تخشيان من لصوص وقتلة يمرون…
يمضها رعب متفاقم ، تجاهد لتخفي معالمه على محياها ، تتجاهل السؤال
– هل أنتما أخرسان ؟
يسارع زوجها إلى الجواب :
– نزور بعض الأقارب
– من هم ؟
– بعض الأقرباء
– اذكر لي أسماءهم
– أنت لا تعرفهم
– كيف ؟ أعرف كل قاطني شارع الجندي المجهول ، كل الجنود المجهولين أعرف أسماءهم وصفاتهم لرابع جد ، الأحياء منهم ، ومن سوف تغتاله رصاصات طائشة ، أو يفجره حزام ناسف…
– …….
– لا تصمتا …. قولا لي من تزورانه في هذا الليل البهيم ، وكيف تجرؤان على الخروج بعد أن خلت المدن من سكانها ، وآوى الناس إلى جحورهم ؟؟
يغتال الخوف لسانها ، تتلعثم ،تنظر إلى زوجها ، تجده يحاول ألا يبدو خائفا لكن الرعب قد أنساه نطق الكلمات
– هل أنتما خائفان ؟
– لا
– كاذبان
– ……….
حوادث كثيرة جرت في الفترة الأخيرة ، أثارت الخوف في النفوس ، وجعلت الناس ينشدون الخلاص في ارض بعيدة ، وهما لم يستمعا إلى النصائح الكثيرة ، التي وجهها لهما الأحبة ، ظنا أنها مبالغة تريد تجنيبهما مزالق الطريق ومفاجآت لم يحسب لها المرء حساب في مثل هذه الأيام ، كل إنسان يجري وهو دائم الشك فيمن لا يعرف من البشر..
– سوف أقودكما إلى وادي الموت المرعب ، وألقي بلحومكما إلى الذئاب الجائعة ، وأطحن عظامكما لأجعلها بهارات نضيفها إلى اللحوم المشوية أو سمادا يحول تربتنا الميتة الى أخرى تكرم مواطنيها بغلاتها الطيبة ، وتجلب الخصب لأرضنا اليابسة ، هل سبق وان تناولتما كبابا مشويا، مشبعا بالتوابل الحارقة ،وفق آخر ما وصلت إليه المطابخ الحديثة؟ أخبراني الآن من تزورانه في هذا الجحيم ؟
جثث ملقاة على قارعة الطريق، تنتظر أهلها للذهاب بها إلى مثواها الأخير
السيارة تسرع ،تنهب الأرض ، تكاد لا تتعرف إلى معالم الطريق، السائق يواصل تهديده المنهمر
– عليكما اللعنة ، أطيعاني واذكرا لي أسماء من تزورانه هذه الليلة كي أحشركما معهم ، لا يصعب عليّ جعلكما تبوحان… أمس أرشدت مسلحا الى احد المنازل ليفجرها ، واليوم وضعت رسائل تهديد، أمام الأبواب لإخلاء البيوت من أصحابها ، وأنتما هل تفكران أنكما أيها الساذجان الوغدان ستكونان بمنجاة من يدي ؟
جثث ملقاة بإهمال ، أين المحبون ليقوموا بواجبهم بالاحتفال بمواراة أحبابهم تحت الثرى ؟ لماذا خلت السبل من المارين ؟ هل لهؤلاء المضطجعين على قارعة الطريف بلا اكتراث والدان وأحبة ؟ أين مضى الناس وقد أقفرت الروح من ينابيع الدفء، ويبست الأجساد من قطرات الدم ؟ وناح القلب وجفت الدموع ، من لهذه الجموع الثكلى من يد تضمد جراح النفس؟
تتراءى بداية الشارع المبتغى من بعيد ، يتسلحان ببعض الشجاعة التي بدت تعود إلى نفوسهما المجهدة ، هذه أشجار الشارع المقطعة والملقاة على الرصيف الذي تملؤه الحفر… يعود السائق إلى حديثه
– لن تنطلي عليّ ألاعيبكما الجهنمية، استطعت الكثير مما لا يقدر على فعله الشجعان، قدمت قرابين بشرية ،ممن كان أقوى منكما وأصعب مراسا..
تعود إليهما الطمأنينة المسلوبة منذ زمن، و تلوح النجاة واضحة المعالم
– هنا ، من فضلك
ينزلان مسرعين ويواصلان الرحلة سيرا على القدمين
صبيحة شبر