لمسةُ مساءٍ مزعجة ..
* رِحال الكلمات*
لندَعَ اللغةَ تدلي بشهادتها أولاً:
رحَلَ, يَرحَل، رَحيلاً وتَرْحالاً ورِحْلَةً، فهو راحِل، والمفعول مَرحول عنهُ
رَحَلَ عَنْ بَلَدِهِ : تَرَكَهُ, ورِحال مصدرُ رحَلَ , وهي : أمتعة المسافر وكلّ شيء يعدّ للسفر, والرَّحْلُ كلُّ شيء يعدُّ للرحيلِ من وعاءٍ للمتاع وغيره, وما يُوضَعُ على ظهر الدّوابّ للحَمْل أو الرّكوب .
وفي الذكر الحكيم:
{فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ}
وفي الحديث الشريف :
( لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ) و انه قال (” إِذَا قُلْتَ : أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ ، فَلَا تَقُلْ : حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ ، قُلْ : صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ “) البخاري ومسلم.
إذاً ..
الرِحالُ لاتعني سكناً مستقَرَّاً ولا بيتاً ولا داراً ولا منزلاً ولا مَقطَناً ولا مُقاماً ولا مَقاماً ولامثوىً ولا مأوىً ولا حتى موضعاً ولا موطئاً ولا ملجأً ولا مغاراتٍ ولا مدّخلاً ..
إذا ..
فكيف إنطلقت عبارة (صلُّوا في رحالكم) في أمّةٍ من المحيط الى الخليج؟!
ربما أنّ مُطلِقَها إرتكز في ذلكَ على نداءِ للصلاة أيام المطرِ في أولين طغت على لسانهم مفردات البداوة اللغوية حُبَّاً بها ولها, وهذا الأمر هو عندي هنا أشبه بأمر والدي رحمه الله إذ كان يسمّي السيارة (بغلاً ) على المعنى الجامع بينهما وهو: الركوب . ( أمر والدي ربما يُحتَمل لكن أمر مُطلِقِ هذه العبارة غير مستساغ البتة).
إذاً ..
الأفصحُ هوالأستعانة بمفردةٍ مما وردَ أعلاه تكون لجميلِ البيان أقفى و أشفى واكفى وأدفى وأحفى وأصفى وأوفى ؟ ولنعلمْ أن الله سبحانه وتعالى ماوَصَفَنا بأننا قوم نستوطنُ رِحالنا , بل مَنَّ علينا ببيوت سكنٍ
“وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ ۙ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَىٰ حِينٍ*وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ”
سبحانهُ ما قالَ : وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن (رِحالِكم) سَكَنًا.
رُبَما أنَّ العمامةَ التي أطلقتها ستخرجُ علينا بتصريحٍ مدوٍّ وسنا الزهدِ يشعُّ من عينيهِ : ” يابنيَّ , إنَّ الدنيا قافلةً وما دارُكَ فيها إلّا كرِحالٍ على ظهرِ ناقة”
وَيْ! بيتٌ كونكريتي وبملايين من الجنيهاتِ تطيق ناقةٌ حملهُ!
مجردُ لمسة مساءٍ مزعجة ليَ إن كنتُ في جهالتي أنعمُ , ومزعجةٌ لمُطلِقِها ذي العمامةِ ومن خلفهِ أمة مترامية الأطراف خاضت بتمامها معه في ذات خوضهِ.
والله أعلم.
همسات
الاستاذ علي الجنابي
بغداد