عصام علي علي خليفة
سؤال يجعل المرء يقف عنده منتظرا ، لا إجابته ، بقدر ما يجعله شاردا وفي قلبه بؤس الماضي وحسرة القادم ، يُمَني نفسه بافتراض حقيقة السؤال وواقعيته ؛ فيجعل عجلة الزمن تدور بدون مهل أو التقاط أنفاس ، وهو في مرورها غير عابئ بكل مُتَغير حدث للواقع من حوله ، لن أكون مبالغا أو مهولا حين أقرر بأنه غير عابئ بالمتغير الذي حل به ، فالشاب الذي كان لامعا في ريعان شبابه انطفأ وذبلت أحلامه ، أصبح بلا بريق ، تأمله الذي كان لا يتوقف لحظة كعقارب الساعة يدور حيث دار العالم ، في كل مشهد يخرج منه بحكاية جميلة بغض النظر عن نهايتها التراجيدية أو الكوميدية – بات انكفاء وانطواء على الذات وفي الذات ، حتى أن أحدهم يحرك لأجله كل مثيرات الدنيا وهو ساكن لا يلتفت ، ابتسامته التي كانت تملأ عوالم من حوله إشراقا وبعثا أمست وجها بدون ملامح !
حضوره كان ينافس الطبيعة ، فما خرج على قوم نهارا إلا وكان شمسهم ، وما خرج على قوم ليلا إلا وحل فيهم بدرا ليلة تمامه ، إذا مر على عطشى سقاهم بعذب حديثه ، وإذا لقي جوعى كانت ابتسامته زادهم الذي لا ينشغلون عنه لغيره من أنواع الطعام ! يسير في الأرض وهو مدجج بالحب . كل هذا انقلب مع دورة الزمن ، وأصبح الضد اليساري الغاشم لذاك اليمين المرتجى لكل إنسان !!
أفلت شمسه ، فلم يعد أحد يراه ، يمر دخانا نحيلا تبعثره نسمةُ هواء تموز الهشة ، أظلم قمره ، ونضب نهر لغته فما من عاد ينطق ، بالكاد يتنفس من أجل العذاب ، ينتهي يومه كما يبدأ مظلما !
تسير حياته على هذه الوتيرة ؛ ليجد نفسه في لحظة توقف كل شيء من حوله ينتبه !!
شخص ما يجده ، يغمض عينه ؛ فلقد أعاد إليه بريق عينها الماضي أمامه ، أعاده إلى ذاك الحلم الجميل الذي عاش كل تفاصيله ، أعاده إلى بسمة روحه التي ماتت ! فهل كانت نظرتها بعث لابتسامته؟! كل شيء ارتج فرحا كأن الأرض تزلزلت سعادة لقلبه .
السماء أمطرت ورودا لروحه .
كل شيء غدا هي في عينه ، لم يعد يتحمل ضربات القلب التي تقاتل داخله تريد عناقها ، هو يحجز بأجفانه عن عينيه بعد بزوغيهما عند رؤية طيفها ! لا يقوى على فتحهما ، يخشى أن تفارقه أعضاءه فتركض نحو ضمها !!
يعاود في هذه الغمضة كل الماضي ، وترتد إليه ذاته في يقين أحلامها ، يتمتم : هل يصالحنا الزمن بعد كل هذا العمر ، ومع كل هذه الخيبات ؟!
يفتح عينيه فإذ بالحياة غير الحياة ، إذ بالأمل الذي كان ورديا أصبح باهت اللون لا يبين ، إذ بالقلب الذي كان طفله المدلل تحول لشيخ كبير قعيد شارف على الموت ! نظرتها التي كانت تبعث فيه الحياة أمست طعنات مسمومة تقتله بكل أنواع القتل ، وتذيقه قبل ذلك أصناف العذاب !
بالكاد تحرك لسانها :
أنتَ …
أنتَ
أنتَ الذي تركتني وسط الطريق بعدما أوهمتني بفردوسها معك ، لم تترك لي شيئا أعيشه بدون أن أتذكرك ، كنت قاسيا بدرجة حبك ، فكل اهتمامك أصبح من بعدك لي عذابا لا أقوى على مقاومته ، فكنتَ أنت العذاب الذي لا يمكنني تركه ، كنتَ الألم الذي ينخر داخلي ولا أريد البرء منه ، كنت الكذب الأكبر الذي لا يمكنني إلا أن أصدقه !
آه يا منية روحي وزينتها …
آه يا عذاب قلبي وجنته ..
آه …
آه ……
آه يا حبيبي
تذهب هائمة حيث لا غاية ، ويسقط على إثرها …