فن الرواية
نهاد الحديثي
تعرّف الرواية بأنّها فن أدبي نثري طويل يعتمد في أساسه على الخيال، وهو نسيج تترابط فيه مجموعة من العناصر فيما بينها وفقاً لعلاقات معيّنة، وتسير ضمن تسلسل أحداث مدروس لوصف تجربة إنسانية ضمن إطار من التشويق والإثارة تعكسه مجموعة من الشخصيات، في بيئة معيّنة, تعددت أنواع الرواية من حيثُ أجناسها، وما يحيط بها من خصائصَ فنيّةٍ، ورؤى مختلفة في فنِّ كتابتها؛ فلذلك اختلفت الآراء حول وضع مفهوم يجمع خصائصها الفنية، ولعدم وجودِ قواسمَ مشتركةٍ بين مختلف الروايات؛ لذلك قُدمت مجموعةٌ من الآراء التي تكاد تكون جزئيةً لمفهوم الرواية في أبعادها ومقوّماتها، وقد جاءت آراء المعرفين حول مفهوم الرواية بما يتحدث عن عدد كلماتها، وأنّها أطول من القصة القصيرة، ومنهم من ذكر أنّها أكثر من خمسين ألف كلمة، ومنهم من ركّز على الوظيفة التي تقدمها الرواية للقارئ، ومنهم من اهتمّ بمضامينها، وهي بطبيعتها فنّ بحدّ ذاتها تنفرد عن غيرها في جوهرها وخصوصيتها، وهي فنّ أدبيّ نثريّ لا يتقيّد بضوابطَ معينةٍ، ويحتمل كل الاحتمالات، فقد ذكر الكثير من النّقاد أنّه لا يُوجَد تعريف شامل للرواية؛ لأنّها فن أدبي قابل للتطور والاستمرار،وعلى المجمل فإنّ الرواية فنّ أدبي يعتمد على السّرد، ويختلف عن الأسطورة، فكاتبها معروف غير مجهول، وتختلف عن الخبر التاريخيّ، لأنّها وحيّ من الخيال، وتختلف عن الملحمة، لأنّها من الأجناس النثريّة، وتختلف عن الحكاية والأقصوصة، لأنّها عمل أطول منهما، وتختلف عن الخبر، لأنّها ذات بنية سرديّة معقدة.
تعتبر كتابة الرواية من أصعب وأعقد الكتابات، فيما أظن، إذا ما قورنت بفنون الكتابة الأخرى، خاصة إذا كنا قادرين على التفريق بين لغة الكتابة ذاتها، «ونقصد هنا بلغة الكتابة ـ الأسلوبية ـ» فهناك من لا يميز بين اللغة المباشرة واللغة غير المباشرة، لكون الفن لا يقبل المباشرة ويسقط في حال لامسه شيئاً منها، ولابد أن يمتاز باللغة المراوغة، القابلة لأكثر من تأويل، وأكثر من دلالة، ومع ذلك فاللغة بصفاتها هذه، لا نجد أنها موجودة في الكتابات الروائية، عدا النزر اليسير في روايات كتابنا السعوديين، وربما لدى قلة منهم.
أعود مرة أخرى للفن، نلمس أن عدداً من الأعمال الروائية لا تهتم باللغة بالدرجة الأولى، لكن منها من استطاع أن يكسر تابوهات كثيرة، ويتناول أحداثاً بيئية – مسكوتاً عنها – ومثل هذه الأعمال في رأي بعض النقاد تقدم منجزاً مهماً بحكم أن الرواية تمثل التاريخ غير الرسمي للشعوب، ويمكن للمؤرخين الرجوع إليها لمعرفة كثير من تفاصيل الحياة اليومية التي يعيشها أبناء شعب ما أو منطقة ما، وهو ما حققته روايات عربية وعالمية.
لذا وجدنا كتاباً عاديين، ربما لا يرتقون لأن يطلق عليهم روائيون – حسب رأي البعض – غامروا بكتابة روايات حققت هذا الشرط ومن ثم أخذت نصيبها من الانتشار والصيت الذي أوصل بعضها إلى أن تصبح روايات عالمية، بعضها حصلت على جوائز عالمية، مع أنها لم تزاوج بين اللغة – كما ذكرنا آنفاً – وبين تناول قضايا إنسانية ومجتمعية وكشف الأحداث التي تعتبر على تماس مباشر مع الحالة الإنسانية التي يريد الكاتب التعبير عنها.
إن الفن بطبيعته، يجب أن يتميز بالصدق، فأنت ككاتب عندما تتناول قضايا إنسانية بحتة، لابد أن تتسم بهذه السمات، – أن تحمل الصفات الإنسانية ذاتها – لتكون جزءاً من همك، وإلا فإن قلمه سيفضحك، لكون الرواية تجمع بين اللغة والحس والهم الداخلي المرتبط بالهم العام، وفي ذات الوقت تمثل جزءاً من كينونة الكاتب، المنغمس في الهموم الإنسانية العامة، فلا يمكن له أن ينفك عنها وعن حقيقة ما يؤمن به، مهما حاول أن يراوغ – أما إذا حاول أن يتصنع فإنه حينها سوف يسقط في اللغة المباشرة – ويدمر مشروعه الإبداعي.
إن المراوغة تمثل لعبة لغوية لا يجيدها سوى قلة من الكتاب لدينا، كونها موهبة وملكة، تأتي بالمراس والمداومة على القراءة والكتابة، ومن وصايا الكاتب الكولومبي الشهير غابرييل غارسيا ماركيز، للكتاب: أن تظل يدك مشتعلة بالكتابة، بحيث تكون ساخنة بالكتابة، وعبر مسودتك المرافقة لك في كل مكان، لتقوم بكتابة المشاهد والمواقف الغريبة التي تمر بك، وحتى المشاعر التي تلم بك، أو تراها في أعين الآخرين، وقد علقت على ذلك في مقابلة إذاعية أجريت معي، حيث ذكرت أن هذا الأمر من الصعب حدوثه في مجتمعاتنا، كون طبيعة الحياة الاجتماعية لا تساعد على تحقيق هذا الأمر، نحن لا نشاهد الناس ولا نلتصق بهم إلا بشكل نادر جداً، فحياتنا رتيبة، من المنزل إلى السيارة وإلى العمل الذي فيه نفس الوجوه، لكن الاحتكاك والتعايش مع البشر والشعور بهم، أمر لا يتحقق كثيراً، أعجبني صديقي الروائي الذي يقوم بزيارة بعض الأشخاص من شخصيات روايته ويسجل معهم كثيراً من التفاصيل الصغيرة، ويستمع إليهم، وهي فكرة جيدة، تساعده على تقديم مشروعه الروائي بشكل أكثر مصداقية