قرارك بيدك يا مبدع ومبدعة
بقلم/ عادل بن حبيب القرين
خمسة ألاف صورة كفيلة أن تحيي أرواح الموتى، وضمائر العقول الواعية..
عبر استنطاقها ونشرها بين زغب الحمام الزاجل في وسائل التواصل الاجتماعي بين الحين والآخر!
من هنا ظن البعض بأن نشر/ حفظ الصور من الترف الوجودي تجاه غيره، (وعززه) آخر بأنها تجوب لاستجداء المخيلة!
فواعجبي من هذا وذاك، وكيف يحكمون؟!
فقد حاكت بعض أرجلهم خلاخل أفواههم.. كالذي يجوب على مقاعد المقاهي السريعة، لتصوير أغلفة بعض الكتب المترجمة المعروضة (بالتنزيلات) والبسطات بين يده وفنجان القهوة وقطعة الشكولاتة الفاخرة ليوحي بالهوس لنفسه (تراني مثقف)!
ويزجها الآخر بالحين في صوامع المعمورة عبر (سنابه)، وكأن لسان حاله يقول: (تراني مثقف غصب طيب)!
الثقافة يا حبيب الجوار: إنسانية وشعور، قبل أن تردفها وتتأبط بها..
والثقافة يا عزيز المزار: إن لم تحدث فيك رعشة الدمعة الوجدانية، وآهة النبضة الروحانية من شغاف قلبك إلى شرايينك وأوردتك بالدهشة لا خير فيها..
فكم واحد منا يتغنى بالأوتار، ولا يحسن عزف مصادق القرار والاختيار للدهشة!
نعم، أتت هذه الفكرة ــ أي نشر الصور ــ قبل سبع سنوات على وجه التحديد، ساعة اتصالي في أربعة من أهل (الخبرة بالتصوير)، (والأرشفة في التقرير)، (وأعلام التوثيق، والاحتراف، والتعليم، والتأثير)..
على النحو التالي، وبالعلامات الاستفهامية والتعجبية من قبلي لهم:
ــ يثير تعجبي منكم حيث تشاركون بالمحافل الاجتماعية، وطلابكم في فصولهم، والمسرح، والكشافة، والمسابقات الاحترافية.. وأنتم تفرحون بتوثيق سيركم بكلمات معدودة وصور مختزلة تكاد لا تزيد عن أصابع اليد الواحدة بالمهرجانات التي تشاركون بها.. فلماذا لا توثقون مخزونكم من تلك الصور عبر ألبوم يخصكم، وتحت أسمكم على بند السير لحفظ حقوكم ومسيرتكم؟!
ــ يثير تعجبي من يلتقط الصور ويخزنها عبر المخازن الطويلة والعريضة (بأجهزة الحاسب الآلي، (والكمبيوترات)، (والهاردسكات)، (والفلاشات).. وساعة ما تحترق أو تتعثر هذه المخازن يأتيك يوزع الويلات والحسرات..
وبعد فترة يأتي من يسكن بالضفة الأخرى، (ويلطشها) وينسبها لنفسه، ويزيد الطين بلة لقوارع وأهوال الوجع على نفس صاحبها!!
ــ يثير تعجبي من يحمل (كاميرته) في كل مكان يحل به..
سواء أكان بالفصل والعمل والبر والبحر، وشغل شاغلته التصوير والفلاشات..
ولا يكلف نفسه بإظهارها وتوثيقها وحمايتها من الضياع والتلف تحت شعاره بالمواقع التي تضمن حقه بالحفظ والموثوقية والدقة.. حتى جعل كل من يمر به يسيره، (ويسلك له) باسم النصيحة، ومدعيها.. وناصحه هذا لا يدرك طريق قيادة الدراجات الهوائية البتة في (البراحة)!
ــ يثير تعجبي من يمتلك القدرة المالية، والصور الاحترافية، (والقفشات) الاجتماعية، والكلمات النثرية، والأبيات الشعرية، والمجموعات القصصية والروائية.. ويجعل الأفواه الأخرى تسيره، ويظن هذا المسكين بأنهم أهل الدراية والسبق.. والحقيقة أنهم يمارسون حوله وفوقه أمراضهم التي صنعها معهم من سبقهم، فعاشوا رواية التواتر بالقول والفعل بالوصاية المغلفة، وبأسماءٍ شتى كالتخويف والتثبيط.. ولا أحد يعلم إلى الآن من أوسمهم بالأفضلية عليك.. فاطبع يا عزيزي نتاجك بالحياة فهي تتسع للجميع، واجعل الزمان والألباب تنصفك، وأدر ظهرك، فستصبح عملة بالمجموعات والأمكنة بإذن الله!
ــ يثير تعجبي من يعيش بسعادة، وكل نواظره للوراء..
فيا حبي وحبيبي: اجعل من الرمح الذي يطعنك من الخلف يدفعك للأمام بإيجاد اسمك وصناعة رسمك!
فهل رأيت قسوة حديثي هذا ليس لأجلك فقط فلربما قد كبرت، ولربما قد سيجت عقلك وفكرك لغيرك..
فما ذنب خبرتك أن تجعلها ما بين الأغلال؛ فأولادك يفخرون بك، وبناتك يطالعونك، وأحفادك يستمعون إليك..
ولولا نتاجك لم تعرف الأطلال يا صاح!
واعرف وتدبر بأن نتاجك هذا المتأخر لعمرك ومسيرتك، سيختصر لهم الطريق بالنسبة لبدايتهم لأنك القدوة والبيرق أمامهم وفي طليعتهم..
ذكرتموني بزوجة عمي عبد الله بن موسى القرين (أم أحمد فخرية البن صالح الصاغة رحمة الله عليها)، قبل عشر سنوات، حينما زرناها بحي النزهة بمنطقة المبرز في الأحساء، وأعطتنا مجموعة من صوري مع إخواني وأخواتي.. وحينما أرجعتهم إليها بعد مدة زمنية قالت بلهجتها ونبرتها الأحسائية (رحمها الله): “يكفي أني حفظتهم لكم ثلاث وثلاثين سنة، وبعد عمرٍ طويل بنموت، وعيالي ما راح يعرفونكم، وراح يلوحونها”!
فتخيل يا عزيزي الكاتب، والمصور، والشاعر، والحرفي، والقاص، والنجار، والأديب، والمهندس، والمؤرخ، والمنتج.. نفسك ما بين السطور الأخيرة!
أترمي عقلك بلسان غيرك؛ أم وجودك بوسواس حيرتك إلى الآن؛ باسم أهل المشورة والخبرة والسبق؟!
فكيف إذا كان جل محيطك من ضمن أهل العدوى (والأستذة والشللية) والتصفيق والتطبيل الصوتي واللفظي؟!
كلمة الختام:
ــ أغلب دور النشر الراقية تملك الطاقات الاحترافية بالمراجعة اللغوية والتنقيح والتصميم (للغلاف والمتن) والطباعة والتسويق والتصاريح.. فأهل الراية يعرفون عوالم الدراية، (وما عليك إلا تدلل فيما بينهم)..
ــ قيمة العطاء بحياتك أولى بزيادة الأجر، لا بيد وصيك الذي يعتصر ثلثك بعد مماتك بعد طول العمر كيما يضع لك ثلاجة ماء سبيل على قارعة الطريق ونحوها بأخذ الأمر من الخيرة..
ــ البعض منا ــ مع الأسف ــ يعبد غيره، بمعنى: لا يقتنع بكلامك؛ إلا إذا (سحبت عليه) وعلى اتصالاته، وتفننت (وامتهرت) الانشغال حد (أم الدعسة)، والترفع، (وسويت نفسك ما تعرفه بالتشبيه)، وكذلك ما عرفت صوتك، ورقمك ما خزنته، واتصل عليّ بعدين أنا باجتماع، (وعد واغلط بين أبواق النفخة والتيش بريش امعلق بعريش)!
ــ لكل بداية نهاية يا صديقي..
فالعمر قصير، والعطاء قليل، والجسم سيرتعش ويترهل بالتجعد يوماً ما.. إلا عند القلوب الحية واليقظة لحياتها الدنيوية والأُخروية عبر الصدقة الجارية، والعلم المنتفع به، والولد الصالح الذي يدعو له بكل الأقطار والأمصار..