هادي جلو مرعي
بلد مثل العراق ليس محرم لوحده يكون مبعثا للحزن … وصانعا للمأساة الراتبة.
كلنا يبكي الحسين .لكن نوايانا مختلفة. فواحد يبكي لأنه إعتاد جلد الذات كل عام. وواحد يبكي لأنه يعتقد أن بكاءه سيكون سببا لنيل الثواب من الله .وواحد يأمل في أن يحظى بالقبول في جماعة الذين يمكن أن يشفع لهم الحسين في الدار الآخرة. هناك من يبكي كذبا … ورياءاً .وهنالك أسباب شتى تدفع للبكاء.يبقى البكاء الذي يعبر عن مكنون الذات المتولهة بالفعل الصادق للحسين سيد الشهداء … وسليل النبوة … وهو بكاء يقول عنه نبي الرحمة:إن العين لتدمع … والقلب ليخشع … ولكن لانقول مايسخط الرب.
سالني زميل صحفي :من يبكي على من ؟ الحسين يبكينا ؟أم نحن نبكيه ؟ قلت : هو يبكينا. وكان الحسين بما أوتي من حكمة يقرأ المستقبل … ويعرف هذه الأسئلة. شاهده صحبه باكيا صبيحة العاشر من محرم … وهو يقف في مواجهة أعتى … وأشرس الرجال الذين ينادون بهتاف (الله أكبر) … وهم يرمونه بالنبال والحجارة والرماح … لكنهم يتغافلون أن جده محمد علمهم تلك الحكمة .سأله الصحاب لماذا تبكي يا إبن رسول الله؟ قال: أبكي هؤلاء القوم … إنهم سيدخلون النار بقتلي ! .
كانت روح النبوة في روح الحسين. كان هو الأب العطوف فكان يبكي قوما يجهلون … وهو يبكينا أيضا حين نخطأ … وحين نرتكب الحماقات … وحين نبكيه رياءا وكذبا وشهرة وطعما ورغبة.
زميلي الصحفي كان يسألني حزينا إن الناس يجهلون السبيل لموافقة الحسين في بطولته وإنسانيته العالية.كانت والدته تئن من الألم … وهو كان يحاول الوصول بها الى المشفى … لكن الطريق كان مغلقا بسبب أعداد من المجتمعين … ولم يستطع هو المرور بوالدته المريضة … وكان يتمنى أن يأخذ الناس أماكنهم خارج الطريق العام … ولا يمنعوا المارة من المرضى والحوامل وأصحاب البضائع والمعايش … وأن لا يعطلوا حركة الحياة … وأن يفهموا خروج الحسين إنه كان سعيا من أجل فتح الطرق الموصلة الى الله … وهي طرق كانت مغلقة بالمظالم والمساؤى وأطماع الحكم والنفوذ والسلطة ووهو القائل :إنما خرجت لطلب الغصلاح في امة جدي محمد … لآمر بالمعلاوف وأنه عن المنكر … فمن قبلني بقبول الحق فالله اولى بالحق … ومن ردني
في بلاد غير العراق كنت أتابع الشعائر التي يؤديها عامة الناس في مناسبة عاشوراء … وكانوا يؤدونها بإنتظام … وفي أماكن لا تعيق حركة المرور … ولا تمنع الناس من أداء أشغالهم.لكن بعض السلوكيات والمظاهر يمكن ان تتحول الى مؤاخذات خاصة عندما تتصل بفعل الإيذاء للنفس أو لقريب.
في مدينة مصرية … بعد نجاح الثورة في ذلك البلد … وإنهيار حكم الرئيس محمد حسني مبارك الذي كان يمنع بعض طرق العبادة … تحرر الناس من قيودهم … لكن بعضا منهم أساء التصرف … وإشتكى رجل من أنه أراد الوصول بزوجته الحامل الى المشفى لإجراء عملية جراحية … لكن المصلين الذين فرشوا الطريق بسجاد الصلاة منعوه !
ولأن الله لايطاع من حيث يعصى … بل يطاع من حيث يطاع … فلا عذرلأحد حين يضيق على الناس في معاشهم وعلاجهم وسبل حياتهم … وعلى من يفعل ذلك أن يراجع نفسه.
أجبت الذين شكوا من طريقة إدارة المواكب الحسينية … وإعاقتها للمرور … وإقامتها في الشوارع دون الأماكن الطبيعية :أن المسؤول عن ذلك هم منظموا المواكب تلك. فهم الذين يوجهون العوام الذين لا يملكون المعرفة … وتحركهم العواطف والنوايا الطيبة … بينما يكون المنظمون على قدر من العلم والمعرفة ليقودوا البسطاء ويمنعوهم من إرتكاب الأخطاء المنافية للدين … و للذوق العام .
وللذين ينادون بحب الحسين … أقول : إتقوا الله في أبي عبدالله .
إتقوا الله في أبي عبد الله
شارك هذه المقالة
اترك تعليقا
اترك تعليقا