عرض الكتب
رواية ما بعد الحداثة شكلا ومحتوى
زهـدي الداوودي
قالت عنها مجلة كوزموبوليتيكا:”أنها قصة ساين فيكشن (رواية علمية ) يقصها الروائي الأسباني العظيم. إنها صورة ملونة لآفاق المستقبل السحرية لعصر الكيمياء”.
وأما جريدة “سيود دويتشه تسايتونك” (صحيفة ألمانيا الجنوبية) فقالت عنها: “إنه لمن الصعوبة إيضاح صوت الإثارة والغير قابل للمقارنة الذي يقدمه لوريكا في روايته، إن صعوبته أشبه بصعوبة تفسير لماذا يحب المرء إنسانا معينا؟”.
وتقول عنها “يونكه فيلت” (العالم الفتي): ” إن لوريكا يستحق بذلك جائزة نوبل ليوم الحشر. ليس ثمة أعظم من ذلك”.
وتقول مجلة “بريكيتا”:”إن الإسبان لهم كل الحق حين يدعون بأن روي لوريكا يعتبر من أحد أكبر المواهب في البلاد”.
من هو روي لوريكا؟
ولد في العام 1967 في مدريد ضمن جيل جديد من المع الكتاب المبدعين. كتب حتى الآن خمس روايات وسيناريو لرواية “ Live Flesh” لبيدرو المودوفار. من رواياته المترجمة إلى اللغة الألمانية: “سقط من السماء”، “لا يمكن أن يكون أسوأ”، “طوكيو لم تعد تحبنا” و :”تريفيرو”.
لا نعرف عن سيرته الذاتية أكثر من ذلك.
ماذا يريد أن يقوله راي لوريكا في روايته؟
الطبعة التي نتناولها هي من إصدار دار روفولت رو رو رو، كتاب الجيب، علما أن هناك طبعة أخرى قامت بها دار A1 الألمانية. الكتاب يقع في 238 صفحة ويحتوي على الفصول التالية:
– تألق مسبح في الصحراء
– إبر زرقاء
– ليبهو خوليا والسعادة الأزلية
– أزمان أحسن
– بار باريس
– جمعة الآلآم
– ك. ل. كرومبر والطيور المهاجرة
– القلب المتعب
الرواية بشكل عام لا يمكن مقارنتها بالروايات التقليدية والكلاسيكية التي لها مواصفاتها المعروفة والتي تندرج ضمن ما يسمى بالواقعية النقدية أو الواقعية الإشتراكية أو الواقعية السحرية كما ولا يمكن إدراجها ضمن ما يسمى بالروايات الإجتماعية أو التاريخية أو البوليسية أو الدرامية الخ والتي يحركها بطل رئيس تحيط به شخصيات جانبية تتطور ضمن سياق الرواية الذي يخضع إلى مسار البداية فالذروة ثم الإنغلاق لشريحة حياتية لمجموعة من الناس. وإذا كان لابد من المقارنة، فيمكن مقارنتها من حيث الشكل مع رواية “مدار الجدي” للكاتب الأميركي هنري ميللر، حيث أنهما يشتركان – مع الفارق- في تناول أزمة الإنسان في حضارة ما بعد الثورة الصناعية. وإذا كان ميللر يعري حتى العظم الآلة الرأسمالية الأميركية بدفق فني عجيب، وبتلك اللغة المكشوفة الوحيدة القادرة على التعبير عن مجتمع كالمجتمع الأميركي، فإن لوريكا يتوغل الى أعماق الإنسان المغترب الذي يقف وحيدا أمام مصيره والذي لفظته حضارة عصر المخدرات، يلتجئ إلى النسيان عن طريق نشوة إصطناعية يزرقها بالسموم والجنس. وهذا النسيان الذي لا يعرفه المستقبل، كما يؤكده بطل رواية لوريكا المكلف ببيع المخدرات على المستوى العالمي وتوزيعه على وكلاء ما يسمى ب”إخوان الكيمياء”، نقول أن هذا النسيان إنما يطهر الروح من عذاب الذكريات، فالقاتل الذي يقتل ضحيته بعد إغتصابها في غفلة من الزمن، يعود إليه ضميره الإنساني الذي يبدأ بتعذيبه. وإذا كان دستويفسكي يطهر عذاب راسكولنيكوف بالعقاب فإن لوريكا يطهر عذاب بطله الذي يسبب في تسميم المئات بل الألوف، بالحبوب المخدرة التي تسبب فقدان الذاكرة.
بطل الرواية يتكلم بصيغة (أنا) ويبقى هو الشخصية الرئيسة من بداية الرواية حتى النهاية دون أن تشاركها شخصية ثانية في مسار الرواية العام، بل هناك شخصيات جانبية كثيرة تظهر وتتلاشى ولا تعود مرة أخرى.
المكان مفتوح، حيث يتنقل البطل بصفته وكيلا لشركة عالمية، بين أوروبا وبلدان شرق آسيا، ترافقه حقيبة مليئة بحبوب فقدان الذاكرة. إنه لا يقوم بتوزيع بضاعته السامة فحسب، بل يتناولها هو أيضا في مجرى حياته اليومية كي يقوم بخلق عالم أجمل، سرعان ما يتلاشى بانتهاء مفعول السم. ولهذا العالم من النشوة المطلقة قوانينه وعرفه الخاص به، لا يمكن أن يحدث في الحياة الاعتيادية الخالية من السموم:
يدخل خادم الفندق الفلبيني الجميل غرفته، يسأله عما يحتاجه، فيعجبه جماله ويتبادلان بعض الكلمات ويتفقان على شئ: وسرعان ما يتبادلان الجنس فيما بينهما وكأن شيئا لم يكن. يتناول شرابه في أحد بارات بانكوك، ينتبه فجأة إلى رجل بصحبة امرأة جميلة، يتبين له أنها زوجته. يدعوه الرجل إلى أن يشاركهما المجلس، يلبي الدعوة ويتخذ مكانه معهما وبعد حديث قصير يقول له الرجل، الذي لاشك أنه أيضا من مجموعة “إخوان الكيمياء” بأن زوجته معجبة به وأنه يستطيع مضاجعتها، ويصطحبها إلى غرفته في الفندق ثم يعيدها إليه بعد أن ينجز مهمته. عشرات الأحداث والشخوص من هذا النوع تمر به دون أن تتكرر.
ونتيجة الإسراف في تناول الحبوب المخدرة التي لا يتحملها البدن إلى ما لا نهاية، يفقد البطل وعيه متمددا على رصيف شارع في إحدى المدن التي يتنقل فيها، ليفتح عينيه بعد ستة أسابيع في إحدى المستشفيات التي لا يعرف في أي مدينة هي. إنه لا يتذكر أي شئ. ويحدق في النافذ. ويقول له الطبيب، أن المدينة الواقعة وراء النافذة هي مدينة برلين:
” على فكرة، أن الرجل، كما يبدو طبيب أعصاب، إنه رجل مريح جدا. الطبيب يسألني، ما إذا كنت سبق أن رأيته من قبل، وأنا أساله:
” مرة واحدة؟ متى؟”
” قبل الآن.. حاليا”
” قبل الآن، حاليا، نظرت إلى النافذة وسألت ما إذا ثمة وراءها مدينة”
” برلين”
” ماذا؟”
” برلين هي المدينة التي تقع وراء النافذة”
” قبل الآن، ودون أن أعرف ذلك، فكرت في برلين، وبعد ذلك، حين أدرت برأسي، رأيتك جالسا على هذا الكرسي”
بعد ذلك أزاح الطبيب الستائر وذهب.
اليوم تمطر. لم يزرني أحد.
وحين ننتهي من قراءة الرواية نمر بفصل ” قلب متعب” الذي هو آخر فصل وعبارة عن صفحة واحدة:
“إن برد ليالي الصحراء يفاجئك في الوقت غير المناسب. لا يهم ما إذا كنت تتذكر أم لا. إن الناس المسنين يلفون أنفسهم بالأغطية الدافئة في الفراش.
غدا سأسافر عائدا إلى فونيكس.
مع أريزونا أنتهيت.
الفتاة كرومبر قالت لي:
” إن الضوء الأزرق لكرومبر العجوز قد أنطفأ الى الأبد “
وبالإضافة إلى ذلك فإن الفتاة كرومبر حدثتني بأنها منحت قبلتها الأولى لمصلح الهليكوبترات الفرنسي، وإن قضيب هذا الفرنسي المختص بدا لها مثل خرطوم فيل أو أي حيوان هائل آخر.
كل شئ ينتهي ومن ثم يبدأ في نفس الوقت. إن أعجوبة عملية النقل هذه منحت كرومبر جسدا مكسيكيا صغيرا..
على فكرة، أن الرأي القائل بأن دماغ والت دزني قد جمد، خاطئ. هذا ما تؤكده هذه الفتاة غير المؤدبة.
خبر سئ لدونالد ديوك.
الفتاة كرومبر قالت لي، قبل أن تذهب للرقص، بانها منذ الأزل وعندما كانت لا تزال صبية وحتى قبل الحرب العظمى، كانت تتمنى أن تسمع من فوق ناقلات الصهاريج الضخمة النداء التالي:
” على كافة المسافرين ترك السفينة”
عندئذ بعد هذا الأمر تبدأ الرحلة.
إن راي لوريكا شاهد لا يخشى الرقيب ولا يتقزز من الصديد. إنه يدب إلى أعماق الجرح مثل دودة دواء لوباء يهب مثل رياح السموم. إنه لا يريد أن يكون واعظا، بل جراحا يمد مبضعه عميقا في الورم.