نحن نعيش فى ظل حضارة واحدة غير متحضرة، الرأسمالية العالمية فى أكثر مراحلها تنمرًا، وجشعًا، وفتكًا، وعدوانية، وإن اختلفت الأشكال، والدرجات، فى دولة هنا، ودولة هناك. وهذه الحضارة السائدة عالميًا لها سمات محددة تميزها، وتحافظ على استمرارها، وتحمى سيادتها على العالم، حضارة طبقية أبوية عسكرية دينية، وهى تفعل أى شىء للإبقاء على هذه السمات، ولضمان تأجيل أو تأخير انتهاء صلاحيتها للحكم والسيطرة.
من ضمن الآليات المعتمدة لدى هذه الحضارة الرأسمالية العالمية الاستثمار بأقصى قدر ممكن، أو غير ممكن، فى المصائب والكوارث والأوبئة التى تحل بالبشرية، وتصدير الأزمات المختلفة من موطنها الأصلى إلى بلاد أخرى.
أتذكر منذ سنوات عندما كتبت أن شركات الأدوية العالمية تغذى الحملات الدعائية المغرضة، عن مخاطر أنفلونزا الطيور والخنازير، اتُّهمت بالإيمان بنظرية المؤامرة دون محاولة التيقن مما كتبت، ولا أنسى فى عام 1985، حينما كتبت مُحذِّرة عن خطورة حقن منع الحمل، «ديبوبروفيرا» على نساء ما يسمونه خطأ «العالم الثالث»، ومنهن النساء المصريات، والتى تنتجها شركة «إيجون» الأمريكية، وهى حقن ممنوعة قانونًا داخل أمريكا، بعد أن ثبت أن هذه الحقن تتسبب فى أمراض سرطانية، وأمراض فى القلب والأوردة، وتشوهات خِلقية للأجنة، يتم توريثها.
فى عام 1965، كانت شركة «إيجون» الأمريكية قد بدأت فى استخدام النساء فى 70 دولة، منها بلادنا، كفئران تجارب لهذه الحقن، وذلك 3 سنوات قبل استخدامها الحيوانات لهذه التجارب، فلم تبدأ الشركة فى استخدام إناث الكلاب والقرود الأمريكية لتجاربها إلا فى عام 1968، ثم توقفت الشركة تمامًا عن استخدام الحيوانات عام 1973، بعد ثبوت إصابة إناث الكلاب والقرود بسرطان الثدى والرحم، لكن الشركة ظلت ترسل هذه الحقن الخطيرة، تحت سمع وبصر الحكومات أو وزراء الصحة، إلى حوالى 80 دولة، منها مصر والعراق وعمان والكويت ولبنان وليبيا وقطر والسعودية وسوريا والسودان والإمارات وبلاد أخرى فى إفريقيا وآسيا.
بعض هذه البلاد ليست فيها إدارات للرقابة على الأدوية المستوردة، وقد ينكمش ضمير المسؤولين، فيقبل عمولة بآلاف الدولارات لإصدار أوامر لإدخال أدوية ممنوعة فى البلاد التى أنتجتها. وقد تنبهت بعض الحكومات إلى خطورة هذه الحقن على حياة نسائها وأطفالها، مما جعل شركة «إيجون» ترسلها مباشرة إلى صيدليات القطاع الخاص، الذى يتمتع بحرية الاستيراد والتصدير، تحت اسم الديمقراطية والليبرالية والسوق الحرة والخصخصة.
وأذكر أن البنك الدولى حينئذ، وهو إحدى آليات الحضارة الرأسمالية لامتصاص وتصدير أزماتها، وضع ضغوطًا على بعض الحكومات لتعقيم النساء بهذه الحقن، تحت اسم «تنظيم الأسرة وتحديد النسل»، وتم تصدير الفكرة بأن الفقر فى بلادنا هو بسبب كثرة المواليد، وخصوبة النساء، وليس بسبب غياب التنمية الاقتصادية والاجتماعية العادلة، واستمرار التبعية للدول الرأسمالية، وتوجهاتها الاستعمارية الجديدة، وتبنَّى الإعلام بكل وسائله هذا التضليل، فانهالت إعلانات تنظيم الأسرة، وبيان مضارّ كثرة مرات الحمل والولادة على صحة المرأة. أليس هذا مضحكًا، يدمرون صحة المرأة، باسم الحفاظ على صحة المرأة؟!. ولم يهتم أحد بالسؤال: لماذا تهتم الرأسمالية العالمية بصحة النساء فى بلد مثل مصر أو السودان أو السنغال؟؟. لقد كشفت التقارير المُوثَّقة أن شركة «إيجون»، المنتجة لحقن «الديبوبروفيرا» و«النوبلانت»، قد دفعت أكثر من 4 ملايين دولار، لمسؤولين حكوميين فى 29 دولة فى عامى 1971- 1976، هذا غير نصف مليون دولار، لمسؤولين غير حكوميين فى مجال الصحة. هذا منشور فى مجلة «مالتى ناشيونال مونيتور»، عدد مارس 1985. ورغم تكشُّف الحقائق، فإن أغلب الدول لم تُجْرِ أى تحقيق، لمعرفة دائرة التواطؤ والتآمر، ومنها مصر.
مثال آخر هو ما أثبته الطبيب الدكتور ليونارد هورويتز، فى كتابه «الفيروسات الناشئة»، 1997، أن منظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة الأمريكية وشركات الأدوية ووزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) تعاونت جميعًا فى إجراء أبحاث هدفها تخفيض «المناعة الذاتية» لدى الإنسان، كجزء من الأبحاث الخاصة بالحرب البيولوجية، تحت اسم حماية الجنود الأمريكيين. ومن المعروف طبيًا أنه يكفى تخفيض مناعة جسم الإنسان، حتى تشتعل أوبئة ناتجة من الفيروسات والميكروبات الموجودة بشكل طبيعى فى البيئة الإنسانية. وقد أكد الطبيب المؤلف بالبراهين العلمية أن فيروس الإيدز وصل إلى سكان إفريقيا بسبب هذه الأبحاث، وعن طريق الفاكسينات، التى وزعتها شركات الأدوية على الأفارقة لاختبارها، حيث تم استخدامهم خنازير وفئران تجارب، تحت اسم «مشروعات التطعيم» للحماية من المرض. هكذا تم قتل الملايين من الأفارقة، وانتشر وباء الإيدز وأوبئة أخرى، منها شلل الأطفال. لقد قابلت د. ليونارد هورويتز، فى السويد، بعد صدور كتابه هذا، وقبل أن يضعوه فى السجن، وحكى لى كيف أنه «مُطارَد»، و«مضطَّهَد» بسبب ما نشره، وبسبب اهتمامه المتواصل لكشف تورط النظام الأمريكى وحلفائه فى إنتاج ونشر الأوبئة.
ومثلما حدث فى فضائح حقن منع الحمل، تمت هذه الجرائم بعلم المسؤولين عن الصحة، سواء عن علم أو جهل، فلا توجد أى قوة شعبية واعية تدافع عن حقوق الشعوب المقهورة، وتضمن عدم التواطؤ بين القوى المحلية والعالمية ضد صحتهم وكرامتهم وحقهم فى حياة آمنة.
كيف سيتم استثمار فيروس كورونا لصالح الحضارة الرأسمالية العالمية، على حساب الأفقر والأضعف والأدنى؟؟ سؤال لابد أن نفكر فيه، على ضوء تاريخ هذه الحضارة غير المتحضرة الشرسة، المُضلِّلة، المُتعطِّشة للربح والدم والقتل.