الموت ذلك الزائر خفيف الظل…
في الاونة الاخيرة حضرت العديد من المآتم كون عزرائيل يتجول بحرية في عائلتنا الصغيرة ويلعب القرعة لانتقاء ضحيته صغيرا كان ام كبيرا..شابا او عجوزا…امراة اورجلا..ضمن الصدمات المتتالية التي شهدتها العائلة وعدم توقعها او عد تقبلها اختيار عزرائيل غير العادل للضحايا.. انتهى الامر بها ان ترضى بقراره وحكمته في كيفية اختيار الاشخاص لتجريد ارواحهم من اجسادهم..فالموت ان شئنا ام ابينا هو امر محتوم رغم ان العقل البشري لا يود ان يصدق ان مصير اذكى حيوان في الكون هو الموت حيث يعود الجسد والروح الى الكون ليكون جزءا بل وقطعة منه..
فكلما يباغتني خبر موت احدهم، استنجد بذاكراتي لتسعفني في تذكر آخر مرة رايت ذلك الشخص، آخر حديث..آخر صورة..آخر انطباع..ونقول لانفسنا الحمد لله اننا راينا ذلك الشخص قبل ان يموت والا فالشعور بالذنب والالم سوف ينتابنا، ونلوم انفسننا على انقطاع اتصالنا به بسبب مشاغل الحياة المادية..
ولكن الاهم من ذلك ان لدى موت احدهم، تصغر قيمة الاشياء المادية التي نجري ورائها ونقول في انفسنا كم نحن بائسون بل واغبياء كوننا سنموت اولا واخيرا فلماذا كل الهم والغم عندما لانحصل على شيء مادي في هذه الدنيا الفانية..في الحقيقة ان موت احدهم شئنا ام ابينا يمنح راحة نفسية، ولطالما احس ان المآتم هي افضل جلسات نفسية يمكن ان يستمتع بها اي شخص ومجانا دون الذهاب بالضرورة الى طبيب نفسي..فالكل ياتي ليبكي او يعزي اقرباء الميت، ولكن بكاءهم ليس بالضرورة لحزن الموقف، فهنالك من يتذكر امواته الاقرباء على نفسه، وهنالك من لديه مشكلة ولايجد الوقت ليبكي او يود اخفاء بكائه، ولكن هنا في الماتم، له الحق في البكاء علنا دون ان يساله احد عن سبب بكائه حتى وان كان سببا شخصيا…
وفي نفس الوقت، فلدى موت احدهم نفكر ولا اراديا بمعنى الحياة او معنى الموت، ونضحى في هيجان الافكار الوجودية واللاوجودية، ونفس الاسئلة الازلية التي كنا نطرحها عندما كنا صغارا تعود وتتردد في رؤوسنا…ما هو الموت ؟ وما سببه ؟ ولماذا نموت ؟ وهل ان متنا سنموت الى الابد ؟ وهل هنالك حياة اخرى ؟ ..الخ
نعود ونحقق في علاقاتنا الاجتماعية ودرجة صلة الرحم وما شابه…فالموت هو اشارة ترسل لنا لتقول ان لا وجود لانسان خالد، لذا فمن الافضل ان نوطد علاقاتنا العائلية ونجعل كل لحظة في حياتنا لحظة ود ووصال..الموت هو اصعب وخصوصا عندما يتعلق بالاقرباء من الدرجة الاولى، وفي نفس الوقت موت اشخاص من الدرجة العاشرة قد يكون اكثر تاثيرا وكل ذلك يعتمد على جودة العلاقات الانسانية…الامر شبيه كثيرا بالملابس التي نلبسها فهذا ابسط مثال، هنالك الكثير من الاشخاص الذين لديهم علاقة حميمية مع ملابسهم، بما معناه انه من الصعوبة التخلص من الملابس التي نلبسها حتى وان كانت قديمة، وهنالك اشخاص سهل عليهم رمي ملابسهم…كل ذلك يعتمد ايضا على ذكريات تتعلق بهذه الملابس فمثلا هنالك اشخاص يحبون بعض من ملابسهم كونها جلبت لهم حظا، اول مقابلة عمل ناجحة، اول موعد غرامي يتكلل بنهاية جيدة..الخ والحقيقة ان مدى علاقتنا بالاشخاص والذكريات التي عشناها سوية هي التي تحدد مدى تاثرنا بموتهم…
وكما يقول الرومي ” كل نفس ذائقة الموت ولكن ليس كل نفس ذائقة الحياة” ، هنا جودة ونوعية الحياة التي نعيشها تحدد شكل حياتنا وطريقة تعاملنا معها، الجودة ليست بالمال بل بالراحة النفسية، بالصدق والامانة، بخوض المعارك بشرف حتى وان خسرنا فيها، فالحياة معركة تلو الاخرى ان تخسر فيها بشرف افضل ان تربح بها بخسة…فالحياة ماهي الا لغز ان فهمناها فهي سهلة الحل والا سوف نبقى ونشقى الى آخر يوم…لذا ارى الموت دائما كما الصفعة التي نحتاج اليها من حين الى آخر.. صفعة توقظنا بل وتذكرنا ان نعيش كل الحياة وليس نصفها كما يقول جبران خليل جبران…لذا فالموت هوزائر خفيف الظل ياتي كي يوصل لنا رسالة بسيطة علينا ادراك مكنونها..