الدكتور زاحم محمد الشهيلي – الشمري
منذ ان ابصرنا النور ونحن نسمع ونتعلم من حكايات الاجداد وفي المدرسة بان الاسد هو ملك مملكة الحيوانات في الغابة، يفترس ما يشاء منها بوحشية منقطعة النظير، فلا شيء اسمه امان في هذه المملكة المتوحشة. حيث لا تُظهر الاسود أية رحمة تجاه ضحيتها. الاسد وحده من يفتح ابواب هذه المملكة، الافتراس فيها مشروعا للجميع، القوي ياكل الضعيف من أجل البقاء والاستمرار في الحياة.
فكنا حينها نظهر تعاطفا مع الحيوان الضحية ونحن نسمع القصص ونرى كيف تفتك الحيوانات القوية بالحيوانات الضعيفة لتسد رمقها بعد صراع مع الجوع الذي اخذ يدب في احشاءها لتكشر بانيابها على الاخرين معلنة ساعة الصفر للقيام بالافتراس.
وحين نقارن ما سمعناه والفناه عن مملكة الحيوانات المتوحشة بواقع العالم الحالي وما يمر به من ماسٍ تدمي القلب وتؤنب الضمير، نرى ما لا نريد رؤياه او نسمعه، بعد ان تحول العالم الانساني الى عالم حيواني مجرد من الانسانية والاخلاق العامة، تسيطر عليه النزعة العدائية التي تتصف بالماديات والحماقات والعنجهية في التصرف بهدف ابتزاز الشعوب وترويعها وتهديد امنها القومي وسلب ارادتها وخيراتها وثرواتها الطبيعية بطرق غير مشروعة.
تحولت “مملكة الحيوانات المتوحشة” الى “مملكة الانسان االمتوحش” التي كانت داعش احدى نتاجاتها، حيث اخذت هذه المملكة الشيء الكثير من صفات الحيوانات في التصرف والتعامل مع الاخر، الامر الذي جعلها تشرع بالخصومة والقتل من اجل تحقيق مآربها الذاتية وديمومة حياتها بعيدا عن الانسانية التي ينشدها الاخرون.
وهذا نتاج للمادية العالمية التي اغوت المجتمعات، خاصة الغربية منها، ببهرجتها وزينتها لتمرير مصالحها الخاصة على حساب المصلحة العامة للمواطن، لتتمكن في نهاية المطاف من التحكم في مصائر الشعوب بعد السيطرة والاستحواذ على مقدراتها الاقتصادية لتحصين مملكتها المتوحشة التي اخذت تقتات على دماء الناس بحيث تلتهم كل متحرك على الارض لتسد رمقها.
والمشكلة هنا ان التوحش في هذه المملكة اخذ اشكالا وصورا مختلفة امتدت الى العلاقات الانسانية في البيت والشارع والدائرة ليشمل كل القطاعات العامة والقطاع الخاص في الادارة، وادارة المال العام، واضحى التوحش متجذرا في العلاقات العامة على مستوى المجتمعات والعلاقات الاقليمية والدولية، واصبحت الدول الكبيرة ذات القوة والسلطان تبتلع الدول الصغيرة من خلال الاحتلال والتدخل المباشر لمصادرة قرارها السياسي والهيمنة على مواردها الطبيعية، فانتجت ادارة عالمية للتوحش تحولت على مر السنين الى ثقافة في القسم الاكبر من الكرة الارضية بعد ان ارتبطت بالوضع الاقتصادي والسياسي لاقطاب النفوذ في العالم.
ونتيجة لشدة التوحش العالمي صارت هناك شعوب تموت لتحيا شعوب اخرى!!! فلا دين ولا قانون إلهي او انساني يحدد الاخلاق العامة للمنظومة الدولية، رغم ان الانسانية والاخلاق وجدت قبل وجود الاديان السماوية، وعليه يظهر جليا بان الذي ليس لديه اخلاق لا يؤمن بوجود الله والدين، وليس هناك ما يكمل اخلاقه العامة، فالذي يتجاوز على الاخلاق العامة ولا يلتزم بقانون انساني سيكون فاقدا للاخلاق الحميدة التي تحد من شهوته ونزعته الى التوحش في التصرف لا شباع غرائزه الحيوانية التي يراها متحققة في الكسب غير الشرعي للمال والجاه والسلطان وامتلاك الثروة والقوة على حساب حقوق الاخرين سواء على المستوى المحلي أو العالمي. فهل هناك سبيل للإصلاح والصلاح أم ان العالم يسير في طريق اللاعودة؟