حسن الخفاجي
تاريخنا الإسلامي الرسمي ينز الدم من بين حروفه. لم تلامس المناهج الدراسية في كل البلدان العربية جرحا عميقا شق جبين الإسلام و المسلمين بعد وفاة الرسول محمد ص , إذ ان ثلاثة من أصل أربعة خلفاء أعقبوا النبي ص على خلافة المسلمين استشهدوا على أيدي مسلمين !. الأغرب ان اغلب الرجال من أل بيت النبي (ص) واغلب أصحابه , استشهدوا بين مقتول بسيف أو بسم أو مات في غياهب السجون علي أيدي من ادعوا أنهم خلفاء للمسلمين!.
ألا ان اغلب مؤرخينا المسلمين لم يقولوا لنا صراحة: ان تاريخنا الإسلامي ينز دما , بل عمد المؤرخون إلى تجميل تاريخ دول الخلافة بالاهتمام بجوانب وترك أخرى ولم يتم التركيز على الجرائم الكبرى, التي حدثت في تلك العصور .
لقد سمعنا عن الفتوحات التي حدثت في زمن دول الخلافة , وسمعنا عن الاهتمام بالعلوم والترجمة , وسمعنا عن الساعة التي صنعت في زمن هارون الرشيد في بغداد وأهدها الى شارلمان ملك الإفرنج , لكنا لم نعرف الكثير من كتب التاريخ , الذي كتبه موالون للخلفاء عن المذابح والجرائم الكبرى كواقعة كربلاء ومذبحة البرامكة وغيرها , لم يشرحوا بإسهاب عن كيفية تخلص الخلفاء من خصومهم .
لم يسأل الحالمون بعودة دولة الخلافة أنفسهم سؤالا تقليديا .إذا كانت الأمة بهذا المستوى من الغلظة والقسوة مع خَلفَ نبيهم وال بيته وأصحابه , وكان صراع من سموا خلفاء المسلمين دمويا فيما بينهم على السلطة , الأخ يغدر بأخيه والابن بابيه .ترى كيف تعاملوا مع المعارضين ومع من سموهم (كفارا) وأعداء للأمة ؟ .
كيف سيعاملون لاحقا من يختلفون معهم في الرأي وبيدهم السلطة وأدوات القمع والقتل !؟ .بعد ثورات الشباب العربي , التي استثمرها أصحاب اللحى الطويلة والثياب القصيرة !.
ابتدأت سنة القتل بمن خلف النبي ص , واستمرت في زمن الدولة الأموية , وانتقلت إلى الدولة العباسية , ومنها إلى الدولة العثمانية, وبعد سايكس بيكو انتقلت لتمر بالأسر الحاكمة , ففي السعودية وحدها من تاريخ أسرتهم القريب سجلت 13 حالة قتل بين الإخوة والأقارب من اجل كرسي المملكة , آخرهم كان الملك فيصل , تاريخ الصباح في الكويت لايختلف كثيرا عن ال سعود , في سلطنة عمان قتل قابوس أبيه لينعم بكرسي السلطنة معمدا بالدم .آخر هذه الحوادث ما قام به حمد حاكم قطر , المرشد والدليل السياحي هو وقناته الجزيرة , للثورات العربية حينما خلع والده !.
سمعنا عن فتوحات العثمانيين وانتصاراتهم , لكنا لم نعرف الكثير عن المذابح والقمع , الذي ارتكبه العثمانيون ضد الشعوب , التي كانوا يحكمونها وضد شعوب الدول التي فتحوها . أما مذابح الأرمن , التي قتل فيها قرابة المليون ارمني , مسكوت عنها من اجل سواد عيون العثمانيين القدامى والجدد .
حقق من يمثل الجناح المتطور للأحزاب الإسلامية اوردغان التطور الاقتصادي لتركيا , لكن ملف الديمقراطية وحقوق الإنسان فيما يخص أكراد تركيا ظل كما هو .لم يمنح الأكراد حقوقهم بل سخر طائراته ومدافعه ليسكتهم .لم يعتذر عن مذابح أجداده العثمانيين ضد الأرمن. الغريب ان اوردغان يدعوا مثل صديقه حاكم قطر لتحرير الشعوب من حكامها !.
وجه آخر من ورثة ذلك التاريخ الرسمي المظلم هو وجه راشد الغنوشي, الذي امتطي صهوة ثورة شباب تونس , التي أوصلت حزبه للسلطة , لينقلب على كل ما وعد به أثناء الثورة التونسية وبعدها.
جاءت الأخبار من تونس تقول : ان الغنوشي يفكر جديا بتأسيس “هيئة ألأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” لتكون وجها آخر من وجوه الهيئة السعودية , التي أذاقت السعوديين المر .صاحب هيئة تونس ومؤسسها أمير مؤمنين تونس الجديد الحاج راشد الغنوشي !.
“بعابيص” إسلاميي ليبيا في مؤخرة القذافي مفضوحة على مواقع اليوتوب , ولا داعي لشرحها . آخر فضائح إسلاميي ليبيا احتجازهم لأكثر من 7000 شخص بينهم الكثير من الأطفال والنساء في ظروف صعبة , دون أوامر قضائية .هذا ما أعلنه أمين عام الأمم المتحدة .
مذابح وجرائم الوهابيين وبعض الإسلاميين في مصر موثقة ولا تحتاج لكثير من الجهد لتوثيقها .
المذابح , التي ارتكبها السلفيون في الجزائر مفضوحة . التصفيات التي تمت بين قادة الجهاد الأفغاني ضد السوفيت , فيما بينهم وبين مناصريهم , معاركهم التي دمرت أفغانستان معروفة للمتابعين.
هذا موجز سريع لتواريخ من يدعون لعودة دولة الخلافة !.
قوم غلبت غلظتهم وطباعهم البدوية تطبعهم بروح الإسلام .
كيف سيبني هؤلاء دولة ديمقراطية عصرية ؟
ان تحققت أمانيهم وأقاموا دولة الخلافة ..عليهم ان يحضروا جلباب هارون الرشيد ليخيطوه على مقاس الغنوشي , وعبد الحكيم بلحاج الليبي , والشيخ محمد حسان , والشيخ الحويني المصريين .واجب عليهم ان يحضروا لهم بغلة هارون الرشيد ليركبوها , ويمنعوا عنهم أدوات وتقنيات “الكفار” من وسائل نقل واتصال خلوية وأرضية .وان يحجبوا عنهم الانترنيت ومواقع التواصل الاجتماعي, ويحضروا لهم القراطيس والدواة ليكتبوا فيها , ويتركوا الفضائيات والمؤتمرات الصحفية المنقولة عبر الأقمار الاصطناعية , ويعودوا لاستعمال المآذن لتبليغ “الجمع المؤمن” .ويكلفوا أصحاب الصوت القوي كي يديروا في الأسواق ليبلغوا أبناء الأمة بأخبار فتوحاتهم وغزواتهم ورفعهم لرايات تنظيم القاعدة السوداء .نحن من نختلف مع من يدعون لعودة ماضي الخلافة المظلم ومذابحها , نحن الذين نعيش بعصر الحضارة الغربية ولا ننفر منها , ونعيش عصرنا بواقعيته .ندعو إلى إيجاد لجان محكمين ممن ظلوا على الحياد كي يحكموا بيننا وبينهم , ويعلنوا نتائج قراراتهم لأبناء الأمة . نحن بدورنا نسأل هل ان من يذبحون الناس ويقمعونهم ويكفروهم , هل هم أسوياء أم يعانون من انفصام الشخصية ؟ .
لا هم لعصر مروان بن الحكم وهارون الرشيد ينتمون , ولا كأنهم بعصر المعلوماتية يعيشون , ولا هم عن أفكار ابن تيمية منسلخون !!.
ترى ما نحن مع هؤلاء فاعلون ؟
(التاريخ هو كتاب الملوك المثالي,بالكيفية التي حكم بها الملوك نتبين ان كتابهم هذا لايساوي شيئا) هنري دوسان سيمون