زيد الحلي
في مساء ثالث يوم من عيد الفطر المبارك ، جمعتنا ساعات من التضاد المجتمعي ، في صحبة نبيلة مع زملاء كرماء النفوس ، فبعد حضورنا تأدية واجب العزاء ، لأبن عم زميل كريم ، قرأنا خلالها سورة الفاتحة ، واستمعنا الى آيات من الذكر الحكيم ، جال بنا الحديث الى الحياة الحاضرة ودنيانا اللاحقة حيث المستقر النهائي للجميع ، وبين آهة واخرى ، غادرنا الى صديق ينتظرنا في بيته تلبية لدعوةعشاء ..
وفي حديقة بيته الغناء ، التم شملنا ، فتغيير حديث العزاء ، الى حديث الحياة ، وتقلباتها ، ومزاجيتها ، ففي كل يوم حالة جديدة: موت ـــ ولادة ـــ حزن – سعادة – قوة – ضعف- تفاؤل – اكتئاب – كلام – صمت – هدوء – عصببة – قلق ــ استقرار. و.. و..!
كم كان جميلاً ان تكون عبارات المودة في تلك الضيافة ، تامة المعنى ، وبلغة سهلة جميلة لا مضغ بها للكلام ولا صوتأً عالياً أجوف بل تعابير مرّكزة بعفوية تصيب الهدف..
وبتُ على قناعة ، عند انتهاء الاحاديث ، ان الحياة مأساة ، والدنيا مسرح ممل ، كما اشار يوماً الروائي الكبير نجيب محفوظ في حوار لي معه ، ومن العجب أن الحياة مفجعة ولكن الممثلين فيها مهرجون، ومن العجب ايضاً ان المغزى محزن ، لا لأنه محزن في ذاته ولكن لأنه أريد به الجد فأحدث الهزل، ولما كنا لا نستطيع في الغالب أن نضحك من إخفاق آمالنا فإننا نبكى عليها ، فتخدعنا الدموع عن الحقيقة، ونتوهم أن الحياة في قصرها مأساة والحقيقة انها مهزلة كبرى!
وعند عودتي الى البيت بعد ضيافة وود وطيبة من بيت كريم ، ومع سياحة الذات ، اخذت صور الحياة تتجسم امامي ، فاحدنا يكون قادرا على التحدث، وبكافة المواضيع بطلاقة وانسيابية ، وأحيانا يتلعثم في الحديث وكأن الأفكار هربت من ذاكرته ، أحيانا يكون قادرا على مواجهة الناس في كل شيء، ويحصل منهم على ما يريد من خلال سحرهم بكلماته وأسلوبه اللطيف المتزن، وأحيانا أخرى يكون عاجزا عن تحقيق أبسط الأشياء، وعاجزا عن النجاح في أبسط المواقف.
في كل يوم لنا وضع جديد، وأحيانا في ساعة واحدة يتقلب المزاج، نفسيتنا ترتاح عند مشاهدة الكوميديا المضحكة والمسلية في التلفاز، وتكتئب وتحزن مع المشاهد الدرامية المحبطة والأناشيد الحزينة… تعبنا واكتئبنا، ولم نستطع الرسو على بر، وعلاقاتنا الاجتماعية مثل البورصة ، والكآبة تفوق الانشراح والاتزان..
في بعض الأحيان قد نمجد عملا من الأعمال لمجرد أنه توافق مع أفكارنا واستقام مع رأينا واستمزجه مذاقنا، فنحكم عليه بالتفوق والجودة، وقد يحدث العكس، فالتجرد من الميل الذاتي أمر مستبعد في حياتنا اليومية ، مع الاسف ، فما اتفق مع أهوائنا وخاطب ميولنا واتجاهاتنا، رأينا فيه صوابا وتفوقا وجودة، وما جاء مخالفا لذلك استشعرنا القبح فيه والسوء، فالمعيار الذي نحكم به على الأشياء من حولنا هو الذات ، وليس الموضوعية .
هي الحياة .. دولاب سريع الدوران ، بلا كابح ، ربما نفقد السيطرة في وقت عصيب ، فتضيع كل احلامنا ، ونجلس على رمال الانتظار قرب شاطئ السراب .. إنها صعود ونزول ومليئة بالعقبات حتى عند اللحظات الجميلة ، ومن المفرح ان لا ييأس المرء وان ينهض لينتصر على وحشها عندما يريد الفتك به ..
الإرادة القوية تصنع الحياة !