في واحة الديمقراطية ، الولايات المتحدة الامريكية .. عشرات الآلاف يخرجون يومياً ومنذ شهرين ، للإحتجاج على الرأسمالية المتوحشة ، وعلى ” النظام المالي والمصرفي ” على وجه الخصوص .. ويقولون انهم يمثلون 99% من الشعب الامريكي ، الذين يعملون ويكِدون ، في حين ان 1% فقط من كِبار الأثرياء من أصحاب البنوك والبورصات المالية ، يستحوذون على معظم الثروات ، من دون ان يمارسوا أي عملٍ فعلي !. لم يعد الأمر يقتصر ، على رمز الرأسمالية العالمية ، وول ستريت في نيويورك ، بل ان المناهضين للسوء البالغ في توزيع الثروات ، ينشطون في كُل الولايات الامريكية .. وحتى في معظم العواصم الاوروبية . شيئان سيجعلان هذه الحركة الإحتجاجية العالمية ، تتطور وتنجح في الحصول على مطاليبها المشروعة : الوقت ، والصبر والتحمل ! . إذ ان الإدارة الأمريكية تعاملتْ لحد الان بِكُل دهاء ، مع هذهِ الإحتجاجات .. وأبرز مظاهِر هذا التعامل .. هو الإنتقائية في نقل الأخبار [[ علماً ان أكثر من 90% من الإعلام العالمي والميديا مُسَيْطَر عليها مِنْ قِبَل هذه الفئة الثرية من الرأسمالية المتوحشة نفسها ]] .. وإظهارها كأنها حركات مُنعَزلة يقوم بها ، أفرادٌ غوغائيون ، متبطلون من شُذاذ الآفاق ، يُريدون تدمير المجتمع ! . لا بل حتى ان هنالك تعتيماً متعمداً .. فنشرات الانباء تتصدرها ، أخبار تافهة عن تنقلات نجوم الرياضة او فضائح الممثلين اوإحتجاجات صغيرة في دُولٍ طرَفية .. وتتجاهل في نفس الوقت ، مغزى خروج الملايين من جماهير الشعوب الامريكية والاوروبية ، يومياً وعلى مدى أسابيع .. للتظاهر والإعتصام ، ضد الإستغلال المُفرِط وضد لاعدالة توزيع الثروات .. وبالأخص ضد الفساد والنهب الذي تقوم به البنوك الكُبرى بالتحالف مع شركائهم من الحكومات الرأسمالية المسيطرة على مُقدرات العالم .
مَنْ مِنا لم يُشاهد في التلفزيون هنا وهناك ، سواء في الأخبار او الأفلام .. لقطات من [[ البورصات ]] ، حيث في قاعةٍ ، تضُم عشرات وأحياناً مئات من البشر المنهمكين بصورةٍ جنونية ، في مُتابعة شاشات كبيرة تظهرُ فيها أرقام متتالية مُقابل أسماء شركات ورموز ، تتحرك بسرعة .. وكُل فردٍ في هذه القاعة يتحدث بأكثر من تلفون وموبايل .. والكُل يصيح ويصرُخ .. وتأتيهُم الاوامر والتعليمات من متحدثيهم في الطرف الآخر .. بالشراء او البيع !. تستطيع ان تتخّيل ، ان الذي يُجيب على هذه الهواتف والتلفونات كُلها ، ويعطي الأوامُر .. شخصٌ يمتلك الملايين وحتى المليارات من الدولارات .. ولا يقوم بأي عملٍ ” فعلي ” .. ولكنه يتلاعب بالأسهم وبأسعار كُل شئ .. من القمح والشعير والطائرات حتى النفط والذهب .. ويهمهُ أمرٌ واحدٌ فقط ، وهو مُراكمة أرباحه بأي طريقة .. ولا يلتفت الى نتائج ذلك على الآخرين .. فإذا أفلسَ بنك أو إنهارتْ شركة ، أو عانى الفقراء من الجوع .. فذلك شئٌ لايعنيهِ ! . أعتقد ان ” سوق الأسهم والبورصة ” ، قد حّولتْ ” النقود ” الى سلعة يتم المتاجرة بها ، والمُضاربة .. وذلك ركنٌ من اركان النظام الرأسمالي .. فتصوّرْ ، شخصاً جالساً على مقعد وثير ، يشرب كأساً من الويسكي الفاخر ، مُمدِداً قدميه بِراحة ، وسط أصدقائهِ او صديقاتهِ .. فيرُنُ جرس التلفون .. ويخبره احد مُساعديه في البورصة : ان المضاربة التي قامَ بها أثمرتْ وان الأسهم الفلانية إرتفعتْ ، وربح من هذه العملية 200 مليون دولار ، مثلاً .. فينهي المكالمة مبتسماً ، ويرفع كأسه إحتفالاً بهذه المناسبة السعيدة ! .. خلال دقائق معدودة ، وبواسطة مكالمات معدودة ، وبكلماتٍ معدودة … يربح صاحبنا مئات ملايين الدولارات … والنتائج الجانبية باتتْ معروفة : إفلاس البنوك ، الأزمات الاقتصادية ، البطالة ، إرتفاع الأسعار ، الركود ، المجاعات … الخ . وكيفَ عالجَ الغرب ، هذه المعضلة لحد الآن ؟ بتقديم مئات مليارات الدولارات ، الى أصحاب البنوك الكبار ، لإنقاذهم من الإفلاس .. وبالضغط على الشعوب ولا سيما الطبقات الفقيرة والمتوسطة .. من أجل [[ التقشُف ]] ! .. وكأن كُل المشكلة متأتية من التبذير الذي يقوم به العمال والفلاحين والموظفين الصغار والكسبة . ليسَ غريباً ان تُسمى ” رأسمالية مُتوحشة ” . وليسَ غريباً أيضاً ، ان يكون العديد من الحُكام الفاسدين عندنا هُنا وشركائهم الطفيليين .. من المُعجبين بالرأسمالية المتوحشة ، ومُريديها والمُدافعين عنها !.
الرأسمالية المتوحشة
شارك هذه المقالة
اترك تعليقا
اترك تعليقا