د . علي عبدالحمزه
الدكتور الشيخ احمد الكبيسي نفض الغبار بكل موضوعية وبكل علمية عن أمور كانت معروفة للبعض ولكن لم يكن يؤخذ بها لأنها كانت تأتي وقتها من أناس ربما لم يرتقوا إلى مكانة الشيخ الكبيسي العلمية بما يملكه الرجل من شهادة عليا في الفقه واللغة (الدكتوراه) ، ولأنه كذلك فأنه بطبيعة الحال ينظر إلى الأمور بعين التحليل العلمي بعيداً عن المهاترات والمزايدات التي تنطلق أحياناً من منطلق ضيق لا يستمر تأثيره في المجتمع إلا لفترة ثم يطويه النسيان ذلك أنه ليس بتحليل وأنما هو مجرد أهواء وآراء أناس تحركهم العاطفه وينقادون بشكل أعمى للفكر الذي آمنوا به وساروا على هوى ما إعتقدوه .
أما الشيخ الدكتور الكبيسي فهو غير ذلك بالمرة ، أنه إنسان لايتكلم إلا عندما يكون واثقاً من معلوماته بأنها تستند إلى مايسندها ويجعلها مؤثرة في قناعة وسلوك المتلقي ، وهذه الصورة أثبتها الشيخ في البرنامج الديني الذي يستضيفه كل أسبوع في لقاء حواري تتخلله مداخلات هاتفية من متصلين يستفسرون عما ينقص معلوماتهم الدينية والتأريخية من على فضائية دبي ، في هذا اللقاء وجدنا إن الشيخ إستند في صياغة أجوبته إلى مصادر وكتب تأريخية في تحليل أخطر حادثة تأريخية عاشتها الأمة الأسلامية والفتنة التي أكلت نيرانها آلاف أرواح المسلمين حينما تمرد معاوية بن أبي سفيان والي الشام في عهد الخليفة عثمان بن عفان ،على الخليفة الرابع المنتخب من المسلمين علي بن أبي طالب ،الذي أصدر قراره بعزل معاوية عن منصبه لرأي رآه بصفته ولي الأمر لهذه الأمة وهو الأدرى بأصلح الرجال لتولي زمام حكم الأمة وقيادتها ، وعلى الأمة الأنصياع لما يقرره وتنفيذ اوامره إلتزاما ً بالآية الكريمة… أطيعوا اللهَ ورسولَه وأولي الأمر منكم .. أي إن الطاعة لأمر الخليفة هنا هي أمر واجب الألتزام به ذلك انه أمر رباني منصوص عليه في كتاب الله القرآن الكريم ، إلا أن معاوية بن أبي سفيان رفض الألتزام بهذا النص القرآني الذي يُفترض به أنه قرأه وإلتزم به لأنه مسلم على أقل تقدير إن لم يكن مؤمنا ًإلا أنه ربما شكك به طالما كانت نتائجه عزله من الحكم كوالي ، وبذلك كان من نتيجة هذا التصرف حدوث حربين طاحنتين بين المسلمين هما حرب الجمل وحرب صفين التي أدتا إلى ما أدتهما من نتائج غيرت مجرى تأريخ غيرت مجرى تاريخ الأمة الأسلامية نحو منعطفات خطيرة أثرت ومازالت آثارها قائمة إلى يومنا هذا ، وكل هذا تطرق إليه الدكتور الشيخ الكبيسي في برنامجه الديني من إن معاوية بن ابي سفيان هو من الطلقاء وهو السبب الرئيسي والمباشر في الفتن التي عصفت بالأمة الأسلامية بعد إغتيال الخليفة الثالث عثمان ومن بعد الخليفة الرابع علي بن ابي طالب وهو الخليفة المنتخب بأجماع الأمة وإنعطاف الحكم إلى آل أمية مبتدئا ً بمعاوية الذي غير آلية الحكم الأسلامي من نظام مبني على أساس الشورى إلى نظام وراثي كسروي قيصري وإدعى بأن الله اراد له هذا الحكم وألبسه إياه كقميص لايخلعه عنه إلا الله ، فعمل بكل الوسائل والسبل على التمسك به وإضفاء صفة الشرعية عليه وهو الذي وضع العهد أو الأتفاقية التي وقعها مع الحسن بن علي تحت قدميه بع أن نكث بيمين العهد الذي كان قد اُبرم بين الأثنين المتضادين ، وفي هذه النقطة يقول الدكتور الكبيسي إن معاوية قد أنكر الآية الكريمة .. إن العهد كان مسوؤلا …
من تصفح وقراءة ماقال به الدكتور الشيخ الكبيسي وماجاءته من ردود من المشاهدين الذين هالهم ماصرح به من إن معاوية هو المسوؤل الأول والأخير عن كل ماحدث للأمة من مظاهر الفتنة والأقتتال ، نرى إن الشيخ دافع عن رأيه بأستناده إلى أمهات الكتب التأريخية والمَساند ودعى كل من جادله في هذا الموضوع إلى العودة إلى هذه الكتب التي تعتبر من كتب أهل السُنة ليتثبتوا من الحقيقة وليعرفوا كيف يُمنح لقب صحابي ، فالصحابي وكما قال الشيخ الكبيسي هو كل من عاش فترة حياة الرسول الكريم وآمن به ،ولايصح أن تُطلق هذه الصفة على من عاصر تلك الفترة وآمن فيما بعد أي بعد فتح مكة ، أو كان من الطلقاء ، إذ ليس من المعقول والأنصاف أن نساوي بين من أسلم من قبل الفتح وقاتل وبين من أسلم من بعد الفتح صاغراً مرغماً بعد أن توسط له المتوسطون من ذوي الحظوة والكلمة والتأثير ، فمثلاً ليس من العدل أن تُساوى قيمة أبي ذر الغفاري وأبي الأسود الدؤلي والحمزة والعباس وكل الصحابة الذين ساندوا الدعوة الأسلامية وتحملوا ماتحملوه في سبيل إعلاءها ونجاحها وإنتشار الأسلام مع من حاربها وناصبها العداء من أول يوم دعوتها إلى يوم الفتح ، لأن أؤلئك قد علموا الرسالة وعملوا بها وهؤلاء قد أنكروا الرسالة من أساسها ( هل يستوي الذين يعلمون والذين لايعلمون ). إن ماقاله الدكتور الكبيسي وإن لم يكن جديداً للكثير إلا أن فيه من المعاني الكبيرة الكثير الكثير، فالشيخ أراد أن تتنور العقول بالحقيقة الناصعة المستندة إلى صدق الحديث ونزاهة الرواة الذين كتبوا الحقيقة مرضاة لله دون خوف من أحد ودون تملق لسلطان طمعاً في دراهم معدودةن أراد الكبيسي أن لاتصدق العقول ماتكتبه الأقلام المأجورة وتصرح به حناجر وعاظ السلاطين . والشئ الأهم هو ما أراد إيصاله من فكر إلى الشباب بالذات من إن الفرق بين الروافض والنواصب كما قال هو فرق وضعي جعله من ركب قيادة الأمة زوراً وبهتاناً حقيقة ً دامية خدمة لأهدافه ومصالحه التي حصرها في بني قومه وجلدته وأهله ، فمعاوية الذي ملك رقاب المسلمين كان قد خطب بالناس حين تأمر عليهم وخلا له الجو من أنه تأمر عليهم لا ليأمرهم بصلاة وصوم وحلال وينهاهم عن منكر وحرام إنما ليتأمر عليهم وحسب . إن أية قراءة لتأريخ حكم معاوية وكما قرأها الدكتور الكبيسي نجد فيها الحق وتستحق الوقفة والمساندة لأن فيها من الصدق الذي يأبى البعض الأقرار به لغشاوة ابصارهم وغلف قلوبهم . لقد تحمل الدكتور الكبيسي مسوؤليته كعالم عليه تنوير الأمة وتبصير الناس وتشخيص الأخطاء والعلل بمايُبعد الشك ويصفي النفوس وينقلها ليجعلها تسير واثقة الخطى بأيمانها ومعتقدها . ويبقى الموضوع الأجمل في هذا الموضوع هو قول الكبيسي إنه يأمل أن لايُفسر موقفه هذا على إنه أصبح (رافضياً) لأنه من مدينة (نواصب) ولكنه رأى إن التمسك بسنة الله ورسوله ومنهج اهل البيت هو السبيل الوحيد للخلاص والأقتناع وهو الذي دعاه أن يدعو ربه إلى أن يحشره وكل المعتدلين مع علي بن أبي طالب لأنه وكما قال الدكتور (بتوعنا) وبتوع كل من أنار الله قلبه وهداه إلى رؤية الحق حقاً فسلكه والباطل باطلاً فأجتنبه . إن الدكتور يتعرض الآن إلى هجمة حاقدة من الأقلام المأجورة ، الأقلام القرضاوية والعرعورية الهوى ، والكل مدعو دون إستثناء ممن يحملون في ذاتهم الضمير الحي والنقي إلى أن يقفوا موقفاً واحداً في دعم ومساندة شيخنا الدكتور الكبيسي لا لسبب ، إلالأنه عراقي أصيل بتوع كل العراقيين .