تحقيق : تحرير الساير
انهالت دموعه حزنا والما وهو ينظر الى نخلاته التي أخذت تتهاوى واحدة تلو الاخرى أمام عينيه فهذه النخلات التي ولد وكبر تحت ظلالها لم تغرس في أرضه بقدر ما غرست في مسامات جلده ، ولطالما وقفت معه عندما تخلت عنه الحكومات لتعيل عائلته وتشبع جوعهم بثمرها حتى أجبرته عجلة الحضارة على التخلي عنها بعد سنوات تجاوزات الثمانين عاما وهو يقول : هذا البستان ورثته من أجدادي وربما تاريخه يمتد لالاف السنين ومن الصعب جدا أن اراه يتهاوى ويتقطع أمام عيني بألات يتصدع لصوتها قلبي قبل أذني فهذا البستان مصدر رزقنا ورزق الاف الحيوانات التي تأكل من ثمارها فليس من السهل التخلي عن تلك الاشجار التي أعتبرها جزءا من عائلتي.أبو جاسم وعشرات الفلاحين غيره يواجهون خطر ابادة النخيل الذي يتفشى في معظم قرى المحافظة ، وهم يقفون مكتوفي الايدي امام التجاوزات التي تتعرض لها بساتينهم والتي تساهم في اضاعة رونق القرى وجماليتها التي أذهلت عقول الشعراء حتى تغنوا بها وأشادوا بمنظرها الذي طالما بقي بيتا لايواء عشرات العصافير.
ويشير الكثير من المختصين في بابل الى ان عمليات الابادة التي تتعرض لها اشجار النخيل في المحافظة ناتجة عن عمليات الاعمار التي شملت الكثير من القرى و يؤكد المهندس الزراعي فلاح كريم الى أن تجاوزات الفلاحين على البساتين ادت الى الاطاحة بالنخيل. قائلا: بعد تدهور الواقع الزراعي في المحافظة وانتشار ظاهرة التصحر في القرى بسبب شحة المياه وعدم مكافحة الاوبئة أدى ذلك الى هجرة الفلاحين الجماعية الى المدن للعمل هناك وبالتالي قاموا بقطع بساتين النخيل المنتشرة في اراضيهم واستثمار الاراضي لاغراض تجارية فبعضها تحول الى محال لبيع المواد الانشائية ،وغيرها من المحال التجارية .
فيما يؤكد عضو مركز المرآة لمراقبة وسائل الاعلام فاضل الطائي “الى أن بعض الفلاحين قسم الاراضي التي يمتلكها وقام ببيعها لاغراض السكن وبذلك تحولت معظم الاراضي الزراعية في قرى بابل الى مدن صغيرة وهذا الامر يعد تجاوزا خطيرا على البيئة علما ان معظم البنايات في القرى لا تخضع لتصاميم وخرائط عمرانية منظمة بل انها تكون بشكل عشوائي وتتركز على جانبي الشوارع المبلطة تكون تلك القرى بعيدة عن المركز ، وخلال السنوات التي تلت سقوط النظام انتشرت ظاهرة بيع قطع الاراضي الزراعية باسعار خيالية نتيجة لعمليات التهجير التي تعرضت لها بعض العائلات الساكنة في المحافظات التي شهدت نزاعات طائفية وعمليات ارهابية واجبرت المواطنين على شراء قطع الاراضي بأي مكان كان لمجرد العيش ، وبذلك تكون التجاوزات التي تعرضت لها بساتين النخيل في قرى بابل ناتجة من عدة أسباب تتمحور معظمها على فشل الحكومات.مضيفا “أن الكثير من أشجار النخيل تعرضت للقطع بسبب عمليات الاعمار التي نفذت في معظم قرى الناحية خاصة مشاريع مد طرق داخل القرى حيث هذه الطرق تأخذ في طياتها العديد من اشجار النخيل وقد تتجاوز تلك الاعداد المئات ، مشيرا الى أن معظم الفلاحين الذين خسروا بساتينهم بسبب ذلك لم يعوضوا من قبل الحكومة المحلية في بابل ولم تنظر في أمرهم الوزارات المعنية مؤكدا على ان تجاوز الحكومة المحلية على مصادر عيش الفلاحين في بابل أمر لا يمكن السكوت عنه، فبعد تدهور الزراعة في جوانبها المختلفة لم يعد أمام الفلاحين إلا أن يتوجهوا نحو الاهتمام بالنخيل والان جائت عمليات الابادة التي ادت الى خسارة العديد من الفلاحين في المحافظة بساتينهم بشكل عام.