ياسمينة حسيبي
إن المرحلة الراهنة بكل ما حملته من تغييرات في العديد من الدول العربية حتّمت وما زالت تحتّم إصلاحات دستورية وقانونية واجتماعية تهمّ الرجل والمرأة على السّواء،
وقد رأينا وبكل الاعجاب والفخر، وقوف المرأة في أول الصفوف للمناداة بالتغيير والديمقراطية وكانت مشاركتها دليلا قاطعا على نضوجها السياسي والاجتماعي إذ لم تكن المرأة في هذه الثورات أمّا وأختا وابنة فحسب بل كانت ندّا للندّ مع الرجل، تحمل نفس اللافتات وتنادي بنفس الحقوق وتعاني ما يعانيه الرجل من ظلم وإجحاف .
لقد اندهش العالم من إصرارها الذي فنّد كل المزاعم الغربية المقلّصة لدورها وحجمها في المجتمع العربي، فسمعنا ورأينا بأم العين نساءًا وشابات يخضن المعارك المصيرية حدّ إِراقة دمائهن وسحْلهن في الشوارع ورأيناهن يلعبن دورا بارزا في محاولات متنوعة لإعادة تشكيل النّظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الوطن العربي من خلال الكلمة الحرة والتجمعات والمظاهرات السلمية.
لكن وللأسف، نشهد اليوم (وبعد ما سمّي بالثورات) تهميشا للدور الذي قامت به المرأة واستبعاداً لكفاءاتها بعد احتكار التيارات الإسلامية للساحة السياسية لدرجة أن حضورها انعدم (تقريبا) في البرلمانات والحكومات الجديدة وبات تمثيلها في المجالس الشعبية حبرا على ورق بل ذهب الكارهون لحرية المرأة (مصربالخصوص) للمطالبة بإلغاء بعضا من الحقوق التي اكتسبتها خلال سنوات من النضال بجهد جهيد.
إن فرض التيارات الاسلامية السياسية ” للشريعة بمفهومِها الضيّق” في المجتمع العربي الجديد، سيقزّم أكثر من دور المرأة وسيكون وبالاً عليها ليقودَ حتْميا الى مزيدٍ من الإجحاف في حقها.
فالمرأة، يجب ان تُمنحَ نسبةً مهمة من المقاعد البرلمانية وأن يكون لها الحق في تكوين أحزاب سياسية حقيقية تشارك في اتخاذ القرارات المصيرية التي تهم الوطن مثلما تنص على ذلك قوانين الثمثيل النسائي في الحكومات بكل البلدان العالمية.
ومن المؤسف حقا أن بعض الشباب الذين خرجوا للمطالبة بالتغيير والديمقراطية والكرامة ما زالوا ينظُرون للمرأة نظرة سطحية وسلبية يستمدونها بالخصوص من أعراف وتقاليد ما زالت تنخر كيان المجتمعات العربية.
ولن ننسى منظر بعض الشباب ” “المتأسلمين” في ميدان التحريربالقاهرة وهم يسيئون معاملة الشابات اللواتي خرجن للمشاركة في الثورة باسم ” الشريعة والتقاليد”، ولن ننسى أيضاً “سحْل” العسكر للشابات في الشارع، وهو ما يدلّ على انتقاص سافرمن كيان المرأة كإنسان ورفض لوجودها كفرد فعال له دور مهم في تغيير المجتمع.
فهل يعقل ان يصادر الرجل العربي (بغض النظر عن انتماءاته السياسية) مكانة المرأة في الفضاء العام العربي؟
وهل يعقلُ ان تعود المرأة الى البيت لتكنس وتطبخ وتنجب الاطفال (فقط) بعد أن أصبحت طاقة ابداعية منتجة اجتماعيا واقتصاديا مثلها مثل الرجل .. ؟؟
ورغم ما يشاع من إيجابيات لنجاح التيارات السياسية الاسلامية في المجتمع العربي إلا أننا نعي تمام الوعي (رجالا ونساءا) بأنّ تمكّن الإسلاميين والسلفيين من السلطة في أي بلد عربي سيعود بالمرأة -خصوصا- الى الوراء قرونا من الزمن.
وحينها لن يسع حوّاء العربية سوى التأسّف على رفاعة الطهطاوي والشيخ محمد عبده وقاسم امين وكل التنويريين في عصر النهضة الذين دافعوا عن حق المرأة في المساواة مع الرجل كرامة وحرية ودستورا وتعليما.
ويبقى السؤال الأهم هو : كيف يمكن أن يتحقق التغيير في مجتمعاتنا العربية فقط بنصفها دون النصف الآخر ؟
وكيف يمكن لأي رجل (بغض النظر عن توجهاته السياسية) أن يضع أسس الديمقراطية في الوطن وزوجته وبناته في البيت ممنوعات حتى من أبسط حقوقهن ؟
وأخيرا، أتساءل ما إذا كانت المرأة التي أدْلت بصوتها للإسلاميين والسلفيين قادرة – بعد ذلك – على الحصول على حقوقها (على الأقل) من منظور “حقوق الإنسان” ؟
انتهى