عزيزة رحموني
كتابة تتعارك مع الواقع تتوخى التعبير عن هموم القاص و المتلقي معا…قد تكون شاعرية و قد تكون وصفية ، قد تكون مرة ساخرة و قد تكون حكيمة او متسربلة بروح التراث…في كل الاحوال انها “سرد” يسبر مناحي الحياة و يعكس رؤى الانسان المبدع …انها القصة القصيرة جدا التي نسائلها اليوم عبر النقط التالية :
/ الق ق ج محاولة للقبض على لحظات شديدة التعقيد بكل ثقلها في ومضات ، تكشف شغف السارد
للشكل اللغوي /للتعبير الواخز/الحكائي المختزل/اللعب السردي…هل كتاب الق ق ج يحاولون بذلك البرهنة على ان التكثيف قادر على رصد تحولات الواقع كما الرواية مثلا أم أنّ الامر لا يعدو ان يكون شكلا تعبيريا “خفيفا” بما انه لا يتطلب حيزا زمنيا للكتابة يخرج الكاتب من دائرة الحياة اليومية الرتيبة و الكلام الحشو ؟
= الرد الاول جاء من مصر على لسان الدكتور القاص شريف عابدين الذي قال:
الق ق ج التقليدية يجب أن تلتزم بكل أركان السرد (المقدمة والعقدة والحل) بالإضافة إلى التعبير الحسي مثلما المشاهد/اللقطات السينمائية ويجب التأكيد على تفادي الإسلوب الإخباري.
هذه الالتزامات يمثل الوفاء بها تحديا للكاتب، بالطبع تخضع لبعض التعديل على خلفية الحجم المقتضب مثل اختزال المقدمة والدخول مباشرة في الحدث واستخدام تقنيات التكثيف والاضمار والإيحاء والتجريد ناهيك عن الرمزية والتناص.
التكثيف مجرد آلية وحيدة، الأهم هو الهيكل السردي.
التعريف الأحدث للق ق ج: تعبير عن لحظة يقظة شعورية غالبا ما ترتبط بإدراك مشاعر سلبية، تولد توترا ورغبة تحفيزية لإنهاء تلك الحالة.
الومضة هي أحد الأنماط العديدة للق ق ج ولا يمكن أن تمثلها إجمالا.
ليس شغفا بقدر ما هو تحدّ يفرض على السارد التعامل بتقنية احترافية خاصة تتطلب جهدا مضاعفا.
الق ق ج كائن مستقل متكامل مثلما الرواية، الفرق بينهما إلزامات الحجم لكنهما يضطلعان بنفس الدور، تخيلي أن يساوى تحقيق الإنجاز السردي للانتقال من الألف إلى الباء مثيله في الانتقال من الألف إلى الياء (نفس الهدف المتعة والمعرفة)
ليست برهنة بقدر ما تمثل من تحدّ يعتمد القدرة على توظيف التقنيات الخاصة بالقص القصير جدا،.
نعم في الحالتين تناول تحولات الواقع، تلك هي الثيمة الواحدة في النمطين السرديين
ليس استسهالا، بالعكس هو رهان على الخيار الأصعب، والكاتب لم يختره بقدر ما فرض نفسه كتطور طبيعي للفن السردي والواقع القرائي وإيقاع العصر.
أؤكد لك أنها تمثل المستقبل السردي، وأتوقع أن تكون الق ق ج هي الوحدة البنائية لباقي أنواع القص المتعارف عليها (الرواية والقصة القصيرة)
= أما ردّ القاص و الناقد المغربي حميد ركاطة فكان:
بداية شكرا لك أستاذة عزيزة على هذا الحوار الذي أتمنى أن تكون فيه إضافات ، ونحن ندردش حول عالم القص القصير جدا .
بخصوص سؤالكم الأول أعتقد أن هناك أن هناك اختلافات في بنية فرضتها نظريات الأنواع السردية بين الق الق جدا والرواية . لكن هناك بعض التقاطعات بخصوص هدف كل منهما . القصة تحاول محاكاة العالم وضغطه في اشراقاتها وومضها وكثافتها وحذفها وإضمارها ..وهي تحول جزيئات من لحظات هاربة ببلوغها لذروة الحدث العاصف ، لكن في الرواية نجد الانسياب والتداعي الحر والتضمين المتعدد ، والتفصيل ..فالرواية هي فن التفاصيل بامتياز . لكن هذا لا يمنع القول بأن الق الق جدا ليس على درجة كبيرة من الصعوبة كما يعتقد من يستسهل كتابتها ،فالاستسهال ضربة قاضية لها ، لأنها تسقط في الرداءة والابتذال .
= بينما جاء ردّ القاص المغربي حسن برطال كما يلي:
بالنسبة لكاتب القصة القصيرة جدا في نظري لا يكون دوما أمام حقائق علمية تستوجب منه
أدلة و براهين.. وليست لديه أسرار يخفيها عن القارئ بحجج و بيانات لأن الثرثارين هم أشد
الناس حرصا على الأسرار فهم يتكلمون كثيرا و لا يقولون شيئا .. فهو على الدوام أمام
( كوجيطو) إبداعي بعمق و دلالة فلسفية تتحدى القوانين، و هنا أشير إلى ( التكثيف ) بمعنى
إخضاع النص إلى قوة ضاغطة ليتم انصهار الكلمات و سكبها في قوالب جديدة لنحث أشكال
مختلفة صورتها السابقة لتناسب ( حداثة ) الحدث ..لأنه في محاصرة النص و تضييق الخناق
على الشخصية و اختزال زمن السرد رفع من قيمة التركيز..” كلمت ضاقت المساحة ارتفع التركيز “
و من هنا يمكنني القول بأن ( التكثيف ) الناتج عن ضغط ميكانيكي يُمارس على الكلمات هو ( طاقة )
أكثر مما هو آلة من آليات الكتابة وبما أن الطاقة و المادة هما وجهان لعملة واحدة…الماء / البخار..
الكلمة / المعنى ..لا يمكن للتكثيف أن يكون ملاذا أو باحة استراحة على جنبات مسالك القصة
القصيرة جدا لكونه قوة انفجارية يولدها احتكاك( المادة / الكلمة ) في صورة ( ميكرو سرد )
كالذرة التي هي أصل الكون ..و ( القنبلة ) الذرية التي تنسف مدينة ..لكن القصة القصيرة جدا
تبدع عالما من الكلمات ../
= اما القاص المغربي عبد الغفور خوى فيقول:
القصة ق ج شكل لغوي وسردي تعبيري يختزل نصا أطول عبر التكثيف. المساحة النصية الشاسعة هنا تتراجع لصالح الإضمار الذي لا يخل بالمعنى والرهان، بل يروم خلق توتر ودهشة عبر أسلوب دقيق وكلمات مختصرة لتشكيل نص مختصر شكلا شاسع دلاليا..
سالتهم ايضا:
/ هل لديها معايير مقدسة ؟
= اجاب القاص المصري شرف عابدين:
” نعم الحد الأدنى من السرد انعكاسا على الزمكان والشخصيات مع ضرورة التأكيد على الحركة السردية للتفريق بينها وبين قصيدة النثر، على الأقل لابد من شخصية تحمل داخلها التوتر والرغبة تندفع لتحقيق هدف معين.”
= القاص المغربي حسن برطال يرى ان:
“فعلا ..هناك معايير ( مقدسة ) للقصة القصيرة جدا و ( الشاعر ) توابيت هذا المقدس
و القصة القصيرة جدا لا تخرج عن هذا الإطار بطقوسها التي تميزها عن باقي الأجناس
الأدبية كما هو الشأن بالنسبة لعالم ( الأديان ) ..
القصة القصيرة جدا حينما وجدت في ( السرد الدائري ) غذاءا روحيا اعتنقته و تخلت
عن السرد ( الخطي ) ..و في بلورتها للانزياح المجازي و تحويله إلى انزياح ( واقعي )
أكدت شرعية المعتقد..و هذه أشياء يعتبرها كاتب القصة القصيرة جدا من المقدسات
لا يُسمح المساس بها..”
= بينما القاص المغربي عبد الغفور خوى يرى:
” القصة ق ج إبداع فني، بشري لا يرتهن لمقدسات شكلية ولا لتنميطات تعلبه في منتوج له شكل محدد. صحيح أن هناك معايير يجب توفرها في ق ق ج كالدهشة والقفلة والحذف والإضمار والانزياح وكل الباقيات الصالحات، لكن هذه معايير وضعية يمكن التضحية بها في حالة السمو بالقص القصير ج نحو الأحسن.”
= اما القاص المغربي حميد ركاطة فقال:
” أعتقد أن هذا الأمر فيه اختلاف كبير بين الكتاب والنقاد .ويظهر من خلال ابداعاتهم أن هناك مقومات تنهض عليها ومعايير غير قارة تتغير بتغير تلوينات كتاباتهم وتضميناتهم وتجريبهم كذلك في اللغة والجملة القصصية …ففن الق الق جدا في نظري يرفض التقييد والتعقيد الدقيق ..وأعتبرها ضد المقدس لأنها تمارس الهدم والبناء وثائرة ، فهل يمكن الحديث عن المقدس في الابداع الانساني ؟ لو كان الأمر كذلك لكنا طوينا الصحف وسلمنا الأمر للكهنة ..”
عن سؤالي الموالي:
/// يطيب لنا ان نقول ان الق ق ج رغم ضيق حيزها فمداها رحب فسيح و هي “لعوب جدا” ،مراوغة، شديدة الغواية …بهذه ” القيم” هل يمكن للق ق ج ان تخلق عمقا ادبيا بقيمة ابداعية تحمل التداعيات الانسانية بكل ابعادها السوسيو ثقافية ؟
= اجاب الناقد القاص حميدركاطة بما يلي :
” قد لا نستغرب من كونها كذلك ، وإلا لكان موتها في مهدها .إن العمق الذي تكتب به يجعل أبعلدها ابلغ وأكثر أثرا . لقد قرأت العديد من الأعمال القصصية القصيرة جدا ، وقد أثارتني المجالات التي اخترقتها والقلق الذي يلف كتابها ، والتخوم الابداعية التي وصلتها . فهي بالفعل ذات أبعاد انسانية وسوسيوثقافية ففي القصة لاتحد بل ذات طبيعة هدامة للقيم البائدة وللثابت والجاهز من الأحكام . ساخرة منتقدة تروم إعادة بناء ما تلاشى من قيم إنسانية خيرة “.
= كما اجاب المبدع حسن برطال :
” البعد السوسيو ثقافي هو قبل كل شيء موروث و مخزون و ما ( البعد الثقافي )إلا شحنة تدفع به إلى السطح ( استسطاح ) المعنى ..أما المسار فتتحكم فيه جغرافية المكان كالانحدارات و المرتفعات..
و هذه التضاريس بطبيعة الحال كلما اتسعت المساحة كلما اختلفتْ و تنوعت و هذا سيف دو حدين
بقدر ما يُخيرنا فهو يُحيرنا كتعدد الأغراض و عدم وحدة الموضوع لكن في المكان الضيق يكون الأمر
مختلفا لأن الاتجاه ( الواحد ) يضعنا أمام الخيار ( الواحد) يعني وحدة الموضوع و هكذا و نتيجة ثقافة
الحذر نجد أنفسنا أمام مساءلة الذات الإبداعية لمواجهة الوجه اللعوب المتملص و ما تدسه أيضا
كلمة ( لعوب )/ متمنع من إثارة تشدك و تزرع في الوجدان عواطف جياشة و حتى المراوغة في
حد ذاتها عملية استفزازية تنتزع ردود فعل حتى لا يكون ( البوح ) من فراغ.
= شريف عابدين القاص المصري اجاب:
” نعم يجب أن يكون مداها رحبا وأن تكون لعوبا وذلك يوازي جذب القاريء لمطاردتها أو قراءتها حتى النهاية في عصر الملل وذلك ينطبق أيضا على المراوغة.
كل ما ذكرت هي أدوات للوصول إلى الهدف “خلق العمق الأدبي، بقيمة ابداعية تحمل التداعيات الانسانية بكل ابعادها السوسيو ثقافية”
وأضيفي إليها أيضا إشباع المتعة السردية للمتلقي
بالنسبة للحجم يمكنك مقارنتها بالسهم؛ كلما كان السهم أقل سمكا كلما صار أكثر نفاذا
الرحابة: هل يعبر الأحمر عن الدم أم أداة المكياج أم الخجل أو حتى غروب الشمس؟
اللعوب المشوِّقة تغري بالمطاردة
المراوغة: تثير غريزة التحدي
الغواية: هي القدرة على الجذب في اتجاهها
ما هي التداعيات الإنسانية الأشمل: مواجهة الحالة المزرية للواقع: عدم الامتلاك وعدم القدرة وافتقاد الكينونة المرجوة
الأبعاد السوسيو ثقافية: لا تختلف كثيرا في المنظور الإنساني العام بقدر ما تلزم الكاتب بتلوين مادته السردية بأصباغ بيئته
الق ق ج ابتدعت لتحقق كل ما تفضلت بالإشارة إليه! “
= كما جاء ردّ عبد الغفور خوى القاص المغربي:
” يمكن للقصة ق ج أن تخلق عمقا أدبيا بقيمة إبداعية إذا كانت مطبوعة غير مصنوعة، إذا كانت صادقة في تناولها للإشكالات الإنسانية، بعيدة عن الكتابة المتعجلة التي لا تنبني على إبداع حقيقي، والتي تعوض القيمة الإبداعية بالتلغيز واستعمال غريب الكلام في تحد صارخ للمتلقي الذي يجد نفسه أمام طلاسم لا تفك شفرتها”.
المغرب