د.عبد الجبار العبيدي
كل الامثال العراقية القديمة تطرح حلولا اجتماعية ونفسية لمستقبل الانسان في العراق ، والمثل العراقي القديم
الذي يقول( اللي ما نفعني بشدتي ما ريده يوم ردات التراب) يدل على تأصيل فكرة الوفاء عند العراقيين. يبدو ان العراقيين اليوم هم الوحيدون الذين يجهلون تراثهم وبلدهم وشعبهم ارضاً وانسانا حين هرولوا خلف من لم يقف معهم في شدتهم يوم عبثت بالعراق الصنمية والاحادية الفكرية والدكتاتورية المقيتة التي ذهبت بلا رجعة.وحين حلت الواقعة ورأى الجيران بصيص الامل يدنو من العراق فتحوا لهم صدورهم ليتلقفوا القادة الجدد الذين ما حسبوا يوما ان يكونواهؤلاء الامراء او والسلاطين الا اخوة لهم ناصحون مؤازرون،فأنفتحوا لهم يوقعون المعاهدات والاتفاقيات التي بها اخذت الارض واستغل النفط والمال،وحين صحى البعض اليوم اخذ يعض النواجذ على ما فعل ولكن بعد فوات الاوان،ولو علم الشعب العراقي ما اخذ منه اليوم من ارض ونفط ومال لثار يمزق علامات الحدود واسيجة الكونكرت التي بنوها اغتصابا من وطنهم العراق.
يقع العراق بين منطقتين تقل فيهما المواردالطبيعية قديماً،اذ تحده من الشمال والشمال الشرقي مناطق جبلية ،ومن الغرب والجنوب الغربي المناطق الصحراوية.ان هذه الظاهرةهي التي جعلت العرب يسمون سهل العراق الجنوبي بالسواد لخضرته بين دجلة والفرات مما جعله محط الانظار عبر الزمن.فالعراق وحدة واحدة ومن يدعي بأن الشمال كردي الأصل فذاك وهم عاش في رؤوس الطامعين.
.
من هنا ساورتني فكرة ، هي ان نعرج على تسمية العراق القديم، ومجتمع العراق القديم،وشخصية العراقي القديم، وأمثال العراق القديم، لنستق منه الامل القادم ولماذا سمي عراقنا بالعراق؟ ومن هو شعبهم؟ وكيف صنع تاريخهم ،؟ولماذا هذا التبعثر بينهم؟،ولمَ دوما يفضلون الاجنبي على ابناء جلدتهم؟،ينظرون اليه بهالة الاحترام ،ويتركون ابناء بلدهم وكانهم الغرباء عنهم؟وهل ان امثالهم القديمة جاءت تلقائيا منهم ام ان لها معنىً وعضة في تاريخهم؟ وهل هناك نقص في شخصيتهم،ام انفتاحا اكثر مما تعارفت عليه الشعوب في تقدير الاخرين واحترامهم ؟ اسئلة محيرة تحتاج الى بحث علمي جديد ورصين، من اساتذة علم الاجتماع في كليات الاداب في الجامعات العراقية لنقف على هذه المساوىء التي ترافقنا نحن كعراقيين اليوم ولم تعد كتابات الوردي وغيره من العراقيين بكافية لتشخيص هذا المرض العضال القتال الذي نحن به واقعون،ولا من اطباء يداوون.
وانا اعترف رغم ما املك من وثائق ومصادر وخلفية تاريخية عن العراق القديم ،لكني لست قادرا بالاجابة على هذه الاسئلة المهمة لاني لست من المتخصصين بالتاريخ القديم؟ لذا سأستعين بأراء المتخصصين فيه، وممن كتبوا عن العراق ، ولنبدأ بالتسمية فنقول:
كتبت الباحثة العراقية في تاريخ العراق القديم الدكتورة أزدهار العبيدي اطروحتها التي نالت بها شهادة الدكتوراه من جامعة طرابلس الليبية بحثا في هذا الموضوع والتي تٌدرس هذا الموضوع اليوم في المعاهد الامريكية ،سنحاول ان نقتطف منه ما كتبت بخصوص التسمية آولاً مع التصرف فنقول:
عُرف العراق القديم بعدة اسماء خلال تاريخه الحضاري الطويل.ويجدر بنا ان نذكر بعض منها ليتعرف القارىء العراقي من اين جاءت كلمة العراق وماذا يقصد بها؟
تقول الباحثة” هناك ثلاثة اراء يقدم اصحابها اصلا ومعنىً لكلمة العراق، أصحاب الرأي الاول يعتقدون: ان كلمة عراق عربية الاصل ومعناه الشاطىء،فالبلاد القريبة من البحر هي عراق ،هي كذلك لاحاطة نهري دجلة والفرات بها.ويرى اصحاب الرأي الثاني انها جاءت من الجبل ،لان المنطقة الشمالية والشرقية تحتضنها الجبال من كل جانب .ويعتقد اصحاب الرأي الثالث ان كلمة العراق ترجع في اصلها الى لغة قديمة ،أما ان تكون سومرية ، اومن الساميين الذي استوطنوا السهل الرسوبي الجنوبي في عصور ما قبل الميلاد(4500 ق.م)،وهم يعتقدون ان الكلمة مشتقة من أوروك أو أنوك،التي تعني المستوطن بلغتهم القديمة،وهي الكلمة التي سميت بها المدينة السومرية المشهورة الوركاء،أو ان الكلمة نفسها تدخل في تركيب اسماء عدة مدن قديمة مشهورة مثل مدينة آور السومرية في جنوب العراق”.
ان هناك رأي اخرا يقول: ان اصل الكلمة اجنبيا وتعني(ايراء) بمعنى الساحل باللغة السومرية القديمة، وقد عربت الى أيراق ثم عراق. وهذا الرأي يوافق ما جاء به الباحث الاثاري (هرتسفلد) من جامعة ميشكن الامريكية ، ان كلمة عراق معربة من( أيرك)التي تعني البلاد السفلى .لكن الثابت كما تدعي الباحثة ان اول استعمال لكلمة عراق وردت في العصر الكاشي في وثيقة ترجع في تاريخها الى القرن الثاني عشر ق.م. وجاء فيها اسم الاقليم على هيئة أريقا الذي صار على ما يرى العالم الاثاري (أولمستد) هي الاصل العربي لبلاد بابل.
لكن المتتبع لكلمة العراق يرى ان الكلمة دخلت باستعمالات متعددة ومختلفة وان العراقيين القدماء لم يطلقوا مصطلح أوروك على أرض الرافدين او جزء منها،بل كان ملوكهم في عصر فجر السلالات يلقب كل منهم نفسه بلقب حاكم المدينة التي يحكمها لكونهم متحدون وموحدون في علاقاتهم السياسية. وفي حدود ذلك الزمن ظهر مصطلحان احدهما بلاد سومر للقسم الجنوبي من السهل الرسوبي،والثاني بلاد آكد للقسم الاوسط من ذلك السهل وظهرت فيما بعد تسميات جغرافية سياسية اخرى منها بلاد بابل وبلا اشور ،كما استخدموا كلمة كالدَية نسبة الى الكلدانيين الاراميين.
وما بين القرن الرابع والثاني قبل الميلاد ظهر الاستعمال اليوناني لمصطلح( الميزوبوتاميا) أي بلاد ما بين النهرين وهي تسمية اغريقيةالاصل.ولعل اقدم استعمال لهذا المصطلح ورد في كتاب المؤرخ الشهير يوليبوس في القرن الثاني ق.م ثم عند المؤرخ الشهير سترابو حين أطلقه على الجزء المحصور بين دجلة والفرات من الشمال الى حدود بغداد الحالية تقريبأً.
وظل المؤرخون يبحثون ويختلفون في التسمية حتى استقر الرأي التاريخي العلمي على تسمية العراق كله (ببلاد ما بين النهرين او بلاد الرافدين) ،ومهما يكن من امر فعندما ترجمت التوراة الى اليونانية ودخل هذا المصطلح الى اللغات الاوربية أتسع مدلوله من اطلاقه على العراق الشمالي من بلاد الرافدين الى العراق بأكمله.
البحث في هذا الموضوع يحتاج الى غاية الدقة في المعلومة التاريخية حتى لا يقع الباحث في خطأ التقدير.اغلب النصوص التاريخية التي اطلعت عليها ،ترفض رفضاً باتاً، ان العراقي عاش مبعثرا في مجتمعه ،لكنها تُجمع على انه نشأ موحدا نتيجة وجود النهرين الخالدين دجلة والفرات وما يجلبان من الطمى لارض الخصوبة التي وفرت لهم مصادر الرزق الوفير ،الذي ادى الى التضامن العائلي الواحد ،ويقصد بالعائلي العشيرة ثم القبيلة التي باتحادها مع القبائل الاخرى ضمنت سلامته من الاعتداءات الخارجية التي كانت في غالبيتها من حدوده الشرقية، لان الدولة الفارسية القديمة ظلت تتطلع للاستحواذ عليه حتى ضمته اليها منذ عصر مبكر على عصر الميلاد، ولم يتحرر منها الا بمجيء الاسلام اليه الذي انهى النفوذ الفارسي في النصف الاول من القرن السابع الميلادي الى الابد ،ولكونه مكشوفا فقد لازم الحذر والخوف نفسية العراقي على مر التاريخ وظلت فارس تتطلع لأحتلال العراق الى اليوم.
لكن البعض الاخر يرى رأياً مخالفا لذلك، .يرى ان الشعب العراقي ليس شعبا واحدا ،بل هو مجموعة من الشعوب بقوميات مختلفة ،بمذاهب مختلفة،بأعراق غير متجانسة ،عاشت سوية على هذه الارض التي سميت عراق.وأندمجت على اساس اجتماعي ،وهذه هي طبيعة الانسان ،ولكن ظل الولاء للقومية او العرق او المذهب قبل الولاء للارض.وربما يكون هذا الرأي له اعتراض سياسي وقومي ، لكنني استنتاجاً،هكذا ارى طبيعة هذا الشعب مما قرأناه عن الذين يكتبون.ان هذا العامل لم يطبع الشعوب الاخرى التي على شاكلته بما طبع عليه العراق كما في استراليا والولايات المتحدة الامريكية ونيوزيلاند الحالية.
عوامل عديدة ساعدت على تكوين شخصية الفرد العراقي وطبيعته وصبغها بصبغة العنف والقسوة احيانا ،والخضوع والمزاجية أحياناً اخرى.مما جعل الشخصية العراقية مزيج من الازدواجية المفرطة بين حماسة ثائرة وبين هادئة يائسة .ومن اجل معرفة جزئيات هذه الطبيعة لا بد من دراسة عامل البيئة اولا:
كان لعنف فيضان النهرين الخالدين المبكر -دجلة والفرات- أثر في ان يعيش العراقي القديم هاجس الخوف دائماً،خوفاً على حياته وحيواناته ومزروعاته،لذا كان اسير الخوف والترقب منه من ان تتلف محاصيله نتيجة الفيضان قبل موسم الحصاد والذي غالبا ما يحصل في شهر نيسان من كل عام ،فأعتقد ان الالهة لم ترحمه فجعلت منه انساناً يعيش في الدنيا ويموت ويدفن فيها وتنتهي حياته في ظلمة القبر الى الابد. وليس من عقاب او ثواب وآخرة وحساب بعد الممات ،وانما في حياته وليس في حياة اخرى كما كانت معتقدات المصرين القدماء،فهو علماني الأصل والنشأة،علماني في العلم والدين. لذا طبعت البيئة الانسان العراقي بطابع دنيوي بحت ،مزاجي متقلب،اناني غير مستقر ،ناهيك عن ان حدود العراق مفتوحة سهلة باستثناء المنطقة الشمالية والشمالية الشرقية مما سهل على الاقوام الاخرى فكرة الاغارة عليها مثل العيلاميين والاموريين والكوتيين والجوتيين فلم يشعر هؤلاء بالاستقرار ابدا ،حتى انهم نقلوا احتفالات اعياد الاكيتو التي كانت تقوم في شهر نيسان من كل سنة الى الضفة الثانية اي الغربية لأنهم يستغلون فرصة الاحتفالات للاغارة عليهم وسلبهم واحتلالهم وقتل من يصادفهم منهم .
من هنا طبعت حياتهم بالخوف وعدم الاستقرار والريبة من الاخرين.ناهيك عن ان الصحراء كانت فضاءً مفتوحا لهم شكلت عامل الخوف منها هاجسا دائما لهم . فنشأ العراقي بين الازدواجية الفكرية والسايكولوجية المتقلبة كتقلب طقسه الدائم وانهاره الهائجة. وهذه لم تكن فقط سمة العراقي بل هي ايضا سمة الالهة العراقية .فالاله أنليل -آله السماء عندهم – لا يملك حلا وسطاً عند حلول المشاكل بينهم ،فاما ان يسكت أهل وادي الرافدين أو أن يبيدهم عن بكرة أبيهم عن طريق المجاعة والطاعون والطوفان،وهو كأله لم يتصرف معهم بالورع والهدوء والصبروالرحمة التي هي من صفات الالهة ،على عكس الاله-أنكي-آله الارض الذي كان رحيما بهم.لذلك فبيئتهم التي نشئوا فيها كانت تمتاز بالعنف والشدة والتوتر الدائم وتوقع المفاجآت والفواجع والامن المفقود والتي لازالت تلازمه الى يومنا هذا،أنه تاريخ.
هذا التناقض في البيئة واستمراره والغزوات المستمرة واحتلاله ،وظهور القيادات الغريبة عنه والايغال في أيذائه ،والاستحواذ على المال والرزق والمغريات الحياتية ومنعها عنهم ،خلقت تناقضا في الشخصية العراقية ،لذا ترى شخصية العراقي حماسية ملتهبة كنار نشارة الخشب ،لا تكاد تلتهب حتى تخمد،تلتهب مع الحدث وتخمد مع الواقع.والاجيال العراقية المتعاقبة ورثت هذه الشخصية القلقة فظلت تتناقلها الاجيال من جيل الى اخر،فضلت مسألة العداء والحقد والكبت تلاحقها بسبب زيادة الاستعباد على مر السنين ،فنشأ الطفل العراقي وفيه شخصيتان ،شخصية مؤدبة وقورة ،وشخصية ثائرة معتدية .هذا ما لا حظناه في مجتمع العراق القديم.
ومنذ الاحتلال المغولي للعراق في عام 1258 للميلاد هبت عواصف العنف والقتل والتشريد مرة اخرى على العراقيين فلم يبقوا لهم المغول من حضارة او عِلمُ او مدرسة او كتاب الا وخربوها واحرقوه.فظل تاريخهم حين تقرأه وكأنه حلقات متتابعة من الكوارث المتنوعة المرعبة التي تشبه الاساطير وماهي باساطير.وحين شعر المغول ان من يملك الكتاب والمال لابد ان يرتجى منه الامل،عادوا وندموا على ما فعلوه بالعراقيين لانهم يملكوهما بجدارة فمنهم ظهرت الكتابة ومن قصبهم صُنع القلم،ومن ارضهم ظهرت الشرائع. ،فهدأت العاصفة عندهم وشرعوا يصلحون ما افسدوه على يد جنكيزخان ومن جاء من بعده،فعادت بغداد من جديد عِلمٌ ومدرسة وكتاب.
وبانتهاء عهد المغول الذين حكموا اكثر من ثلثمائة سنة ،عاد العراق ليحكم مرة اخرى من فرق همجية لا تعرف للحضارة من معنى ،وللمدنية من بناء من امثال دولة الخروف الابيض والاسود ،ثم حلول الصراع الفارسي العثماني الذي ولد لهم تخريب المقدسات والجوامع والمدارس وظلت الايام المظلمة تترى عليهم حكما بغيضا وحكام غرباء لا يرحمونهم ابد.
ولم يحظى العهد العثماني الطويل الذي شارف على السبعمائة عام عندهم الا بفترات قصيرة من الاستقرار والهدوء والاصلاح كما حدث على عهد الوالي العثماني ناظم باشا.
وبسقوط الدولة العثمانية ومجيء الانتداب البريطاني اللئيم صاحب نظرية (فرق تسد) ثارت ثائرتهم املا بالاستقلال والعودة للاصلاح وانتهت بعهد ملكي رائع لم يحفظوه لهم فعادت كوارثهم عليهم من جديد. لكن سرعان ما توالت على العراق النكبات بانقلاب عام 1958 ،1963 الذي ساهمت فيه دول الجوارومصر،وعام 1968 والطامة الكبرى بمجيىء حكما دكتاتورياً لم يشهد التاريخ له مثيلا فأضاع الشعب والارض والكرامة معاً.لينتهي بأقسى وامر من أي حكم اجنبي متسلط لا يرحم ولا يريد ان تنزل رحمة الله على العراقيين ،فبدأه قتلا ونهبا وتخريبا وفرقة وتسيبا قل نظيره في عالم التسلط والفوضى.
ماذا تامل من شعب تعذب وتمرمر وقتل وشرد واغتصب عشرات المرات، هل تأمل منه الاصلاح؟.فتقرر الخوف من الاجنبي في ذاكرتهم ، والخوف ليس بمعنى الجُبن ،بل بمعنى الخيفة والتوجس من المستقبل، لذا لابد من احترامه وتفضيلة على المواطنين وهذا ما لمسنه طيلة اكثر من ثلاثين سنة من حكم الرئيس السابق صدام حسبن حينما فرض الغريب على العراقي فرضا زيادة في الاهانة الوطنية كما حصل مع العرب والذي اصبح العراقي يكره حتى اسمهم، وتتكرر الآن المآساة مع الأيرانيين. ان استمرارالخوف من الزمن جعل المواطن حذرا من الاجنبي الذي لا يخشى العقوبة على ما يحدثه في وطنه من تخريب مقصود، وهذا ما شاهدناه في فترة وجود العمال المصرين في العراق لحماية القانون لهم دون العراقيين.
ثم جاءت مرحلة تهجين الشعب بفضل ادخال العناصر الغريبة اليه بعد ان احرقت سجلات القيد المدني ودوائر النفوس ومراكز الجوازات عمدا بعد 2003في بعض مناطق العراق التي فقدت السيطرة عليها بعد التغيير،فدخل في السجل العراقي من هب ودب في الجيش والوظيفة المدنية، لا يعرف لهم من اصل الا ما نقرأ في كتب التاريخ اثناء الغزو الخارجي البغيض.لكن هل فقدت القبائل العربية لحمتها وتوازنها، لا أظن ذلك أبدا ،هذا الرجاء الوحيد الذي نامل منه عودة الوطن للمحبة والاحترام وتقدير الذات العراقية وعدم التهاون في النفس والمال والارض ،وبروز الصحوات العراقية ومجالس الاسناد مثالا والذي به نجحت السلطات الحكومية في تقليص الارهاب المجرم من ارض الوطن العراقي والتي ما جاءت الا نتيجة لارهاب القاعدة المجرم المرسلة اليه من خلف الحدود، وبروز المليشيات الاخرى كسند عسكري لصانعيها،فهل سيدرك قادة العراق اليوم ما هم فيه يختلفون.
انني اخالف بعض الاخوة الكتاب وجهة نظرهم في تقيم العراق والعراقيين ،فالقصور الذاتي عند العراقيين معدوم لكنه مفروض عليهم ،والعراقي لم يفشل على مر التاريخ بل نجح والدليل انه اقام حضارة رغم عاديات الزمن،وارضه ومياهه كافية لشعب يمتاز بربط الظاهرة العلمية التي انتج منها ما عجز عنه الاخر،ولكن ما المانع من التعاون مع المتقدمين المتحضرين الذين يملكون العلم والتكنولوجيا اليوم كما تعاملت المانيا واليابان وايطاليا واغلب دول الخليج بشروط مقبولة ومعلنة للشعب.؟ ان المشكلة اليوم في التكتم على المعاهدة وليس المعاهدة نفسها كما تكتموا على معاهدات الحدود واضاعوا ارض الوطن ورسموا لبلدهم خريطة غريبة ناقصة وكريهة ومرفوضة شكلاً ومضموناً. على مجلس النواب المنتخب ان يعيد خارطة العراق الاصيلة التي رسمت بموجب معاهدة الاستقلال بعد عام 1925 والا سيبقى الوطن ناقص الاهلية والتاريخ.
هذا الذي نقوله اليوم عن العراقيين ونحن منهم، لقد قال الملك فيصل الاول في شعب العراق(ان العراق من جملة البلدان التي تنقصها عناصرالوحدة الاجتماعية المتمثلة بالوحدة الفكرية والملية والدينية ،مبعثرة ومقسمة على نفسها ،تحتاج الى ساسة حكماء مدبرين اقوياء الشخصية،مادة ومعنى،غير منحازين لحسيات او اغراض شخصية او طائفية او عنصرية او متطرفة ،يداومون على سياسة العدل والموازنة والقوة معا ليعيدوا له الوحدة والِلحمة.على جانب كبير لاحترام الناس لا ينقادون لا تأثيرات رجعية متخلفة او الى افكار متطرفة تستوجب ردود الافعال ،لان فيه الشيعة والسنة والاكراد والتركمان والاقليات الاخرى غير المسلمة ،فلا اسقرار بلا عدل ولا حكم بلا موازنة ،لان الشعب مستعد لقبول كل فكرة وان كانت سيئة بلا مناقشة اومحاكمة وهذه هي علة العراق حتى اليوم ،فاين علماء الاجتماع العراقيين منها بعد ان رحل عنا الوردي،”اقرأ مذكرة الملك فيصل الاول كما اوردتها الوثائق العراقية).
وكلمة اخيرة نوجهها لقادته الحاليين فنقول:البارحة فتح صدام كل خزائن العراق للاخرين،واستقدم العرب للعمل في العراق دون العراقيين ومنحهم الرواتب المضاعفة اضعافا وأمتيازات دون العراقيين، ومنحهم الارض والنفط والمال دون مسوغ قانوني،لكنهم تنكروا له وهربوا مجرد ان هاجمته صواريخ العدوان ولم يوفوا بعهدهم فظلت كابونات النفط في جيوبهم وهم عنه هاربون،واليوم نراهم في صحفهم ومقالاتهم يصرخون ويتباكون على مصالحهم المفقودة لا على العراق والعراقيين.وظل وحيدا لا يلوي على شيء الا الندم والخيبة والخسران ،فخسر نفسه واهله والوطن ورب العالمين. ناهيك عن امور اخرى اخلت بالثوابت الوطنية لكننا نحن عنها اليوم معرضون وجيراننا العرب يعلموها وهم عنها صامتون.
، وتغيرالحال اليوم،وقال المُغَيرون : العراق وخزائنه لكم ايها العراقيون ،ففرحنا وهللنا ورقصنا وقلنا ذهب عهدهم وجاء عهدنا الذي نحن به اليوم فرحون ،وياليتنا ما فرحنا بعد ان اصبحنا كلنا لاجئون، والعراقي المواطن منه محرومون، واهلنا مهجرون،وديارنا اخذت منا غصبا ولا زلنا عنها مهجرون ،واليوم تفتح خزائن بغداد للغرباء مرة اخرى ليحملها الشعلان و النعلان ارضا ومالا ونفطا بلا حدود ليستقر في عمان بعاره وشناره. ومع كل الذي نعمل لهم من الاخرين لا يزيدهم الا صدا عنا وهم يصرون،وفي مراكز حدودهم لنا محتقرون ،اذن مالفرق بيننا اليوم وبينهم بالامس. والعرب هم هم يعاملوننا بالضد والنكران،افهموها يا قادة العراق الجديد،ان الحمل لا يحمله الا اهله لا الغرباء،والشخصية العراقية يجب ان لا تقهر ،فأعتمادكم على اخوتكم افضل لكم وابقى من الاخرين،واحتضانكم لهم ،افضل لكم من الاخرين، وبلدكم احسن لكم من بلدان الاخرين ،فلا تفرطوا في ارضكم التي أضعتموها للاخرين،والله جلت قدرته وقف موقف التعنيف من محمد(ص) لانه قبل بمبدأ الاختيار عند المتلكئبن من العرب في صد الروم عن شبه جزيرة العرب بعد موقعة مؤته ؟انظر الاية رقم 120،43 من سورة التوبة ،فلا تتركوا بلدكم نهبا للسارقين . ،ولا مواردكم التي بعثرتموها على الفاضي والمليان،و شعبكم الذي مزقتموه وهجرتموه يستجدي من الاخرين،ونسائكم التي رملتموها وجعلتموها عرضة لانتهاك الخائنين. نحن نطالب الحاكمون الامل الجديد للعراقيين ان يرعوا حقوق العراقيين وان يصدروا قوانين نافذة لا مكتوبة تعطي حق تعويض الممتلكات المغتصبة في العهد السابق للخاسرين،وتنفيذوقوانين المفصولين السياسييندون تمييز- وهاهم يميزون حتى على الاسم واللقب- الذي لم ينفذ بعدالة القانون،ونطالبه بتعديل الدستور كما الغى حمورابي بقوانينه كل مساوىء السومريين والاكديين والاخرين،نطالبه بتحريم الطائفية والمحاصصة الوظيفية ، واحترام مركزية الدولة دون المس بحقوق الاقاليم وفصل سلطة الدولة عن حقوق الناس ليكتب له تاريخا جديدا له وللعراقيين . وعلى كل اصحاب الكتل الكبيرة ان يعلموا انهم لن يصيبوا نجاحا الا بالوحدة والاعتراف بحقوق كل العراقيين فالكل منكم مشخص في عقول العراقيين .
لا يا اخوة المقالات السلبية لا تظلموا شعب العراق ولا تكيلوا لهم التهم فهو غير ما تظنون وتدركون.
نأمل من علماء الاجتماع العراقيين ان يقوموا يتوصيف الحالة العراقية قبل فوات الاوان وادخالها من مناهجهم الدراسية ليقراها الطالب ويتعظ،بها وهذه هي اولى واجباتكم الوطنية اليوم.