الدكتور زاحم محمد الشمري
وأنا أُشاهد اللقاء المتلفز لقناة الرشيد الفضائية مع الشاعر العراقي الاستاذ فوزي الاتروشي وهو يتحدث عن دور المرأة وعلاقتها الإنسانية بالرجل استوقفني عنوان قصيدته “كوني صديقتي” لأتامل به وابحر في معناه الذي يحمل في طياته الشيء الكثير من المعاني والقيم الإنسانية النبيلة عن العلاقة الحميمة بين الرجل والمرأة، اللذان يكونان بمجهودهما الإنساني السخي ربيع الحياة الجميلة التي نعيشها.
ولهذا نستطيع القول بأن العلاقة الإنسانية بين الرجل والمرأة لها قدسيتها ويجب ان تحترم وتقدر من قبل الطرفين، وأن لا تفهم على انها علاقة مبنية على اساس الحب والرومانسية والغريزة والشهوة الجنسية وانجاب الاطفال فقط، فهناك أمور كثيرة أخرى تؤطر هذه العلاقة الربانية بين الجنسين، والتي يجب أن يعي اليها الجميع. فالمرأة هي الأم التي حملتك جنيناً في احشاءها، وجاءت بك الى الدنيا بعد أن كادت تفقد حياتها لتتنفس الصعداء ويكون لك شأنٌ في هذه الدنيا، فحبها لايضاهيه حباً، وحنانها لا يجاريه حنان، وتبقى صورة الأم هي التي تملأ القلب والذاكرة.
وإذا كانت المرأة هي الأخت، فهذا الأمر يحتم علينا أن نحترم اخواتنا ونقدرهن ونأخذ بايديهن الى ما هو افضل ليكوننَّ قادرات على مواجهة الحياة ويمارسن دورهنَّ الصحيح والفعال في المجتمع دون خوف او تردد بعد التسلح بالعلم والمعرفة التي تنمي شخصيتهن. وهذا الأمل لا يتحقق بطبيعة الحال في مجتمعاتنا الا بمساعدتنا لهنَّ في تجاوز الصعاب والمعوقات ان وجدت. ولنفترض إن هذه المرأة هي الحبيبة، فاعتقد جازماً ان كل واحد منا يبحث في مخيلته عن حبيبةٍ تتوفر فيها مواصفات كثيرة بالاضافة الى الانوثة والجمال وهي العلم والثقافة الواسعة والدور الريادي والفاعل في المجتمع خاصة ونحن نعيش ثورة المعلوماتية والتطور العلمي والتكنولوجي منقطع النظير الذي يحتم علينا ان نعد جيل الرجال والنساء على حد سواء اعداداً جيدا ليتمكن من مواجهة ومواكبة هذا التطور دون خوف.
واذا كانت المرأة هي الزوجة، ففي هذه الحالة تترتب عليها مسؤوليات كثيرة، فبالاضافة الى العمل ومسؤولياتها تجاه زوجها هناك امور اخرى تنتظرها كالحمل والانجاب واعداد جيل الابناء بالشكل الذي يكون لهم دور فاعل في المجتمع. وبما إن العائلة هي الخلية التي يتشكل منها المجتمع، لذلك اصبح من الضروري ان تمارس المرأة دورها في الحياة الاجتماعية ويعمل الجميع على مساعدتها واتاحة الفرصة لها لتتسلح بثقافة العلم والمعرفة التي تنعكس بشكل مباشر على الابناء ودورهم في الحياة. ونستذكر في هذه المناسبة قول الفيلسوف سقراط بشأن اهمية تثقيف المرأة ومردوده الايجابي على الاسرة، ما نصه: “إذا تقفت رجلاً فانك ثقفت فرداً واحداً، وعندما تثقف امرأة فانما ثقفت عائلة باكملها.”
ولذلك يجب على المجتمع الذكوري أن يعي هذه الحقيقة جيداً وأن يتحرر من هاجس الخوف من المرأة وعليها، ولا ينظر اليها بعين الخصم والحكم، ويتعامل معها بفكر استبادي تسلطي كالضحية والجلاد، فكل واحد منا على ما اعتقد يريد بل ويتمنى ان تقر عين أمه وشقيقته وزوجته وحبيبته، ولا يتمنى لهن الذل والهوان. وهذا الامر يقودنا الى كيفية زرع الثقة بانفسنا أولاً، وبقلوب النساء وعقولهن ثانياً، فالثقة بالنفس لدى المرأة عامل ايجابي يشجعها على الابداع في الحياة الاجتماعية، وعليه يجب ان تكون العلاقة بين الرجل والمرأة علاقة صداقة يحكمها الجانب الانساني في البيت والعمل والدراسة بعيدا عن التعصب والغرائز والشهوات والشذوذ الذي يؤدي بالنتيجة الى افساد هذه العلاقة التي يراد منها الوصول الى سلم المساواة بين الرجل والمرأة التي اقرتها المناهج السماوية والقوانين.
فعلاقة الصداقة بين الرجل والمرأة في المجتمعات المثالية، والتي يعترض عليها البعض ربما من وجهة النظر الدينية، قد تعدت حدود ما هي عليه في المجتمعات النامية بسبب الفهم الحقيقي والانساني لمعنى الصداقة ومدى مصداقيتها. فصداقة الرجل للرجل، والمرأة للمرأة، وكذلك الصداقة بين الرجل والمرأة في مجال العمل أو الدراسة المبنية على الثقة والاحترام المتبادل قد تفوق في كثير من الاحيان علاقة المرء باخته واخيه وأمه وأبيه خاصة من ناحية انجاز الاعمال والبوح بالاسرار ومناقشة المشاكل الشخصية لغرض معالجتها او ايجاد الحلول الناجعة لها.
لذلك فان خروج الرجل والمرأة من دائرة الشك والحواجز التي تقزم العلاقة الإنسانية بينها اصبح من الضروريات في المجتمعات التي تعيش عصر المدنية والتطور العلمي والتكنولوجي وثورة المعلوماتية التي لا تؤمن بفرض الحصار على المرأة او التحجيم من دورها الإنساني، اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار ان النساء يمثلن النسبة الاكبر في المجتمع وان تحجيم دورهن وتقزيمه قد يقضي على نصف النشاط الاجتماعي ويهمش ويقضي على انسانية النساء، ويجعل الكفة تميل دائما الى فرض سيطرة وممارسة الفكر الذكوري في كافة مجالات الحياة الاجتماعية والتشريع وبالشكل الذي يهمش الطرف الاخر أو يغيب صوته وحقوقه … وعليه نستطيع ان نعزو سبب كثرة المشاكل في العالم على مستوى الحروب وعلاقات العائلة الواحدة والمجتمع الواحد وكذلك علاقة المجتمعات مع بعضها الى سيطرة فكر واحد دون سواه.
إن عدم امكانية أو استحالة الفصل بين المجتمعين الذكوري والنسائي وانشاء عالم خاص لكل واحد منهما بسبب عدم استطاعة الرجل الاستغناء عن المرأة والغاء دورها من حياته لانها مصدر الحب والحنان الذي يؤجج بركان الابداع لديه، كذلك عدم استطاعة المرأة الغاء دور الرجل من حياتها لان علاقتهما الإنسانية هي التي تشكل الجمال والربيع الدائم في الحياة، أخذ يدفع باتجاه أن لايكون دور المرأة محجور عليه اجتماعياً، فدورها اضحى فاعلاً في الحراك الفكري الإنساني الذي يقود الى تقدم وتطور المجتمعات، وعليه أمست درجة تقدم الشعوب ورقيها تقاس بدرجة احترامها للمرأة وتقدير دورها في المجتمع. فالحياة لايمكن ان تستقيم وتستمر باقصاء أحد المكونين، ولذلك اراد الله سبحانه وتعالى ان يكون الرجل والمرأة مكملين لبعضهما البعض من اجل ديمومة الحياة الحرة الكريمة التي يجب ان يتمتع بها الإنسان رجلاً كان أم امرأة حسب الحقوق والواجبات المكفولة لكل منهما وعلى اساس العدالة والمساواة والمودة والتفاهم والاحترام المتبادل بعيداً عن العصبية والتمييز والتهميش.
فالمرأة خلقت بشراً فأضحت زميلة عمل ودراسة، وشقيقة، وحبيبة، وزوجة، وأماً مثالية رائعة واجمل نعمة على الارض، فلو لم تكن المرأة شيء عظيم في الدنيا لما جعلها الله تعالى حورية يكافيء بها المؤمن في الاخرة، فهي أرق الكائنات واصعبها تعاملاً لدرجة أن وردة ترضيها، وكلمة تكاد أن تقتلها، لذا يجب على الرجل ان يكون حذراً في تعامله مع المرأة ويعي دورها، ولا يخشن خاطرها بكلام جارح، أو يدعها تبكي لان الله يحصي دمعتها، فهي خلقت من ضلع الرجل لتتساوى به ومن جانب قلبه ليحبها، وليس من قدمه ليدوس عليها، او من راسه ليتعالى عليها. فما اعظم المرأة في طفولتها حين تفتح لابيها بابا في الجنة، وفي شبابها تكمل دين زوجها، وفي أمومتها تكون الجنة تحت قدميها. فمن هذه المنطلقات واماناً بها يجب على الرجل ان يدعو المرأة ويقول لها بكل رق ورفق “كوني صديقتي” بعد أن يمنحها الامان، شريطة أن تحضى هذه الدعوة والعلاقة الإنسانية بتقدير واحترام الطرفين.