حيدر الحدراوي
كان ناجي طسه من اشهر المجرمين واشدهم غلظة , له تاريخ طويل , حافل بالجرائم , وصفحة سوداء , وماضي اسود قبيح , قتل , هروب من الخدمة العسكرية , سرقة , سطو , واعتدائات على الناس الامنين , اعتدائات على الشرطة
ورجال الامن وازلام البعث .
البعض من الناس يصفه بالرجولة والشجاعة , حين يعتدي على ازلام البعث , او رجال الامن , و تروى عنه الاساطير في ذلك , واخرون يصفونه بالنذالة والحقارة , عندما يعتدي على الناس الابرياء , او حين يسكر ويعربد في الشوارع , فيعتدي على من هبّ ودبّ , بل لا يسلم من عربدته حتى امه واباه العجوزين , فيلقي بهما في الشارع .
حين سقط النظام , سقطت عنه كافة التهم والجنايات , وعاد الى البيت , بعد ان امضى شطرا طويلا من حياته هاربا , ملاحقا من سطوة الحكومة .
كان اباه يحاول اصلاحه بأي طريقة ممكنة , دون جدوى , كأنه ينفخ في شبك .
الاب : بني .. الى متى تبقى هكذا ؟ .. نظام دولة قد تغير .. الا تتغير انت ؟
ناجي ساخرا : من شبّ على شئ شاب عليه .
الاب : بني … افتح صفحة جديدة من حياتك .. غير اوضاعك .. بدل اطباعك .. فما نفع ما
انت عليه .. الناس تمقتك .. لا صديق لك ولا خليل .. لا عمل لديك ولا صنعة ..
لا خير فيك ولا يرجى خير منك ! .
ناجي : انا هكذا .. وسأبقى هكذا .. اتريدني ان اعمل كما يفعل الحمقى .. ام تريدني ان اجلس
في البيت الدجاج ! .
الاب : بني .. اسمع ! … قررنا انا وامك ان نزوجك .
ناجي : ماذا ؟ تزوجاني ! .. ومن المعتوه الذي سوف يرقني ابنته ؟! .. ومن تلك المجنونة
البلهاء التي ستقبل بيّ ؟ !
الاب : ما عليك سوى الموافقة .. ونحن سنتكفل بالباقي .
ناجي ضاحكا : اتزوج واعيش كالدجاج الداجن ! ان هذا لشئ عجاب ! .
الاب : الم تفكر في اصدقائك القدامى .. انهم تزوجوا .. ولديهم الان بيوت واطفال .. وهم
اصغر منك سنا .. كما ويحظون بأحترام المجتمع لهم … الم تفكر ان تحذو حذوهم ؟ ..
ويشعرون بالمسئولية تجاه اسرهم والمجتمع .. ثم ان الزواج هو سنة الحياة .. ولم
يخلقنا الله عز وجل كي نكون هائمين على وجه الارض كالبهائم .
ناجي : لم اتصور يوما ما بأنني سوف اتزوج … حسنا اني قد جربت كل شئ الا الزواج ..
الاب : يعني انك موافق ؟
ناقش الاب الكهل مع زوجته العجوز , في أي بيت سيطرقون ؟ , واي زوجة سيختارونها لابنهم الوحيد , فأشارت العجوز الى ابنة اختها ( انغـيشه ) .
طرحت العجوز الامر على ابنة اختها , التي ضجت بالبكاء , واعلنت الرفض القاطع , فلا مجال لذلك ولا سبيل , لكن العجوز احتالت عليها , وطلبت منها الاستماع الى هذه القصة .
العجوز : في يوم من الايام , ذهبت امرأة الى رجل حكيم , فسألته ان يعمل لها عملا لزوجها الغني , فلا يفكر بالزواج من غيرها , فأدرك الحكيم خطورة سؤالها , فطلب منها ما ظن انها سوف تعجز عنه , فتحيد عن طلبها , فطلب منها ان تحضر له شعرات من بين عيني اسد , وشرط عليها ان يكون الاسد حيا وليس ميتا , وبعد شهرا واحد , عادت المرأة ومعها تلك الشعرات , انذهل الحكيم من الامر , وسألها كيف استطعت احضارها ؟ , فقالت له , بأن هناك غابة يعيش فيها اسد متوحش , وانها احضرت قطعة من اللحم وتركتها في مكان قريب من الغابة , وراقبت الاسد يأتي ليأكل اللحم , وهكذا فعلت كل يوم , حتى اعتاد الاسد ان يأتي الى المكان كل يوم في نفس الوقت , من دون ان يراها طبعا , وذات مرة جلست على مسافة بعيدة من قطعة اللحم , حيث يمكن للاسد ان يراها , وفي اليوم التالي , اقتربت قليلا , وكل يوم تقترب اكثر فأكثر , حتى جاء اليوم الذي جلست فيه قرب قطعة اللحم , حتى جاء الاسد , فألتهم اللحم , وتمرغ في الارض , من غير ان يؤذيها , واستمر الحال على هذا المنوال , حتى وصلت اللحظة التي تداعب فيها المرأة الاسد , فأقتطعت عدة شعرات من بين عينيه , وها هي بين يديك , ابدا الحكيم اعجابه بتلك القصة , وقال لها , طالما وانك قد استطعت ترويض الاسد المتوحش , فأن زوجك ليس كالاسد , افلا تستطيعين ترويضه ؟ ! .
اظهرت انغيشه بعض الليونة , عند سماعها تلك القصة , وعلى اثر الحاح امها وخالتها العجوز , قبلت ان يكون ناجي طسه زوجا لها .
اخرج الاب الكهل , علبة معدنية , فيها شيئا من النقود , كانت مدفونة في حائط الغرفة , عدّ النقود , وناولها لزوجته العجوز , كي تشرع في تجهيز المواد اللازمة للزفاف , وطلبت العجوز من ابنها ان لا يدخل الغرفة حتى ليلة الزفاف المنشودة .
حانت ليلة الزفاف , لم يحضر سوى القليل من المدعوين , سوء سمعة ناجي طسه منع المدعوين من الحضور , و بعد تناول وجبة العشاء , طلبت العجوز من ابنها ان يدخل الغرفة , واخبرته بأن عروسه تنتظره بالداخل , انبهر ناجي طسه عندما رأى الغرفة , حيث الاثاث الجميل , والترتيب الحسن , الذي لم تعتد عيناه النظر اليه , ولم يكن ليتخيله , فوقع نظره على السرير الوثير , و اشد ما نال اعجابه , العروس التي جلست فوقه , بزينتها وكشفت له عن بعض مفاتنها , وسحرته بأبتسامتها , فذاب في عيونها الكبيرة , وشعرها المتطاير , وناولته صينية الشموع , كعادة العرسان , فتناولها ويداه ترتجفان , تلك اليد التي لم تعرف سوى البطش والفتك , و خفق قلبه , ذلك القلب المتحجر , الذي لا يعرف اللين , ولم تطرقه رأفة ولا رحمة , لقد انهارت قواه , تلك التي كانت تمده بالجرأة والاقدام , فغرق في بحر من الحب والحنان , ذاك الذي لم يكن ليعرفه , او ينسل الى قلبه في يوم من الايام .
في الصباح , خرج ناجي طسه , فبادر لمعانقة اباه , والدموع تنهمر على وجنتيه , وانحنى ليقبل يدا ابيه الكهل , واخذ يقبل رأس امه العجوز , وابدا لهما ندمه عما مضى من طيشه ورعونته , فحمد العجوزان الله واثنيا عليه , و دعت العجوز الله ان يوفق ابنها الوحيد ويصلح حاله , ويخلف عليه .