المفكر..حين لا يكون موضوعيا
الدكتور عبد الحسين شعبان مثالا
أ.د.قاسم حسين صالح
في حواره ببرنامج (روافد ) عبر(فضائية العربية) ، قال الأخ والصديق الدكتور عبد الحسين شعبان ما نصه:(لو كان علي الوردي بيننا الآن ونشر كتاباته لتعرض للقتل والتهديد …فهو الوحيد الذي تحدث بصراحة عن الطائفية).
والأجابة: لو كان الدكتور عبد الحسين شعبان متابعا موضوعيا لأحداث ما بعد 2003 لما حكم بهذا الجزم القاطع والمجحف بحق من تعرض له مفكرون ومثقفون وصحفيون واعلاميون عراقيون تحدثوا بجرأة اكبر وتحد اشجع في زمن شهد احترابا طائفيا وانتهاكا لقدسية الحياة وصل حد استرخاص قتل الآخرلسبب سخيف ما اذا كان اسمه (حيدر او عمر او رزكار )..اخطر بكثير من العهد الذي عاشه الراحل الكبير علي الوردي،لحضراتكم احد المواقف الموثقة في جرائد ومواقع عراقية.
في( 7/1/2012 ) نشرت جريدة المدى مقالا بعنوان ( الزيارات المليونية ،قراءة نفسية – سياسية) دعى فيها الملايين الامام الحسين والامام موسى الكاظم تحقيق طلباتهم:(نريد ماء وكهرباء،ونريد السياسين يتصالحون ويديرون بالهم على الشعب،يزي عاد ترى شبعنا تعب،الله واكبر طكت ارواحنا…) فهل ستبقى هذه الزيارات باعدادها المليونية ام ستكون مقتصرة على محبي الحسين والقيم التي ثار من اجلها.؟..ولو ان الحسين خرج الآن متوجها نحو الخضراء مطالبا بالأصلاح،وبينهم من يدعّون انهم احفاده،فانهم سيخيرونه بين الرجوع من حيث اتى او القتال؟
كانت جريدة المدى قد تعرضت ومحرروها للتهديد ايضا بينهم الكاتب علي حسين، وكان عدد قراء مقالاتها لا يتجاوز العشرات فيما بلغ عدد قراء هذا المقال 2405 وتعليقات شجاعة ادعو الدكتور شعبان لتصفحها بين (228-241)..والكتاب لديه!
ولقد عرّض كاتب ذلك المقال الى التهديد (وين تروح من عدنا دكتور قاسم) فنشرت المدى مقالة ثانية في( 17 /2 /2012) بعنوان (الزيارات المليونية..تهديد ووعيد)..تضمن نصا للدكتور عزيز الحاج من باريس جاء فيه (تعرض الباحث العراقي قاسم حسين صالح لحملة تخويف وتهديد وتشهير واتهامات كبيرة وواسعة ردا على دراسة له عن الزيارات المليونية…)
فأيهما الموقف الأخطر..الأخطر!،دكتور شعبان: كتابات الوردي في زمن النظام الملكي ام كتابات كهذه في زمن النظام الطائفي؟!
ولم نتوقف،بل واصلنا وبجرأة اكبر نشر مقالات بينها(على مسؤوليتي..السياسيون العراقيون مرضى نفسيا،واحزاب الاسلام السياسي والفاشية،والسياسي العراقي احول عقل…..).وحللنا علميا شخصيتين تولتا رئاسة الوزراء، السيدان نوري المالكي وحيدر العبادي،وقلنا بالنص:( والأخطر من هذا الذي يفترض ان يعرضه لمساءلة قانونية هو اعترافه علنا بقوله: لديّ ملفات فساد لو كشفتها لأنقلب عاليها سافلها،لأنها تعد خيانة ذمة…وان اخطر ما افسدته سلطة حكمه في الشخصية العراقية هو التعصب للهوية والمذهب،وطريقة التعامل مع المتظاهرين الذين هزجوا باسم الدين باكونه الحرامية، صفحة96 )..في كتابنا (الشخصية العراقية في نصف قرن) الذي اهدينا نسخة منه للصديق الدكتور عبد الحسين شعبان!
سيكولوجيا الهالة
تعني الهالة العلمية اوالاجتماعية اضفاء صفات على شخص معين تضعه في موقع اعلى من عامة الناس، تخلق منه شخصية كاريزمية تمنحها احتراما وتقديرا واعجابا وسحرا وتفردا استثنائيا..وهذا ما حظيت به شخصية الدكتور علي الوردي. ولا خلاف على ذلك ،لكن ان تفعل هذه الهالة في عقل عالم او مفكر ما تفعله في عقل شخص عادي فتلك اشكالية ومأخذ كبير.وهذا ما حصل عند الصديق شعبان في حديثه عن علي الوردي..والتفسير السيكولوجي هو أن المتحدث عن شخصية كاريزمية تتمتع بهالة، تمنحه متعة التماهي او التوحّد بتلك الشخصية، وتضمن له متعة ثانية هي اعجاب المتلقين (المشاهدين).
والتساؤل هنا ليس للدكتور عبد الحسين شعبان فقط بل لكل المفكّرين والكتّاب العراقيين:
لماذا نتباهى بمواقف من رحل ونغمط حق من وقف بشجاعة من الأحياء..وهو الأوجب؟ ولماذا نبقى نمجّد الماضي وكأن الحاضر قد خلا من رجاله بدل ان نوظفه في تعزيز من يقف بوجه الطغاة، لنزيدهم صمودا ويكبر عددهم؟
علي الوردي ..ونكته!
لا اظن احدا من الأكاديميين العراقيين كان اقرب مني الى قلب الدكتور علي الوردي في سنواته الاخيرة..وقد قالها صريحة لي ( شوف قاسم..آني ما احب الماركسيين..بس الك احبك) برغم أنني كنت اخالفه الرأي في بعض طروحاته.فانا كنت ازوره مرارا في بيته الواقع خلف اعدادية الحريري،وكنت احرص على ان ادعوه لكل الندوات التي كانت تقيمها وزارة الداخلية،بوصفي باحثا في مركز الدراسات الذي يرأسه العميد الحقوقي الدكتور عبد الأمير جنيح،بينها دراسة عن البغاء كانت تعدّ الآولى عراقيا وعربيا من حيث عدد الاختبارات وعدد البغايا(300 بغيا وسمسيرة) من عموم محافظات العراق تراوحت اعمارهن بين 17 الى 55 سنة بينهن من لهنّ علاقات بمسؤولين كبار!.
وبعد ان نوقشت الدراسة في ندوة خاصة حضرها اكاديميون وقضاة ،سحبني الوردي من يدي (على صفحه) و قال لي :” دراستك هاي عن (الكح..) تذكرني بحادثة ظريفة . في الأربعينات ناقشت الحكومة موضوع فتح مبغى عام في بغداد، وعقدت لقاءا ضم كلاّ من الوصي ونوري سعيد ووزير الداخلية ووزير الصحة ومدير الأمن العام. فاتفقوا على الفكرة لكنهم اختلفوا على المكان ،بين الباب الشرقي وساحة الميدان. وكان بين الحاضرين شخص مصّلاوي يجيد فن النكته فقال لهم :ان افضل مكان للمبغى هو الميدان والما يصدّق خل يروح يسأل أمّه! “.
ضحكنا..وخاطبت عيناه عينيّ بتعليق:ماذا لو قالها احدهم الآن!(1987) لأفرغ مسدسه في قائلها، فيما الوصي ونوري السعيد ووزير داخليته ومدير امنه العام..استلقوا على ظهورهم من الضحك!.
وأيضا،كنت انا الأكاديمي الوحيد الذي دعا حكومة المالكي،عبر الفضائيات، الى اقامة تمثال للوردي يوضع بمدخل جسر الأئمة ووجهه الى الأعظمية مادا يده نحوها..مبتسما،وما استجابت!
ختاما
في ضوء ما حصل ..من اليوم على المفكرين والكتّاب العراقيين الذين تحدّوا طغاة الطائفية ولم يغادروا الوطن..رفع شعار:( اذا لم ينصفك الآخرون عن حق..فانصف نفسك جهارا).
*