د . علي عبدالحمزه
لاشك أن التقدم العلمي والتكنولوجي في مجالات الحياة العامة المختلفة وفي مجال الأتصالات والمعلوماتية بشكل خاص قد ضيق المسافات وجعل البعيد منك قريب وجعل العالم فعلاً قرية صغيره يسهل على ساكن الشرق أن يرى ويتكلم مع ساكن الغرب بكل يسر يقول مايشاء دون رقيب ودون خوف من أحد، وفي هذا مكسب إيجابي كبير للأنسان وإحترام لذاته ن طالما عبر عن آراءه ووجهة نظره بحرية كاملة تعبيراً يُراد منه تعميم الفائده ونقل المعلومة التي قد تكون غائبة عن البعض ، بالحرية التي أرادها خالق الكون سبحانه وتعالى له ، وبالفعل وجد الأنسان وبالذا الأنسان العراقي فرصته وإن كانت متأخره في التعبير عما يدور في خلده من آراء وأفكار طالما إختزنها وظلت حبيسة الرأس خوفاً من مقص الرقيب وعين رجال الأمن في ظل الدولة البوليسية والمخابراتيه التي ظلت تراقب ما يُكتب في غير هوى السلطان وتحاسب المرء الذي ينصب صحناً لألتقاط الأقمار الصناعية (الستلايت)بالحبس الشديد والغرامة الماليه وكأنه يفعل فعلاً من شأنه أن يُقوض أركان الدولة ويُطيح بعرشها ، وهكذا ظلت الحسرة في التواصل الفكري والأبداعي تقتل أولي الألباب والأقلام من أن يجدوا طريقهم لملاقاة نظراءهم في الفكر بكل أنواع تناوله ومناقشتهم ومحاكاتهم للوصول إلى حالة من الفهم والأقناع المشترك ، فجاء التقدم العلمي ونجاحاته ليقدم هذه الفرصة لكل مَنْ حُرِم منها ليكتب مايشاء ويقول مايشاء بكل حرية وإنفتاح بشكل أصدق ما يقال عليه أنه أمرٌ مباح للجميع . ولأن الأمر مباح للجميع ، والجميع متعطش لقول ما هو مخزون في الصدور ، فقد إنبرى الجميع للدلو بدلوهم بأستغلال هذه التقنيات التواصلية المتمثلة بالأنترنيت وتفرعاته ، الأيميلالبريد الألكتروني والفيس بوك والتويتر (التواصل الأجتماعي) والسكايب وغير ذلك ، عاكسين فعلاً تسمية الفيس بوك ، وجهاً لوجه بين طرفي الحديث الذي ربما كان حُلماً وأمنية يصعب تخيلها وتحقيقها ، فبعد أن كانت الرسائل المكتوبه تستغرق الوقت الطويل للوصول إلى مستلمها وبعد أن كان حلم الحصول على خط هاتفي تستطيع التحدث به مع من تحب أمراً يدخل في باب الأماني والتمنيات .. ملخص الكلام إن التقدم العلمي سهل كل الصعوبات في التواصل ويسر لكل الناس حرية الكتابة وإبداء الرأي ، ولكن .. وهنا لب الموضوع أرى أن الكثير من مستخدمي هذه التقنيات بدأوا بأستخدامها دون التقيد برادع أو الألتزام بمبدأ ( تنتهي حريتك عندما تبدأ حرية الآخرين) فأخذوا يكتبون الغث والسمين دون الأنتباه إلى مايخدش الأذواق من كلمات وقفشات ونكات وصور ، وكأن هذه التقنية خُلِقت له وحده ، فعلى سبيل المثال ، يكتب البعض عبارة على صورة ما لشخص ما ويطلب جمع الأعجابات ويتلفظ على من لا يسجل إعجابه ( اللايك ) بألفاظ نابيه غير موزونه تنم عن وضاعة وضحالة تفكير لا يمكن لها أن تبقى وظاهرة على شاشة يقرأها الملايين من البشر بملايين العيون والألسن والعقول والأذواق والأقلام ، ولأننا شعوب أبتليت بالسياسة التي إستهوتنا بمتناقضاتها ، فلقد إنبرى الجميع ليعطوا آراءهم التي يعتبرونها هي الآراء التي تصلح لصحتها وكل ما عداها خاطئ وباطل ، دون أن يعطوا الفرصة لتبادل الرأي ، وإذا تم التبادل فبالكلمات الجارحة والسب والشتم والأنتقاص هي الصورة التي تسود الحديث ، ويظل كل طرف متمسك برأيه المتعنت بشكل متزايد دون خجل ودون حياء . وإذا ما تركنا الحديث عما يدور في الفيس بوك من آراء سياسية وإنتقلنا إلى الجانب الثقافي لرأينا ماهو أفضع من ذلك ، إذ يتصور البعض وبكل غرور أنهم أصبحوا كتاباً لامعين لهم قراءهم ومتابعيهم ، فالبعض ممن لايملك مؤهلات تحصيلية دراسية وأساس ثقافي يكتب بكل ما يستطيع، وهذا جيد إن إقتحم حاجز الخوف والتردد ، ولاكنه يتيك بالمتناقضات الواضحة القصد والدف والمرام ، فهو من ناحية وطني حد العظم ، غيور حريص على وطنه في يوم ، وفي اليوم التالي يكتب بلغة مغمسة بالطائفية والتحريض والأنتقاص من الآخرين والأستخفاف بهم بنظرة دونية واضحة ، وأعطي مثالاً على ذلك ، كان لي صديق معرفة محدود القدرات في الكتابة ، جاءني ذات مرة مفتخراً بكتابة موضوع إستطاع من خلال العلاقات الخاصة المدفوعة الثمن أن يحصل على وعد بنشره في إحدى الصحف المعروفة وأراد مني أن أعطيه رأيي فيما كتب، ووجدته قد ترك فراغاً بين أسطؤ ما كتب، وحين سألته عن ذلك أجاب إنه تردد في كتابة وتحديد العلاقة العائلية التي تربط شخص الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وآله وسلم بشخص الأمام علي عليه السلام ، وسألني أن أجيبه عن ذلك . وظننته يمازح ، ولكن تبين إنه بالفعل لم يعرف تلك العلاقة ، ومع ذلك المستوى وبالرغم من عدم تقدمه أراه الآن يكتب بالأخطاء اللغوية ويقدم نفسه على أنه العارف بالأمور الدينية ، يكفر هذا ويمنح ذاك صك الرضا والقبول ، يتفق مع من يقع عليه طيره وشاكلته من أنصاف القراء ليكتبوا بسرعة البرق إعجابهم وهم لم يقرأوا ما كتب إلا أنهم تضامنوا معه وسجلوا له (لايكاتهم) .. إعجابهم إنطلاقاً من الأرتباط العائلي والقبلي ، الذي يحلو للبعض الخوض به متناسين ما كتب كاتبهم الفطحل العبقري من إنه ضد الطائفيه وضد الأنقسام . ومثال ىخر على ما يُكتب على الفيس بوك هو إدعاء البعض بطولاتهم ونضالهم ضد الدكتاتورية في الوقت الذي هم كانوا فيه في الحلقات القريبة والمستفيده من السلطان ونظامه ، ينعمون بما يجود به عليهم ، يمجدون ويمدحون ، وعلى حين غرة ، ظهروا أنهم كانوا أول المناضلين والمتضررين ، وأنهم مازالوا يحتفظون برقم زنزاناتهم التي لم يدخلوها أبداً ولم يعرفونها ، وبدأوا يكتبون مذكراتهم دون حياء أو خوف من أحد يعرفهم ، وكأن الناس لم يكونوا يعرفونهم أو أنهم إمتلكوا عقولاً وأدمغة خرفة ما تكاد تفقه شيئا أو تتذكر شيئا ، فمنهم من إدعى أن سبب هجرته العراق هو معرفة أجهزة النظام لتحركاته النضاليه المضادة للنظام وإنكشاف أمره ، في الوقت الذي سافر من العراق بمحض إرادته وبشكل رسمي ميسر في وقت كان السفر ممنوعاً إلا على الذين آمنوا بالنظام وإمتثلوا وأطاعو له ، ليشغل مركزاً وظيفياً في إحدى السفارات . وهناك أمثلة أخرى كثيرة تكشف لنا عن الفيسبوكيين ةعن سوء إستخدامهم بما يطرحونه من آراء ، لذلك يج على الجميع مراجعة أنفسهم قبل تشغيل أجهزة حواسيبهم والدخول إلى هذا العالم الكبير الخطير ، وأن يأخذ بعضهم بعضٌ من الحياء قبل إختراق مواقع غيرهم من الناس المحترمين ينشرون صوراً ومواضيعاً غير مقبولة بالمرة .. فيا أيها الفيسبوكيين إستخدموا وسيلة الأتصال هذه خير الأستخدام، إستخداماً يليق بالجميع ويعكس أخلاقاً ميزتنا عن غيرنا ، لأن هذه التقنيه المتاحه للجميع هي كالبيت علينا إحترام تقاليده وأعرافه ولكي نعكس بالضبط ثقافتنا التي يتطلع الآخرون لها . لنبتعد عن التكيك والتسقيط والتهكم والتجريح وأن نتقبل بعضنا ونحترم آراءنا ونعكس إنسانيتنا .