أناشدُ وزيرَ التعليم المحترم د. “طارق شوقي”، أن يُقرِّرَ على التلاميذ في المدارس حكاية السيدة “علا غبّور”، حتى نصنع جيلاً من الوطنيين الأنقياء؛ علّ من بينهم تخرج فارسةٌ وفارسٌ مثل تلك السيدة العظيمة. هي الجميلةُ التى أغلقت فى وجه الموت قبورًا كانت تتهيأ لالتهام أجساد الأطفال النحيلة. مدَّت كفَّها فى طمى الأرض، لتحفرَ حفرةً، وتغرسَ نبتةً. صارتِ النبتةُ برعمًا مرويًّا بنُسغِ قلبها الطيب. ثم صار البرعمُ شجرةً وارفةً، لا تُشبهُها أيّةُ شجرةٍ فى العالم الأخضر. العالمُ يصيرُ أخضرَ، حين يُلوّنه الصغارُ بالفرح. والصغارُ لا يفرحون إلا إن غادرَهم السَّقمُ وبرحَ أجسادَهم الوجع. الموجوعون لا يقدرون أن يُلوّنوا العالمَ. الأطفالُ لا يكون بوسعهم أن يمسكوا فرشاةً حتى يُلوّنوا العالم بالفرح، إلا إن كانوا أصحّاء. نظرتِ الجميلةُ حولها، فوجدت صغارًا يصرخون. ينخرُ عظامَهم العَوزُ والمرضُ. ينهشُ الشريرُ فى الخلايا، فلا يترك الأجسادَ النحيلةَ إلا بعدما يخورُ القلبُ ويصمتُ الخفقُ وتُغمِضُ العيون. مدّت الجميلةُ إصبعَها فى لهب شمعة الحبّ، حتى أضاءت أصابعُها بالنور. ثم مسحت بتلك الكفّ المُشعّة بالوهج على رؤوس الأطفال المُتعبَة، وطبطبت على قلوب الأمهات المحزونات، وهى تنظرُ إلى السماء وتناجي الله. رقّتِ السماءُ إلى وجيبها، وراحت تمسحُ معها على رؤوس الصغار حتى مسّهم الفرحُ، بعدما طابوا. السماءُ تُحبُّ الطيبين. لهذا أحبّتِ السماءُ تلك الفارسةَ الطيبةَ وجعلت نبتتَها تنمو برعمًا، فشجرةً خضراءَ أغصانُها مجدولة بالحب تحمل اسم: مستشفى 57357 أحد أكبر وأهمّ مستشفيات سرطان الأطفال في العالم. وراح الطيبون فى بلادى يروى معها تلك الشجرة ولو بقطرة ماء، أو قطرتين، حتى صارتِ الشجرةُ جنّةً رغداءَ خضراءَ، ففردوسًا شاسعًا من الجمال ومن الحب، فتحت أبوابَها في مثل هذه الأيام من شهر يوليو عام 2007.
ليس أقسى من مشهد طفل موجوع لا يدًا طيبةً تمتدُّ لنجدته. وليس أقسى من مشهد أمٍّ فقيرة لا تملك قروشًا تُطعم بها طفلتها، فأنّى تملك حقّ الدواء والإشعاع والكيماوي ومعجزات الشفاء من شرير لا يرحم، هو أخطرُ ما عرفت البشريةُ من أمراض! وليس أقسى من عالمٍ لا يفرح فيه الأطفالُ ولا يركضون بين حقوله ووديانه وعلى ضفاف أنهاره يُغنّون. وجالت نبيلةٌ من أزمنة الأساطير فى طرقات بلادى تصنع خيرًا. نبيلةٌ اسمها “علا غبور” من طينة أميرات الحكايا. ذاب قلبُها رأفةً ووجدًا لصراخ الأطفال فمضت تقطفُ من زهور عمرها، لتمنح الصغارَ أعمارًا جديدة يكتبها اللهُ برحمته. وراحت تمسح عن عيون الأمهات دموعًا ثخينةً كادت تُطفئ النور والبصر، وتستبدل بها فرحًا، حين تمنحهنّ الرجاءَ فى قيام أطفالهن من فُرُش الموات إلى حيث حدائق الحياة. لم تكتفِ النبيلةُ بغرس الزهور وريّها، بل أمسكت بيد كلّ طفل لينزع زهرته الخاصة من مزهرية عنبر المرضى ويمضى بها إلى مدرسته ليتعلّم وينبغ. ذاك أنها قد تعلّمت الدرسَ فى مدرسة “الأم تريزا” التى قالت إن الموجوعين لا يعانون إلا من مرض خطير اسمه: “نقص الحب”. أخطرُ الأمراض وأبشعها هو مرض “غياب الحب”. فإن أنت أطعمتَ عصفورًا دون أن تمنحَه الحُبَّ مع الحَبِّ، فلا تنتظر أن يصدحَ العصفورُ بالشدو. وإن أنت ألقمتَ طفلا جائعًا كسرة خبزٍ دون أن تمنحه الحُبَّ مع كأس الحليب، فلا تنتظر أن يشبع الطفلُ وينمو ويضحك. وإن أنت داويتَ مريَضًا دون أن تمنحه الحبَّ مع رشفة الدواء، فلن يُشفى المريضُ ولن يبرح الفراشَ الأبيضَ إلا إلى القبر المعتم. لهذا، اعتصرتِ تلك السيدةُ كل ما فى قلبِها من حُبٍّ لكى تمنحَه لآخر طفل فقير مريض من أبناء مستشفاها، حتى وهن قلبُها فى الأرض ليُكمل خفقَه الأبدىَّ فى السماء في ديسمبر 2012، حيث استقبلتها الملائكةُ بالشموع البيضاء كما يليق بعروس بهيّة منحت الحبَّ للمحرومين وأضاءت قلوب الحزانى بالفرح.
كتب اللهُ لها ألا تصعد إلى السماء إلا بعدما تأكدت أن شجرتها الوارفة ستجد مَن يحمى أخضرَها، ومَن يرعى عصافيرَها، ومن يروى نُسغَها. فلابد أن يكون العالمُ أخضرَ بفرشاة الأطفال والعصافير. نامتِ الجميلةُ ملء جفونها، لأنها واثقةٌ أن عصافيرها ستعرفُ طريقها للحياة، ولن يصمت شدوُها مادام القمحُ ينبتُ بين أجنحتها؛ مادام الطيبون يواصلون العطاء. تبرعوا لمستشفى 57357 واغنموا الفرح.
“الدينُ لله، والوطن لمن يبني صروحَ الوطن.”
***
درس علا غبور… في مناهج التعليم المصري
شارك هذه المقالة
اترك تعليقا
اترك تعليقا