عامر عبد الرزاق الزبيدي
لا احد ينكر أن العراق يتربع على أكثر دول العالم بعدد المواقع الأثرية التي تجاوزت (20000) عشرين ألف موقع اثري في ظل المسوحات الأخيرة. وكل العالم يعترف أن حضارة وادي الرافدين هي أقدم الحضارات القديمة، وهي أم الدنيا. فهذه الحضارة وفي تلك البقعة المباركة من الأرض (العراق) اكتشفت الكتابة قبل خمسة الاف وخمسمائة عام في مدينة الوركاء، وهنا أسس لأول قانون عرفته البشرية (قانون أورنمو)، وأول مدرسة، وأول نظام للري، واخترعوا العجلة، ودولاب الفخار، وفي هذا البلد أنشأت أول دار عدالة، وأول متحف، وأول دار لتعليم الموسيقى، وأول نظريات الطب والهندسة والرياضيات، وبنوا أولى المعابد، والقصور والزقورات، وهنا بدأت أولى الإصلاحات (إصلاحات أوروكاجينا)، وأطلق في هذا البلد أول تعبير لكلمة الحرية في العالم (امارجي).
للأسف الشديد عانت حضارة وادي الرافدين وآثارها من تجاوزات لا تغتفر فمنذ الاحتلال العثماني للعراق وتكالب البعثات الأجنبية على آثارنا وهي تنقب في أهم المواقع، وتصدر آثارنا إلى متاحفها كغنيمة بلا حق ولا مشروعية، حتى لا يخلو متحف في العالم من أكثر من (100) مئة قطعة من العراق ناهيك عن المتاحف التي تضم آلاف القطع المسروقة من حضارة وادي الرافدين.
بقي هذا الحال حتى نظام الطاغية صدام الذي عاث بآثارنا الفساد وتشكلت مافيات سرقة الآثار.
وبعد التغيير، كنا نحن كمختصين ننتظر أن تتشكل وزارة للسياحة والآثار لأن هذا القطاع بحاجة إلى نهضة. الوزارة شيء ضروري في هذا المجال حيث إن هناك مئة وستة وعشرين دولة في العالم تعتمد في اقتصادها الان على السياحة والآثار، وأصبحت السياحة والآثار الاقتصاد البديل المهم لأغلب دول العالم. ونحن في العراق لدينا خزين كبير لا يعد ولا يحصى من المواقع الاثارية والتراثية من شمال البلد إلى جنوبه. وأصبحت الآثار صناعة يجب تطويرها والاهتمام بها واستغلال إيراداتها. فدولة مثل فرنسا، وهي احدى الدول الصناعية السبعة الكبرى في العالم، تعتمد في اقتصادها بنسبة 20% على قطاع السياحة والآثار .
شكلت وزارة السياحة والآثار في العراق بعد مخاض طويل. الا اننا فوجئنا بأنها وزارة دولة لشؤون السياحة والآثار أي وزارة بلا سلطة ولا صلاحيات ولا مالية ولا قانون ولا خطط للنهوض بالواقع الأثاري. مجرد منصب وزير بلا حول ولا قوة. وأصبحت الآثار تدار من قبل وزارتين هي المالية والصلاحيات لوزارة الثقافة، وبعض الإداريات للسياحة والآثار. كلا الوزارتين تقول ان عائدية الآثار لها وكأننا أصبحنا مولودا لأبوين! فلا نعرف من هي مرجعية الآثار اداريا وتنظيميا؟ شكلوا وزارة السياحة والآثار وأعطوا مرجعية الآثار للثقافة. وهذا لم يحدث في أي دولة في العالم. فهل توجد دائرة تدار من قبل وزارتين؟! وإذا سألت فالعذر موجود: إن قانون وزارة السياحة والآثار رفع إلى البرلمان العراقي، لكنه حفظ حفظا جيدا على رف البرلمان ولم ير النور منذ أكثر من أربع سنين. ما السبب في هذا؟ من هو المسؤول؟ من المستفيد من تأخير القانون؟ أسئلة تبقى بلا اجابة. وحضارة تضيع يوما بعد يوم. إهمال وتهميش. وسرقة المواقع الأثرية لا زالت مستمرة إلى يومنا. وقلنا مرارا وتكرارا أن تعطيل إقرار قانون وزارة السياحة والآثار سوف يزيد من عمليات السرقة، والتستر على كل المتورطين بتدمير آثار هذا البلد في الداخل والخارج بايد أناس عاديين ومسؤولين وعصابات ومافيات ودول إقليمية.
وبعد ان سمعنا أن هناك ترشيق لوزارات الدولة تقوم بها الحكومة، قلنا أنها رصاصة الرحمة ستطلق على تلك الوزارة لتنسى إلى الأبد، لكن ما يسعد ويبكي في آن إن الوزارة لم ترشق وحولت إلى وزارة للسياحة والآثار، لكن بلا قانون أيضا وبقي التصويت عليه معلقا، كل شهر يقولون سيجري الشهر القادم.
وبعد لقائي الأخير بالسيد معالي وزير السياحة والآثار الدكتور لواء سميسم رأيت أن هناك همة بالنهوض بواقع السياحة والآثار، فالرجل لديه خططا كفيلة لحماية المواقع الاثارية، لكنه بانتظار إقرار القانون حتى يستطيع الشروع بالعمل، فالوزير لا يستطيع الان زيارة المواقع الاثارية لانه بلا صلاحيات أو إمكانيات مالية. إن قرر قانون لوزارة السياحة والآثار فهذه هي الخطوة الأولى في الطريق الصحيح، لكنه طريق طويل يحتاج إلى العناء وتكاتف الجهود. وعلى الحكومة العراقية تخصيص ميزانية لائقة للوزارة حتى تقوم بعمليات التنقيب والترميم والصيانة وتأهيل بعض المواقع الأثرية واقامة مدن سياحية. كما على وزارة السياحة والآثار أولا الخروج من المنطقة الخضراء، وبناء متحف كبير في بغداد يليق بحفظ وعرض آثار العراق، وتنظيم مؤتمرات تجمع كل اثاريي العراق لتقييم وإعادة دراسة عمل الآثار، وعليها ايضا فتح ملف سرقة الآثار منذ العام 2003 إلى يومنا هذا ومحاسبة كل المقصرين والمتورطين بتدمير الإرث الحضاري العراقي.
منقب/ دائرة اثار ذي قار