عزيزي القاري، بمجرد انتهائك من قراءة هذا المقال، سيكون تعدادُ سكان مصرَ قد ازداد 45 مولودًا جديدًا. ومع تصفّحك جريدة الغدِ بإذن الله، ستكون مصر قد استقبلت 4320 شخصًا جديدًا يحملون الجنسية المصرية، وينتظرون الطعامَ والتعليمَ والرعاية الصحية والنفسية والسكن والوقود وووو… يخبرنا الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، أن هناك مولودًا جديدًا كل 20 ثانية! تصوّرْ عزيزي القارئ أن تعدادَ مصر منذ 150 عامًا كان خمسة مليون نسمة، وأصبح اليوم قرابة 103 مليون! تصوّروا أن تعدادَنا عام 1960 كان 25 مليونًا فقط! كيف تضاعف عددُنا أربعة أضعاف خلال ستين عامًا؟! حدث هذا وفق نظرية (الضفدع المغلي). دعوني أقصُّها عليكم.
لكي يشرحَ “فلسفة الغفلة”، سأل حكيمٌ أحدَ تلامذته: “كيف تغلي ضفدعًا؟” فأجابَ التلميذُ: “أضعُ الضفدعَ في إناء ماءٍ يغلي!”، فقال الحكيمُ مبتسمًا: “ألا تظنَّ أن الضفدع سوف يقفزُ خارجَ الإناء؛ بمجرد ملامسته الماء الساخن؟”، فشرد التلميذُ ببصره قائلا: “وكيف نحلُّ تلك المعضلة يا معلّمي؟!” قال الفيلسوف: “ضع إناءً من الماء البارد على الموقد، ثم ضع فيه الضفدع. سوف يمكثُ الضفدعُ في الماء لأنه لا يشعر بالخطر. الآن اشعلِ الموقدَ على لهب ضعيف لتدفئة الماء ببطء. سيسري الدفءُ في أوصال الضفدع ويجعله يستمتع ويسترخي. ومع ارتفاع درجة حرارة الماء بهدوء، سيزداد استمتاعُ الضفدع واسترخاء أعصابه وكأنه في حمام بخار يمتصُّ من خلاياه عوامل التوتر والقلق واستشعارات التنبيه والخطر. هنا يدخلُ جسمُ الضفدع في مرحلة الاسترخاء العميق ويبدأ في النُعاس، بينما تزداد حرارةُ الماء شيئًا فشيئًا، مقتربة من درجة الغليان. وفي اللحظة التي يكتشفُ فيها الضفدعُ أنه في خطر داهم، تكون فرصةُ النجاة قد ولّت. فلم يعد لدى الضفدع الوقتُ ولا الطاقة للهروب. هنا تحصلُ على ضفدع مغلي!”
ونكتشفُ عبر تلك القصة الرمزية أن معظم كوارثنا الشخصية والمجتمعية، قد وقعت علينا، أو وقعنا معها، وفق نظرية الضفدع المغلي. لا ننتبه لخطورة الواقع إلا بعد فوات فرص النجاة، رغم مؤشرات الخطر وأجراس الإنذار التي تُقرعُ، إلا أننا نتمادى في المرور بجميع مراحل الاستمتاع، والاسترخاء، ثم الخَدَر اللذيذ الذي نفقدُ معه الطاقةَ والقدرة على مواجهة الأزمة وعلاجها؛ قبل استفحالها.
وبالحديث عن الانفجار السكّاني في مصر، الذي يبتلعُ كلَّ محاولات النهوض الذي تصنعه الدولةُ المصرية الجديدة في عهد السيسي، علينا الآن الآن وليس غدًا أن ننتبه إلى غليان إناء الماء الذي يشتعل بنا منذ عقود. علينا أن نُقرَّ ونعترف أن اتحادنا معًا، شعبًا وقيادةً ومؤسساتٍ، لتنظيم حملة قومية فعّالة لتنظيم النسل، هو السبيلُ “الأوحد” لدعم الجهود الحقيقة الراهنة للنهوض بمصرَ وتذوّق رحيقَ ثماره الدانية.
تشير البياناتُ والإحصاءات إلى أنه حال استمرار مستويات الإنجاب عند المستوى الراهن، سوف يصل تعداد سكان مصر إلى قرابة 2 مليون نسمة خلال ثلاثين عامًا فقط! وسيكون لهذا بالطبع أثرٌ كارثيّ على النمو الاقتصادي وتدنّي مستوى المعيشة لدى المواطن المصري. إذْ تقول المعادلات ُالعلمية إن معدل النمو الاقتصادي المطلوب للحفاظ على المستويات الحالية، لابد أن يبلغ ثلاثة أضعاف معدلات النمو السكاني. وما يحدث الآن هو العكس بكل أسف.
شكرًا لاتفاق الأزهر الشريف مع دار الإفتاء المصرية على شرعية وحتمية مساندة الدولة المصرية في خطتها الراهنة لمواجهة كارثة الانفجار السكاني. فقد وجه الرئيسُ عبد الفتاح السيسي سؤالا مباشرًا: (هل أقدر أطلب من اللى عنده طفلين يستنى 6 أو 7 سنين حتى ينجب الطفل الثالث، واللى عنده 3 أطفال ما يجيبش أطفال تانى؛ لكي نصبح أمّة قوية ومتعلمة تقفُ على قدميها؟) وأجاب د. أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف: “هذا حلال حلال حلال”، مؤكدًا أن تنظيم النسل مشروعٌ في الإسلام. وعلى النقيض من ذلك، مازالت قوى الشرّ التي لا تروم إلا هلاك مصر، تمارسُ جهادها الرخيص لإجهاض خطط التنمية والنهوض، عبر أبواق مشايخ تيار الإسلام السياسي الذين يلصقون بالدين ما ليس فيه من مقولات دخيلة على الإسلام؛ تهدفُ إلى زيادة التناسل على نحو فوضوي غير منظّم؛ من أجل تحقيق هدف أوحد لا يرون غيره، هو: “هدم مصر وإفشال نهوضها.”
تسعى مصرُ اليومَ إلى الارتقاء بالمواطن المصري الجديد صحيًّا وتعليميًّا ونفسيًّا وفكريًّا من أجل ارتفاع مؤشر السعادة للشعب المصري. ولا سبيل إلى ذلك إلى بتضامّنا معًا لإنجاح خطة الدولة المصرية في النماء الاقتصادي، الذي لابد أن يواكبه تنظيمُ النسل، حتى تمام مرحلة النهوض والارتقاء. “الدينُ لله والوطنُ لمَن يخافُ على صالح الوطن.”
***
الانفجارُ السكّاني … والضفدعُ المغلي
شارك هذه المقالة
اترك تعليقا
اترك تعليقا