علي السوداني
لم يمض على مأساة بيروت أكثر من ثمان وأربعين ساعة حتى حط بمطارها رئيس فرنسا عمانوئيل ماكرون ، معزياً ومواسياً وعارضاً دعمه المشروط بقسوة على من استقبله وودعه وعقد معه طلة تلفزيونية أمام الناس أجمعين .
الرئيس عمو وضع كل أبجديات اللغة الدبلوماسية على الرف ، وضرب كل أعراف التعامل بين الدول ، حتى لو كان بينهما بحر خلاف أو شط دماء وثأر نائم بجب التأريخ .
في هذا الباب الغريب التقى الرئيس الوسيم رعية لبنان المجروحة برزقها وبكرامتها ، ووعدها بمساعدات دسمة ستصل اليهم مباشرة ومن دون المرور بأيدي الفاسدين ، في إشارة شديدة الوضوح الى فقدان الثقة بكل القائمين اللحظة على حكم لبنان ، وبمقدمتهم الرئاسات الثلاث التي تشبه الى حد بعيد رئاسات محمية بغداد العليلة حتى الآن .
تمادى الرجل وتواقح ودهن وجهه بأسمنت ثقيل ، وحدث الناس والحاكمين على ضرورة تطبيق وتنفيذ « العقد السياسي « الذي جاء به تحت الأبط ، وزاد أنه سيأتي نهاية الشهر ليرى بنفسه الأمارة بالشك ما تم تنفيذه فعلاً على الأرض !!
قبلها اجتمع بالجنرال المعتق عون ثنائياً ، وفي نفس الوقت كان الرأسان الآخران ، رئيس الوزراء حسّان ورئيس مجلس النواب نبيه ينطران بباب الغرفة المغلقة ويقضيان الوقت الذي بدا طويلاً مثل عقوبة يتلقاها تلميذ مشاكس نسي حلَّ واجبه البيتي ، فتلقى ركلة على المؤخرة ووقفة جامدة بباب الصف أو قرب مزبلة الفوائض في الزاوية الميتة !!
ظل ماكرو من دون نون كما تلفظه مذيعات الفضائيات الحلوات ، معبوداً من جمهرة لبنانية ضخمة لمدة ثلاثة أيام وربع ليلة ، حتى انقلب عليه نصف الأحباب ساعة صدور تصريح واضح جداً من قصر الأليزيه يقول بالفصحى أنَّ انفجار مرفأ بيروت الكبير هو حادث ، في الوقت الذي كانت الأجواء كلها تشحن وتنتظر تلبيس الأمر كله برأس حسن نصر الله فقط !!
أما المشهد المنولد على باب الحدث المروع من بغداد شرقاً حتى الرباط غرباً ، فلقد أظهر بالصوت وبالصورة وبالألوان مدى تجذر وتعمق الطائفية المريضة ، وكيف ضربت العقول والقلوب قبل ان تضرب البناء والجسد ، حيث الحب طائفي والكراهية طائفية والحروب البينية العربية الغبية طائفية ، والنقاش على حوائط التناطح والتكافش الاجتماعي طائفي ، والدموع بصنفيها الحقيقي والتمساحي طائفية وساخنة وفق الهوى !!
يا إلهي ما الذي جرى لهذه الأمة العظيمة الطيبة التي كانت صنعت أعظم اللمعات في قرون الألق والإشعاع الأموي والعباسي والأندلسي ؟!